تصاعد الجدل في لبنان حول نزع سلاح «حزب الله» ومد سيطرة الجيش إلى الحدود

اجتماع عاصف للحكومة اللبنانية وجنبلاط يعتبر أن لبنان يدفع ثمنا غاليا

TT

يلعب «حزب الله» وزعيمها حسن نصر الله دورا فعالا في السياسة اللبنانية، كما ان المهارة العسكرية للجماعة قد شدت عزيمة انصاره في الداخل وفي الدول العربية. ولكن نفس قوة السلاح هذه بدأت في اضعاف موقف حزب الله في بلد يتهمه النقاد بأنه يجر لبنان الى نزاع لا يمكن تحقيق النصر فيه، ولم تختره الحكومة ولا تريد الدخول فيه.

وقال وليد جنبلاط عضو البرلمان وزعيم الطائفة الدرزية اللبنانية: «بالنسبة لنوعية معينة من العرب ومن النخبة، يعتبر نصر الله بطلا، ولكن الثمن في غاية الارتفاع. ندفع ثمنا غاليا».

وسيثبت هذا النزاع انه نقطة تحول في تاريخ جماعة حزب الله التي تأسست برعاية ايرانية في اعقاب الغزو الاسرائيلي للبنان في عام 1982. وقد تحولت، منذ ذلك الحين، من منظمة عنيفة تتحمل مسؤولية هجومين على السفارة الاميركية ونسف ثكنات قوات المارينز الاميركية في بيروت عام 1983 الذي ادي الى مقتل 241 من افراد القوة، الى حركة ناشطة لديها اعضاء وانصار في الحكومة اللبنانية، ومليشيات تسيطر، فعليا، على الجنوب، وبنية اساسية تقدم الرعاية الاجتماعية الى الشيعة وهم اكبر الاقليات اللبنانية.

وفي أعقاب انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، ظهرت قضية نزع سلاح حزب الله باعتبارها اهم القضايا في السياسة اللبنانية. ومنذ بداية المعارك مع اسرائيل يوم الاربعاء، نشطت الدعوات لحزب الله بالتخلي عن اسلحته. وقد بدأ العنف عندما اسر مقاتلو الحزب جنديين اسرائيليين في معركة حدودية، ثم اعقبه هجمات اسرائيلية على الطرق والجسور ومحطات الطاقة والمطارات.

ويصر النقاد اللبنانيون وحلفاء حزب الله، ان رد الفعل الاسرائيلي لم يكن مناسبا. ولكن في الوقت ذاته، وفي اجتماع اول من امس، بدأ المسؤولون اللبنانيون في وضع خطة لمد السيطرة الحكومية الى جنوب لبنان، الذي يسيطر عليه حزب الله سيطرة شبه كاملة، وحيث اقام شبكة من المدارس والمستشفيات والنشاطات الخيرية.

وذكر نبيل دو فريج عضو البرلمان ان «اعلان الحرب والقيام بأعمال عسكرية يجب ان يكون مسؤولية الدولة وليس مسؤولية حزب». وينتمي دو فريج الى كتلة يرأسها سعد الحريري، الذي اغتيل ابوه رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري عام 2005، وهو الامر الذي ادى الى سلسلة من الاحداث اجبرت سورية على الانسحاب. واضاف «هذه معادلة في غاية البساطة: يجب ان تصبح دولة».

وعقب اجتماع لمجلس الوزراء اول من امس، اعلنت الحكومة ان لديها الحق والواجب في مد سيطرتها على كل الاراضي اللبنانية. وذكر وزير الداخلية احمد فتفت ان البيان يعتبر خطوة نحو اعادة تأكيد ذاتها.

الا ان بعض المسؤولين الحكوميين، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، كانوا اكثر صراحة، فقد وصفوها بأنها اول خطوة نحو امكانية ارسال الجيش اللبناني الى الحدود، وهو قرار اقرته الجمعية العامة ورفضه حزب الله. ووصف المسؤولون الاجتماع بأنه كان عاصفا، الا ان الجانبين ـ حزب الله ونقاده ـ كانا قلقين من انقسام الرأي العام في اوقات الأزمات.

واوضح سمير فرنجية عضو البرلمان القريب من كتلة الحريري «لقد اصبح واضحا ان الدولة وحدها يجب ان تتحمل مسؤولية السياسة الخارجية للبلاد. ولكن مشكلتنا الآن هي ان اسرائيل صعدت الامور بدرجة انه اذا لم توجد مساعدة من المجتمع الدولي، فإن الموقف سينفلت».

ومصير حزب الله، الذي هو جوهر التعقيدات الطائفية اللبنانية، اصبح الآن اكثر وضوحا منذ الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 الى 1990. كما ان مستقبل الحزب مرتبط بالسياسات الاقليمية التي تسيطر عليها سورية ولبنان وايران.

فبالاضافة الى الرئيس اللبناني اميل لحود، يعتبر حزب الله واحدا من حلفاء سورية الاساسيين في لبنان. وتقدم الحكومتان السورية والايرانية الدعم المالي والاسلحة الى الحزب، وإن كان نفوذ الدولتين مثار جدل. وذكر المحللون هنا ان النفوذ الايراني ازداد في لبنان بعد الانسحاب السوري، وإن كانت السياسة الخارجية في الدولتين متداخلة. وكانت الولايات المتحدة قد جددت مطالبتها يوم الخميس للدولتين بالتدخل للإفراج عن الجنديين الاسرائيليين.

وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك «لقد حان الوقت للجميع بالاعتراف ان الدولتين لديهما بعض القدرة على السيطرة على حزب الله. وقد طالبهما المجتمع الدولي بممارسة هذه السيطرة، للافراج عن الشخصين».

ولا يجادل احد حول سيطرة سورية على حزب الله. ولكن بعض الخبراء يشككون فيما اذا كانت سورية، التي عزلتها الولايات المتحدة ويشك الكثير في لبنان في دورها في اغتيال الحريري، قد اصدرت اوامرها بالعملية ضد اسرائيل».

فقد ذكر رشيد شرارة، الكاتب والخبير في شؤون حزب الله «لا اعتقد ان سورية في وضع يسمح لها بتحمل عواقب مثل هذا الهجوم او اصدار الاوامر بمثل هذه العملية. وبالرغم من ذلك فإن سورية تحتفظ بعلاقة استشارية مع حزب الله وحماس، وكلاهما يتمتعان بإستقلالية ذاتية واسعة».

غير ان كمال جنبلاط المعارض لسورية، قد ذهب الى ابعد من ذلك، حيث اقترح ان دمشق امرت بهذه العملية.

واوضح، في اشارة الى حزب الله «لا يتخذون قرارات مستقلة. يتعرض لبنان لضغوط من الاسرائيليين من ناحية ومن الايرانيين والسوريين من ناحية اخرى بالوكالة. ولسوء الحظ، فقد اصبح لبنان الآن ميدانا للمعركة».

وكان موقف حزب الله ضعيفا بعد الانسحاب السوري، الا ان المحللين ذكروا انه، في الشهور القليلة الماضية، دعم موقفه السياسي هنا. ففي محادثات المصالحة الوطنية التي استغرقت شهورا، اوقف الحزب فعليا المفاوضات بخصوص اسلحته. وفي العام الحالي، دخل في تحالف مع اكثر الزعماء المسيحيين اللبنانيين شعبية، ميشيل عون. وفي لبنان يوجد ادراك بأن الضغوط الاميركية على سورية وهنت، بينما فقد التحقيق الذي تجريه الامم المتحدة في اغتيال الحريري زخمه.

وفي مؤتمر صحافي يوم الاربعاء، كان موقف نصر الله واثقا، بل انه مزح مع الصحافيين الذين سألوه بخصوص تهديدات اسرائيل بتصعيد الهجمات لضمان اطلاق سرح الجنديين.

«بالطبع سيقولون ذلك. يعتقدون اننا سنعيد الجنديين، ونعتذر بل واكثر من ذلك. اين هذا العالم الذي يعيشون فيه؟» وفي إطار الانقسامات الطائفية في لبنان، فإن السياسة تتم عبر الوفاق. ولان حزب الله هو اقوى ممثل للشيعة، فلا يمكن للحكومة اللبنانية التفكير في تنفير مثل هذه التجمع القوي. ومنذ بداية المعارك، فإن المسؤولين بذلوا جهدا كبيرا لاظهار موقف موحد، علنا على الاقل. بل ان بعض النقاد مثل جنبلاط ذكر ان احتمالات نزع سلاح الجماعة ـ وهو مطلب قرار مجلس الامن رقم 1559 ـ هو مستحيل تقريبا.

ومنذ اندلاع القتال، كانت آراء الناس منقسمة طبقا للانتماء الطائفي. فقد استقبل انصار حزب الله في جنوب بيروت وجنوب لبنان انباء الهجوم بالابتهاج: فقد وزع السكان بالقرب من الجسر المدمر عصير البرتقال مجانا على المارة بينما نثرت النساء الارز على السيارات، وتجولت السيارات في الشوارع تحمل العلم الاصفر للحزب.

وتمزج ايديولوجية حزب الله فكر القومية العربية والتجديد الاسلامي والمرويات التاريخية، والتي تظهر بصفة خاصة في لبنان، حيث كان يشار الى الشيعة بالمحرومين. ويرحب انصار الحزب بتمكين الشيعة، في بعض الاحيان اكثر من ترحيبهم بمدارسه ومستشفياته وعياداته الطبية والملاجئ والمؤسسات المقامة لصالح اسر المقاتلين الذين فقدوا حياتهم.

واوضح محمد عواضة وهو في السابعة والعشرين من عمره في بلدة النبطية الجنوبية: «يعتبرون حزب الله ارهابيا. ونعتبره مقدسا. ونعتبره واسلحته مقدسا».

وفي الطرق في البلدة، كما هو الامر في الضاحية الجنوبية ترتفع لافتات تعلن: «الاسلحة التي حررت اراضينا اسلحة مقدسة». بينما تشير لافتة اخرى «مع المقاومة حررنا اراضينا. ومع المقاومة نحمي أنفسنا».وفي إشارة الى حسن نصر الله ذكر عون عون وهو من سكان النبطية «السيد حسن هو الرجل الوحيد الذي تعهد وقدم».

وتجدر الاشارة الى ان نصر الله كشخص، يتمتع بدعم اكبر في لبنان اكثر من حركته. ففي الوقت الذي يشعر فيه السنة والمسيحيون بالقلق من تداعيات القتال، فإنهم نادرا ما ينتقدون حسن نصر الله نفسه. الا ان الغضب ينتشر في شوارع حي الاشرفية في بيروت بخصوص القتال الذي ادى الى تدمير البنية الاساسية التي اقيمت عقب الحرب الاهلية.

واوضح رامي فؤاد وهو في الثانية والعشرين من عمره كان يجلس مع اصدقائه في محل «دنكين دوناتس» «سأقول لك شيئا: حسن نصر الله شخص ماهر، ماهر للغاية. لا يمكن قول عكس اذلك، ولكن الطريق الذي اختاره خطأ تماما. ليس من المناسب القيام بذلك بهذه الطريقة. لن يتحقق أي شيء بالقوة. من الذي سيدفع نفقات كل ذلك؟ هل سيأتي حزب الله بالمال من ايران؟».

وعبر المائدة كان يجلس صديق تمكن من الهرب من مرجعيون في جنوب لبنان صباح نفس اليوم ووصل الى بيروت. واشار صديق اخر، دافيد رحباني «هل هذا مناسب؟ هل يجب طرده من مسكنه؟».

* ساهمت كل من المراسلتين الخاصتين عليا ابراهيم ولين معلوف في بيروت في هذا التقرير.

خدمة «واشنطن بوست»ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»