عراقيون يهربون من الواقع المظلم.. إلى «سينما الزمن الجميل»

مخرجون وممثلون يسترجعون ماضي الأفلام وأولها «فتنة وحسن» الذي أنتجه استوديو بغداد عام 1947

TT

بغداد ـ أ.ف.ب: تجمع عدد من رواد السينما العراقية ومسؤولون حكوميون يحيط بهم حراس مسلحون وعدد قليل ممن يتملكهم الحنين الى الماضي، للمشاركة في احتفال فني خاص أقيم الأسبوع الماضي في مسرح بغداد الوطني.

وعلى الرغم من أنه تم الاعلان عن هذا الاحتفال باعتباره «اول مهرجان للسينما العراقية» منذ الغزو عام 2003، إلا انه في الواقع لم يكن سوى محاولة لاستذكار «سينما الزمن الجميل».

وبدا ان غالبية المشاركين يريدون ان يتناسوا ولو للحظات واقعهم اليومي القاتم، ليستمتعوا بلحظات الفرح التي عاشها هذا البلد رغم تاريخه المليء بالحروب والعقوبات والضربات.

وكان من المفترض ان يكون هذا الاحتفال الذي عرضت خلاله مقاطع من أفلام عراقية قديمة مثل «المنعطف» و«المسألة الكبرى»، «امسية سينمائية»، غير انه بسبب المخاطر الأمنية وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر وحظر التجول الليلي المفروض في بغداد، اضطر المنظمون الى إقامته في الفترة الصباحية.

وعلى جدران قاعة الاستقبال في المسرح، تم تعليق صور قديمة لمخرجين وممثلين ومنتجين عراقيين.

وفي حين كانت مشاهد من افلام قديمة انتجت في الخمسينات والستينات تعرض على شاشة صغيرة في احد الاركان، قام فريق موسيقي صغير بعزف أغان فولكلورية. وأخذت امرأة خط الشيب شعرها تتمايل مع النغمات وهي تغمض عينيها وقالت وقد ارتسمت ابتسامة على وجهها «كنت أكثر جرأة من الرجال، كنت أحمل الكاميرا على كتفي وأصور في كل مكان حتى على الحدود الايرانية في مواقع مليئة بالألغام».

وتقدم سناء علي عباس، 61 عاما، نفسها بفخر على أنها «اول مصورة سينما عراقية» وتؤكد أنها أخرجت 20 فيلما وثائقيا.

وللتدليل على صحة ما تقول، تحمل سناء مقالا كتب عنها ونشر في الثامن من مايو (ايار) 2001 في صحيفة «الجمهورية» التي اختفت بعد ذلك مع سقوط نظام صدام حسين.

وجاءت سناء التي تقيم في حي بغداد الجديدة المضطرب مع ابنتها نبراس، 37 سنة، لحضور الاحتفال. وترفض الأم وابنتها الحديث عن العنف كما ترفضان كشف ما اذا كانتا تنتميان الى الطائفة الشيعية ام السنية. وتؤكد سناء بتفاؤل انه «بعد الظلمة يأتي دائما نور الصباح».

ومند ثلاث سنوات، وضع التراث المتواضع للسينما العراقية في المسرح الوطني، بعد ان دمر ونهب مسرح الرشيد الواقع على الضفة الغربية لنهر الفرات، ابان الغزو عام 2003.

ويقول قاسم محمد، 53 سنة، الرئيس الحالي لإدارة السينما في وزارة الثقافة العراقية «فقدنا 12 فيلما أصليا من إجمالي 99 فيلما انتجتها السينما العراقية، كما أن الكثير من الأفلام الأخرى أصابها تلف».

ويحاول محمد مع مساعده حسين علوان، 52 سنة، ترميم الأفلام القديمة بوسائل بدائية. ويقول المخرج عبد الهادي مبارك، 73 سنة، الذي يعتبر عميد السينما العراقية، انه «يأمل في استعادة فيلمه عروس الفرات».

وكان هذا الفيلم جريئا في زمنه، اذ تناول قصة فتاة تتحدى والدها والتقاليد وتصر على استكمال دراستها الجامعية.

وأخذ يتذكر مبتسما وهو ممسك بملف بلاستيكي يضم اجزاء من اشرطة سينمائية قديمة، كيف انه شارك في صناعة اول فيلم عراقي وهو «فتنة وحسن»، الذي انتجه استوديو بغداد عام 1947، مؤكدا ان الأخير كان مملوكا لثلاثة شركاء احدهم مسلم والثاني مسيحي والثالث يهودي.

ويأخذ مبارك على نظام صدام حسين، انه فرض هيمنته على الانتاج السينمائي والتلفزيوني في العراق، وأصر على انتاج افلام تحمل رسائل سياسية او ذات طابع تاريخي. ويقول «لم تكن للسينما العراقية جاذبية السينما المصرية التي كانت تظهر فيها الممثلات منطلقات بلباس البحر».

ولتوضيح نوعية الأفلام التي انتجت في عهد صدام حسين، يشير المخرج بيده الى اللافتة الدعائية القديمة لفيلم «بطل الصحراء»، الذي يروي قصة بطل وطني شجاع يهزم الغزاة، في إشارة واضحة الى الرئيس العراقي السابق.

وعن الوضع الحالي يقول مبارك «انه مؤلم جدا بالنسبة لي (..) إنني لا أكاد أخرج من بيتي».