«المحاكم» الصومالية تؤكد عبور قوات إثيوبية للحدود.. وأديس أبابا تنفي وتحذر

فرار اثنين من أمراء الحرب على ظهر سفينة أميركية وسط تبادل للاتهامات

TT

سهلت الولايات المتحدة أمس مهمة اثنين من أمراء الحرب أو ما يسمى بمجلس مكافحة الإرهاب للهروب خارج الصومال بعد هزيمتهما أمام ميليشيا المحاكم الإسلامية. وقامت سفينة حربية بنقلهما أمس إلى مكان غير معلوم.

وقال مسؤولون بالمحاكم الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» إن الاثنين هما بشير راجحي وموسى سودي يالاهو وزير التجارة السابق وقد استقلا قاربا في ساعة مبكرة من صباح أمس قبل أن تلتقطهما سفينة حربية أميركية اقتربت من الساحل الصومالي.

وأغلق يلاهو هاتفه النقال، فيما تردد أنه في طريقه للحصول على حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة تنفيذا لاتفاق سبق إبرامه مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية فور إنشاء مجلس مكافحة الإرهاب الذي انهار رسميا وبدأ معظم أعضائه في التخلي عن عضويته وكان أخرهم عمر فينيش وزير الأوقاف السابق في الحكومة الذي أعلن عبر وسائل إعلام محلية في الصومال اعتذاره عن موقفه المناوئ للمحاكم الإسلامية.

وقال قيادي بارز بالمحاكم الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» هناك معلومات عن اتجاه معظم أمراء الحرب المهزومين للرحيل إلى خارج الصومال بترتيبات خاصة مع الولايات المتحدة كنوع من رد الجميل لهم على عملهم لخدمة مصالحها.

وهدد مسؤول بارز بالحكومة الانتقالية الصومالية بأن حكومته قد تطالب الإدارة الأميركية رسميا بتسليمها راجحي ويلاهو لمحاكمتهما على جرائم الحرب والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي ارتكباها قبل فرارهما.

وفي نفس الوقت، تبادل رئيس المحاكم الإسلامية اتهامات مع الرئيس الصومالي بشأن حقيقة نوايا المحاكم الإسلامية في بسط سيطرتها على كامل الدولة الصومالية تمهيدا لإنشاء دولة إسلامية هناك، بينما استمرت حالة التأهب التي أعلنتها سرا السلطة الانتقالية بين صفوف قواتها وميليشياتها في مدينة بيداوة مقرها المؤقت في جنوب الصومال.

ومن جهتها نفت اثيوبيا امس ان تكون قواتها دخلت الى الصومال المجاور، وقال بركات سيمون الاختصاصي في العلاقات العامة لدى رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية «لم تعبر اي قوات اثيوبية الحدود». وسئل عما اذا كانت اديس ابابا حشدت قوات على الحدود فاكتفى بالقول «من حق اثيوبيا السيطرة على حدودها واننا نتابع الوضع عن كثب»، دون مزيد من التوضيحات.

وبينما اتهم الشيخ شريف أحمد رئيس المحاكم الإسلامية حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي بمحاولة التدخل في الشؤون الصومالية وإرسال مئات من قواتها لعبور الحدود الصومالية الإثيوبية في منطقة دولو جنوب غربي الصومال، فقد اتهم الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف المحاكم الإسلامية بمحاولة إنشاء دولة إسلامية على كامل ربوع الصومال وحذر قادتها من التفكير في مهاجمة معقل السلطة الانتقالية ومقر إقامته في مدينة بيداوة بجنوب الصومال.

وقال الشيخ شريف أحمد رئيس المحاكم الإسلامية في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أمس من القاهرة إن قوات إثيوبية مؤلفة من 300 جندي عبرت بالفعل إلى داخل الصومال، معربا عن مخاوفه من أن تمثل هذه القوات طليعة لقوات إثيوبية أخرى تستعد منذ مدة لمنع المحاكم الإسلامية من تمديد نفوذها باتجاه المناطق الحدودية بين الصومال وإثيوبيا.

وكشف شريف النقاب عن تلقيه معلومات مؤكدة من جهات لم يفصح عنها بأن إثيوبيا التي أزعجتها الانتصارات المتتالية التي حققتها الميليشيا المسلحة التابعة للمحاكم الإسلامية وبعد هزيمة أمراء الحرب المحسوبين عليها تجري استعدادات عسكرية للتدخل منذ مدة وتحديدا بعد السيطرة على العاصمة الصومالية مقديشو.

ورد عبد الرحمن ديناري الناطق الرسمي باسم الحكومة الصومالية على تصريحات شريف بالقول إنها مجرد دعاية للتغطية على نية المحاكم الإسلامية مهاجمة مقر الحكومة في بيداوة، مشيرا إلى أن القوات الموجودة في المدينة مستعدة لأي طارئ على حد تعبيره.

وقال ديناري في اتصال لـ«الشرق الأوسط» ان «هذه مجرد دعاية مضللة تطلقها قيادة المحاكم الإسلامية لإرهاب الناس وتخويفهم بينما هم يخططون عمليا لمهاجمتنا في بيداوة».

وحذر الشيخ شريف من مغبة التورط الإثيوبي في الأزمة الصومالية، مشيرا إلى أن المحاكم ستتصدى لأي محاولة إثيوبية للتدخل في الشؤون الداخلية الشعب الصومالي.

وقال «سندافع عن أرضنا وشعبنا تجاه أي غزو إثيوبي وضد أي قوات أجنبية ستدنس هذا البلد».

لكن الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف أبلغ «الشرق الأوسط» في المقابل أن المحاكم الإسلامية أعلنت أكثر من عشر مرات عن دخول قوات إثيوبية إلى الأراضي الصومالية ولم يثبت صحة ذلك، مشيرا إلى أن المحاكم تريد ضرب العلاقات الصومالية الإثيوبية عن طريق التلويح بتدخل إثيوبي مباشر في تطورات الوضع الراهن في الصومال.

ولاحظ يوسف أن المحاكم الإسلامية منقسمة على نفسها تجاه الهجوم على مدينة بيداوة، مشيرا إلى أن المعتدلين من قادتها ضد هذا الهجوم الذي يطالب به الجناح المتشدد فيها.

واعتبر يوسف أن حكومته مستعدة لمواجهة المحاكم الإسلامية إذا ما فكرت بالهجوم على بيداوة، لكنه قال في المقابل إنه يأمل في أن لا تصل الأمور إلى حد الصدام المسلح بين الطرفين لما ينطوي عليه ذلك من آثار سلبية على مستقبل عملية المصالحة والجهود الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار في الصومال.

وعلى الرغم نمن ذلك، فقد رحب الرئيس الصومالي بعرض نظيره اليمني علي عبد الله صالح رعاية محادثات مباشرة هي الأولى من نوعها بين السلطة الصومالية والشيخ شريف أحمد رئيس المحاكم الإسلامية الذي هيمنت ميليشياته على مدينتي جوهر ومقديشو أخيرا.

وقال يوسف لـ«الشرق الأوسط» في حديث أدلى به عبر الهاتف إنه ليس لديه أية شروط مسبقة للحوار مع المحاكم الإسلامية سوى تغليب مصالح الشعب الصومالي على ما عداها.

واعتبر يوسف من جهته لـ«الشرق الأوسط» أنه لا بديل عن الحوار بين مختلف الأطراف الصومالية من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة الصومالية التي تعاني انهيارا شاملا منذ سقوط نظام حكم الرئيس المخلوع محمد سياد بري عام 1991.

وقال إن الجميع بما في ذلك تنظيم المحاكم الإسلامية يتعين عليه التعاون مع الحكومة الصومالية إذا كان جادا في تحقيق الأمن والاستقرار، مشيرا إلى أن مصلحة الشعب الصومالي وتطلعه إلى إعادة الاعمار والتنمية تتطلب ذلك.

ولفت يوسف إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بدأت تصحح أخطاءها بشكل تدريجي في الصومال، لكنه قال في المقابل إن حكومته مستعدة للتعاون مع الإدارة الأميركية لمكافحة أية أنشطة أو جماعات إرهابية في البلاد.

ونفى الشيخ شريف احمد رئيس المحاكم الإسلامية مجددا عزمه إنشاء دولة إسلامية في الصومال أو مهاجمة المقر المؤقت للحكومة الانتقالية في مدينة بيداوة الجنوبية، كما نفى تقدم ميليشياته باتجاه مدينة بيلدوين بالقرب من الحدود الإثيوبية خلافا لما رددته مختلف وسائل الإعلام أول من أمس.

واستغرب شريف الحديث عن وجود أجندة سرية له يتم تنفيذها على مراحل في الصومال لبسط الهيمنة الكاملة للمحاكم عليه، وقال في حوار أجري معه عبر الهاتف من القاهرة إن قواته ستبقى في جوهر حتى يتمكن سكانها من حفظ الأمن والنظام بأنفسهم، مشيرا إلى أن الحوار مع الحكومة الانتقالية مازال معلقا.

وحمل الشيخ شريف أحمد بعنف على موافقة البرلمان الصومالي أول من أمس على خطة رئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي الاستعانة بقوات حفظ سلام من أوغندا والسودان، واعتبر أن هذا القرار غير موفق وخاطئ.