دراسة علمية تؤكد أنه لا يمكن شراء السعادة

متوسطو الدخل أكثر سعادة من أصحاب المداخيل العالية

TT

حينما أعلن وارن بافت مالك ومدير شركة «بيركشاير هاثواي إنك» قبل نحو اسبوعين، أنه سيتخلى عن أكثر من 30 مليار دولار من ثروته للاعمال الخيرية، خصوصاً لتحسين الصحة والتغذية والتعليم، فإن كثيرا من الأميركيين فكروا بسخائه المتميز وفكروا بكل الأعمال النبيلة التي ستحققها هذه الثروة التي تبرع بها، وسألوا أنفسهم ماذا سيفعلون إذا كان هناك شخص يريد أن يعطيهم هذا القدر من المال.

لكن الأمر بالنسبة الى بافت مختلف فهو يفكر في روحه، وقال حينما أعلن عن أكبر تبرع في تاريخ كوكب الأرض «هناك أكثر من طريقة للوصول إلى الفردوس لكن هذا هو أفضل طريق»، لكن موقفه هذا قد يتماشى مع البحوث الأخيرة في مجال علم النفس.

فحسب المعلومات المأخوذة خلال العقود الأخيرة يتضح أن زيادة الدخل الفردي عن 12 ألف دولار سنويا لا تزيد من درجة الرضا على الحياة. فمن عام 1958 حتى 1987 على سبيل المثال تنامى الدخل الفردي في اليابان خمسة أضعاف لكن الباحثين لم يجدوا زيادة في درجة السعادة تتناسب مع هذه الزيادة في الدخل.

وبرر ريتشارد لايارد الاستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة لندن هذه الظاهرة التي كانت موضع دراسته لأن الناس يشعرون بالثراء من خلال مقارنة أنفسهم بالآخرين، وحينما يزداد الدخل عبر كل الوطن فإن مكانة الأفراد لا تتغير نسبيا.

لكن بالتأكيد فإن تبرع بافت المتمثل بإعطاء 4 ملايين دولار كل يوم سيجعل الكثير من الناس شديدي الابتهاج.. أليس كذلك؟

مؤقتا، هذا صحيح. قال لايارد في مقابلة اجريت معه اخيراً.. لكن مع ذلك فإن المقارنات الاجتماعية ليست العامل الوحيد المطروح في هذه الحالة. فالعامل النفسي الآخر هو التعود: فالتغير الجذري في ثروة الشخص تخلق السعادة لكنها ستستمر فقط حتى يعتاد الناس مكانتهم الجديدة التي قد لا تتجاوز أشهرا عدة أو عامين في الأغلب.

قال لايارد إنه حينما يفوز الناس باليانصيب على سبيل المثال فإنهم «يشعرون في البدء بزيادة كبيرة في الشعور بالسعادة ثم تهبط إلى المستوى السابق، إذن لماذا يريد الناس أن يفوزوا باليانصيب؟ إنهم يركزون على فترة قصيرة ويبدو أنهم غير معنيين بالطرائق ذات الأمد البعيد للكيفية التي تعمل وفقها مشاعرهم».

وكتبت مجلة «ساينس» الأسبوع الماضي تقريرا عن وجود أدلة أخرى ونظرية أخرى حول الأسباب التي لا تجعل الناس سعداء بعد حصولهم على الثروة، وجاء في تقريرها أن «الإيمان بوجود آصرة ما بين الدخل العالي والمزاج الحسن منتشر كثيرا لكنه وهمي، فالناس الذين يكسبون دخلا متوسطا هم أكثر سعادة من غيرهم حين إجراء المقارنة بين تجربتهم لحظة بلحظة مع تجارب أصحاب المداخيل العالية، إذ أن الأخيرين يميلون إلى التوتر وهم لا يقضون وقتا أكثر امتاعا».

وتكمن المشكلة في أن الناس حالما يتجاوزون خط الفقر لا تصبح النقود ذات فعالية كبيرة في السعادة اليومية، وقال آلان كروغر البروفسور في الاقتصاد بجامعة برينستون مؤلف الدراسة إن «الناس يبالغون في مدى تأثير المداخيل العالية على رفاهيتهم».

وأضاف كروغر أن بالتأكيد ستمكن الثروة الفرد من شراء أشياء كثيرة لكن هذه الأشياء لا تعالج المخاوف اليومية التي يعيشها الناس مثل القلق على الأطفال أو مشاكل العلاقات الحميمة وآفاق التوتر الناجم عن وظائفهم.

حينما يحلم الناس بفوز مالي كبير فإنهم «يركزون على كل الأشياء التي سيشترونها بدون أن يركزوا على كون الكثير مما سيشترونه لن يلعب دورا كبيرا في راحتهم» حسبما يقول كروغر.

واستنتج كروغر في دراسته أنه «إذا أردتم أن تعرفوا لمَ أظن أن الناس الفقراء ليسوا بؤساء فإن ذلك يعود لأنهم يستمتعون بالأشياء التي لم يتمكن بيل غيتس أن يستمتع بها، بسبب ساعات عمله في مايكروسوفت».

وأوضحت دراسات مختلفة أن الناس غير مستعدين للقبول بتخفيض لأجورهم حتى لو أعطاهم ذلك حرية أكبر واقل تنقلا ومراقبة، كل العناصر التي لها علاقة مع سعادة اللحظة، فالتركيز على الراتب هو متماثل مع بطاقة خطأ الفائز بجائزة اليانصيب عند تفكيره بأن النقود ستغير كل شيء.

وقال كروغر «إحدى الاخطاء التي يقع فيها الناس هي حينما يركزون على الراتب لا على جوانب العمل الأخرى غير المرتبطة بالراتب، فالناس لا يقيمون نوعية العمل، لذلك يبدو العمل كأنه أسوأ ساعات اليوم بالنسبة الى الكثير من الأفراد».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»