لصين تخطط للانتقال من التقليد إلى الابتكار والتحول إلى أمة الاختراعات

التعلم عبر الروتين والحفظ يؤدي إلى نتائج مدرسية عالية.. وإبداع محدود

TT

وانع واي مشغول هذه الايام، وهو يحاول التوصل الى شيء جديد، خلال الاشهر الثلاثة القادمة، لابتكار مجموعة ازياء جديدة، لعرض ازياء في باريس، يمكن اعتباره ضروريا في سعيه لكي يصبح واحدا من مصممي الازياء العالميين.

وقال وانع «ربما يتطلب الامر 10 سنوات اخرى لتحقيق حلمي. ولكني اتخذت الخطوات الاولى»، في اعتراف منه بأنه ليس من الاسماء المعروفة بعد في عالم الازياء في باريس او ميلانو.

ووانع، وهو شاب في الرابعة والثلاثين من عمره، ولا يبدو نموذجا للبيروقراطية الشيوعية الصينية التقليدية. ولكن مع الازياء التي يصممها للنساء الثريات في الخارج، فهو النموذج الذي يريد الحزب الشيوعي تحقيقه: مبدعون ينتشرون على المسرح العالمي.

وبدلا من ملايين الشباب الصيني الذين يصنعون اختراعات الاخرين، فإن قيادة الحزب توصلت الى ان الوقت قد حان للصين لان تحقق افكارها الخاصة وتبيعها للجميع.

والسؤال هو ما اذا كان في امكان الصين تحقيق هذا التحول، من ورشة العالم الي مركز للاختراعات، هو المدخل لمستقبل البلاد. وستساعد الاجابة على تحديد ما اذا كانت حكومة تؤمن بأفكار الايديولوجية الماركسية التي ترجع الى 150 سنة يمكنها اتباع سياسة توسع اقتصادي، واشباع حاجات 1.3 مليار نسمة وتبوء مكانة بين القوى العالمية، في عصر تعتبر فيه المعلومات اكثر المنتجات الرابحة.

وبالرغم من ان العقيدة السياسية هنا مرتبطة بالماضي، فإن الابداع الاقتصادي اصبح هو الشعار الجديد للحزب الشيوعي الصيني. حتى وهو يحاول تطبيق التماثل السياسي، ونادرا ما يدلي الرئيس الصيني هو جينتاو ورئيس الوزراء وين جياباو بخطاب هذه الايام بدون حث الشعب على التفكير في منتجات جديدة. وفي الاونة الاخيرة ذكر هو للعلماء والمهندسين ان عليهم جعل الصين «امة اختراعات».

ويوضح هو شوهوا، الذي يرأس مركز ادارة الاختراعات في جامعة ووهان للتكنولوجيا «الاختراعات هي استراتيجية شاملة للحفاظ على الامن الاقتصادي الصيني. وقد حان الوقت الان بالنسبة لنا لنقدم اختراعات». مشيرا الى ان الصين تستورد افكار الدول الاخرى طوال العشرين سنة الماضية. وقال «لقد اصبحت لدينا القاعدة الاقتصادية والتقنية للقيام بذلك».

وتجدر الاشارة الى ان التخلف في مجال الاختراعات التكنولوجية هو اكثر ما يقلق القيادة الصينية. وقد ظهر كارتون في صحيفة «تشينا ديلي» الخاضعة لسيطرة الحكومة في الاسبوع الماضي، يصور الاقتصاد الصيني على شكل سيارة سباقات الفئة الاولى تستعد للانطلاق، ولكن يمنعها وجود عجلة سيارة عليها عبارة «التكنولوجيا».

واشتكى هو شوهوا، المتخصص في اختراعات قطاع السيارات، من ان السيارات التي تسير في شوارع الصين، التي يتزايد عددها زيادة كبيرة، هي مجرد نسخ من تصميمات اجنبية، تمت صناعتها بالتعاون مع شركات اجنبية او جرى استيرادها.

وقد تأسس معهد الابحاث، الذي يعمل به في ووهان، وهو مركز شركة دونغفينغ الحكومية، التي تصنع سيارات بالتعاون مع شركة سيتروين الفرنسية. كما علق الرئيس هو خلال زيارته لمدينة سياتل الاميركية في شهر ابريل (نيسان) الماضي، انه استخدم برامج كومبيوتر من صنع شركة مايكروسوفت الاميركية لفتح جهاز الكومبيوتر الخاص به.

وربما تكون التقاليد الصينية واحدة من العوائق التي تحد من انتشار الاختراعات. فقد تعلم اطفال المدارس، لعدة قرون، الالتزام والانتماء. ويقول المثل الصيني «الطائر الذي يبتعد عن سربه هو اول هدف للصيادين».

ولا تزال المدارس تؤكد على النشاطات الجماعية وتفضل النظام على الفردية. وحتى الاداء في الفصول الدراسية يشمل مجموعات من الاطفال تلبس نفس الزي وتلوح بنفس الاعلام. ويتدرب الاطفال عادة على التعلم عبر الروتين والحفظ بدون توجيه اسئلة للمدرس، وترديد ما حفظوه في الامتحانات. ويؤدي هذا النظام الى نتائج مدرسية عالية وابداع محدود.

ويفتقر العديد من الصينيين الى لثقة في ذوقهم، وهو متطلب اساسي في الابداع في مجال الازياء، كما اوضح زانع دا، وهو مصمم ازياء اخر، يبلغ من العمر 38 عاما. ويتذكر انه حتى فترة ليست بالبعيدة كان الاثرياء الجدد يتركون «الماركات» على ستراتهم لكي يعرف الاخرون انهم يرتدون ازياء فاخرة. وقال ان انتشار شعبية حقائب لويس فوتون في الصين دليل على ذلك، لان الحروف الاولي من اسم الشركة مدموغة على الجلد لكي يراها الجميع.

وخلال المقابلة، رفض هو شوهوا هذه المخاوف. وقال ان الثقافات التقليدية لم تمنع الصين من ان تصبح الدولة الاولى تكنولوجيا قبل الف عام، وقدمت اختراعات مثل البارود والبورسلين والبوصلة وتكنولوجيات مثل الملاحة، والطباعة وصناعة الحرير. واضاف «ربما تعني الافكار الكونفوشيوسية ان الاطفال الصينيين المعاصرين اقل انطلاقا من نظرائهم الغربيين، ولكن ليس من الضروري ان تصبح منطلقا لكي تبدع».

ومع انتصار الشيوعيين عام 1949 فرض ماوتسي تونغ، حكما سياسيا متشددا وارثوذكسية اجتماعية على الصين دفعت بالالتزام التقليدي الى مستويات جديدة. وتم التخلي عن النظام التعليمي خلال الثورة الثقافية وجرى تشويه جيل بأكمله، الجيل الذي يسيطر على مقاليد السلطة في اروقة الحكم والجامعات ومجالس الادارات. وقد تغير الكثير في ربع قرن من الاصلاح، ولكن تراث الالتزام لا يزال قويا.

ويتذكر وانغ يوانغ، الذي يصمم ويبيع ملابس جاهزة في محله في شنغهاي «في الستينات والسبعينات كان كل ما نراه هو الثورة. كل الصور كانت لماو والعمال الابطال. بالطبع اثر ذلك علينا للغاية».

وفي هذا المناخ، كان الابداع نادرا في الصين المعاصرة. وبالرغم من احلام وانغ في مجال الازياء، فلم يحظ مصمم ازياء صيني بالشهرة في العالم على سبيل المثال، كما لم يحصل صيني على جائزة نوبل بدون مغادرة وطنه والنظام الذي يديره.

كما يصعب الحصول على مخصصات للابحاث، وهي عادة ما تكون ذات توجه سياسي. وبالرغم من ان الصين تعهدت بجعل العلوم والتكنولوجيا تمثل نصف معدلات النمو بحلول عام 2020، فإن المعاهد الصينية لا تزال تنفق 1.1 في المائة من اجمالي الدخل الوطني علي الابحاث والتطوير بالمقارنة بـ3.2 في المائة في اليابان و2.6 في الولايات المتحدة. وحتى تشين جين الرجل الذي كان يعتبر مخترع اول شريحة الكترونية صينية تبين انه محتال، فالشريحة التي اخترعها هي من شركة موتورولا وختمها باسمه.

وبالرغم من كل ذلك فإن الحزب مستمر في عدم تشجيع الاختراعات في العديد المجالات، لا سيما في المجال السياسي وفي المعلومات والفنون التي تتعلق بالنظريات السياسية. ويبدو ان الحكومة تريد من الاختراعات انتاج منتجات ثورية بدون افكار ثورية.

وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس هو يدعو الشعب «للترويج للابداع الثقافي» في شهر ابريل الماضي، اصدر الرقباء قرارا بسحب 20 لوحة ذات محتويات سياسية من معرض في مركز داشانزي للفنون في بكين. وبالمثل حث رئيس الوزراء وين العلماء على «رفع مستوى القدرة الشخصية على الاختراع»، بينما اصدرت حكومته قرارا بالتعتيم على فيلم «قصر الصيف»، وهو فيلم صيني يحتوي على تلميحات سياسية حول احتجاجات الطلاب في ميدان تيانانمين في بكين عام 1989، الذي حصل على تقدير في مهرجان كان للسينما.

ويعرف وانغ وي الالتزام منذ فترة مبكرة في حياته. فقد اجبر والده وهو رسام على انتاج اعمال فنية تافهة للثورة الثقافية خلال النهار، وكان يتفرغ لرسم لوحات تقليدية خلال المساء، داخل شقة الاسرة في شنغهاي.

وقد قلد وانغ والده في فترة مبكرة، حيث كان يرسم مشاهد على الحيطان ويحظى بتقدير المدرسين. عندما بلغ من العمر 13 سنة مثل شنغهاي في مسابقة فنية وطنية، وكان موضوعه هو الحياة اليومية في المدينة.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»