الميليشيات تحير المالكي.. وإقناعها بنزع سلاحها لن يكون سهلا

تحمي مناطقها من الهجمات لكنها أصبحت أكبر من أحيائها وتمارس النهب بشكل متزايد

TT

بغداد ـ رويترز: كانت ام احمد تتسوق مع زوجها حين شهدت عملية الخطف.. مسلحون جذبوا رجلا من داخل سيارته على مرأى ومسمع من زوجته وأطفاله، الذين أخذوا يصرخون. كانت سيارة الخاطفين قد توقفت قبل لحظات امام الاسرة. وجذب أربعة رجال مسلحون ببنادق كلاشنيكوف الرجل الى داخل سيارتهم، وأطلقوا أعيرة نارية بالهواء اثناء انطلاقهم بالسيارة.

مثل هذه الحوادث شائعة في بغداد، التي ينعدم فيها القانون. وام احمد، 40 عاما، ليس لديها شك في هوية المسلحين، فحي اور الشمالي، الذي تسكنه تسيطر عليه ميليشيا جيش المهدي المرتبطة بالزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر.

وبالرغم من أنهم نادرا ما يذكرون اسماء فان مسؤولين اميركيين وعراقيين يقولون، ان مثل هذه الميليشيات تقف وراء عمليات القتل والخطف اليومية. وخطف الالاف للمطالبة بفديات لتحريرهم، وألقيت مئات الجثث في شوارع بغداد وتكون عادة موثوقة الايدي ومصابة بأعيرة نارية في الرأس.

وتعهد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بحل الميليشيات، محذرا من أن استمرار وجودها في شوارع العراق، ربما يذكي العنف الطائفي، الذي دفع العراق الى شفير حرب أهلية شاملة في الاشهر الاخيرة. لكن قول هذا أسهل من فعله. فبعض أقوى الميليشيات تشكل أساس قوة أحزاب شيعية وكردية في حكومته. وفي الوقت الذي تمسك فيه الفوضى بخناق العراق فان اقناع الميليشيات بالتخلي عن السلاح لن يكون سهلا.

ويجادل جوست هيلترمان مدير مشروع الشرق الاوسط بالمجموعة الدولية لمعالجة الازمات، بأن «هذه الميليشيات تقوم بوظيفة مهمة شئنا ام أبينا». وأضاف «ليست هناك حكومة قوية لها قوات أمن تستطيع تحقيق الامن، لذا ما زالت هناك حاجة للميليشيات. فهي تحمي مناطقها من الهجمات، لكنها أصبحت اكبر من أحيائها وتمارس النهب بشكل متزايد».

ويتفق محللون على ان المالكي لا يستطيع الحديث عن تسريح الميليشيات الى أن يحل مشكلة الفراغ الامني الذي يعانيه العراق، حيث غطى الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة بشكل متزايد على حركة مسلحة للمقاتلين السنة مستمرة منذ ثلاثة أعوام. وقال ستيفن بيدل زميل مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن «الميليشيات موجودة لان هناك مشكلة أمنية أساسية. لا يمكن ان تقصيها الا بعد أن تحل المشاكل الامنية. لا يمكن فعل هذا في خطوة واحدة».

والميليشيات هي القوى غير النظامية التي تعمل خارج نطاق سيطرة حكومة المالكي، لكن هذا التعبير عموما يشير الى جماعات، من بينها جيش المهدي ومنظمة بدر المرتبطان بأقوى حزب شيعي في الحكومة وميليشيا البيشمركة التي تسيطر على شمال العراق، الذي يسكنه الاكراد ويتمتع بشبه حكم ذاتي. وتنفي جميعها ارتكاب أي مخالفات، ويؤكد كثير منها أنه ليس ميليشيات على الاطلاق. وتقارن ميليشيا البيشمركة نفسها بالحرس الوطني في الولايات الاميركية ويقول قياديو منظمة بدر انهم ليسوا الا ساسة.

ويعتقد مصطفى العاني رئيس قسم الامن القومي بمركز أبحاث الخليج في دبي، أنه بدون جيش قوي يجبر الميليشيات على حل نفسها، فان المالكي محكوم عليه بالفشل. وتابع قائلا: ان الاحزاب تريد الاحتفاظ بالميليشيات، لانه ليس لديها ثقة قوية في نجاح العملية السياسية، وأضاف أنه لا يرى أنهم سيتخلون عما ينظرون اليه على أنه ميزة.

ويقول بيدل، إن المالكي ربما سيحتاج الى الشروع في عملية «خطوات أولى» تتطلب بناء الثقة مع الاقلية من السنة التي كانت مهيمنة ذات يوم. والميليشيات السنية أقل تنظيما من الميليشيات الاخرى. وأضاف بيدل أنه «يجب اقناع الشيعة بأنهم ليسوا بحاجة الى ميليشيا لمنع السنة من قمعهم. لا يمكن حدوث هذا قبل أن يبدأ العنف، الذي يمارسه السنة، في التراجع. ولن يبدأ عنف السنة في التراجع الى أن يقتنع زعماء المقاتلين السنة بأن تصرفات الحكومة ستعكس مصالحهم». ولكن ماذا سيكون العمل مع أفراد الميليشيات بعد تسريحهم؟ قدم المالكي بضعة مفاتيح لحل المشكلة، حين اقترح دمج الميليشيات في قوات الامن. ويتهم السنة ميليشيات شيعية وكردية باضطهادهم وادارة فرق للموت بعضها داخل قوة الشرطة الجديدة، التي تساندها الولايات المتحدة، ويتفق كثير من المحللين على أن دمج الميليشيات سيكون كسكب البنزين على النار. وقال بيدل «الحل الامثل هو نزع سلاحهم واعطائهم وظائف مدنية... لكنني أشك كثيرا في أن زعماء الميليشيات سيوافقون على هذا». وحتى يتم التوصل الى حل وسط عملي ستستمر الميليشيات في التجوال من دون ضابط وستعيش ام احمد وهي تعلم أنها هذه المرة كانت شاهدة على عملية الخطف، لكنها ربما تكون الضحية في المرة القادمة.