ألمانيا تبحث عن آليات جديدة لدمج 7 ملايين أجنبي في المجتمع

630 حصة «لدورات الاندماج» للراغبين في التجنس

TT

كتب الروائي العالمي غارسيا ماركيز مرة، أن سر الاندماج العظيم للبشر، من كافة الأجناس والأعراق، في البرازيل وكوبا هو الامتزاج الثقافي قبل كل شيء. مع ذلك، يقف وزير الداخلية الألماني فولغانغ شويبله، ومعه حزبه الديمقراطي المسيحي، ضد مفهوم المجتمع المتعدد الثقافات، وينظرون إلى الاندماج كواجب تبديه الأقلية «الأجانب» من خلال تنازلها عن موروثها الثقافي، واختيارها الثقافة الألمانية كبديل. هذا، في حين أن الاندماج، كما هو الحال مع التسامح بين الأديان، حالة اجتماعية تتطلب التمازج بين الأطراف ولو بنسب مختلفة.

ويجري في ألمانيا التركيز على اللغة، باعتبار أنها هي العامل الأساسي في دمج أبناء الأجانب، هذا رغم أن «متمردي باريس» كانوا من أبناء الجالية الذين ولدوا في فرنسا. وأثارت دراسة نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التابعة للأمم المتحدة في 15 يونيو (حزيران) الماضي، جدلا واسعا بين الألمان بسبب تصنيف ألمانيا في ذيل قائمة البلدان التي تقدم أفضل رعاية لأطفال المهاجرين في المدارس. كما لاحظت الدراسة، التي قارنت أوضاع التلاميذ الأجانب في 17 دولة، أن المدارس الألمانية ترسل التلاميذ الأجانب إلى مدارس الإعداد المهني دون تمحيص في مستوياتهم وقابلياتهم. وينقل من المدارس الإعدادية (التي تضم عادة التلاميذ المهيئين لمواصلة الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا) إلى مدارس الإعداد المهني كل التلاميذ من ذوي المستويات الدراسية المتدنية بغية إعدادهم لدخول المعاهد المهنية. ومعروف أن أبناء المهاجرين، وخصوصا أبناء الأتراك، يشكلون نسبة عالية من تلاميذ مدارس الإعداد المهني.

وتخلص الدراسة إلى أن اللغة لا تلعب الدور الأساسي في تدني مستويات التلاميذ الأجانب، خصوصا الذين يصلون إلى ألمانيا بعمر يزيد عن 6 سنوات. إذ قدرت الدراسة أن 25% من أبناء المهاجرين من الجيل الأول (الذين لم يولدوا في ألمانيا)، من عمر 15 سنة، لا يعرفون القواعد الأساسية للرياضيات، وترتفع هذه النسبة إلى 40% بين أبناء المهاجرين من الجيل الثاني (الذين ولدوا في ألمانيا). وتضم قائمة الدول التي شملتها المقارنة فرنسا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة أيضا.

وتعول الحكومة الألمانية حاليا على مؤتمر دعت إليه المستشارة انجيلا ميركل يوم 14 يوليو (تموز) الحالي، يناقش موضوع الاندماج مع ممثلي مختلف الجاليات المقيمة في ألمانيا. ويحضر «القمة» سبعون شخصية تمثل الحكومة الألمانية والبرلمان ومجالس الأجانب ومختلف ممثلي الأقليات، إلى جانب علماء ومختصين ألمان في شؤون المهاجرين والاندماج الاجتماعي. ونشرت وزارة الداخلية الألمانية ملخصا للأفكار التي ستطرح خلال القمة وتركز، من جديد، على عامل اتقان اللغة الألمانية كمدخل أساسي للاندماج. وتروّج الوزارة «لدورات الاندماج» 630 حصة التي يجريها الأجنبي الراغب في التجنس، بمثابة امتحان، قبل اقرار منحه الجنسية. وترى خطة وزارة الداخلية ضرورة دمج أبناء الأجانب من الناحية المهنية، أي منحهم المزيد من التسهيلات المهنية والوظيفية وفرص مواصلة الدراسة. وتتعامل مع الاندماج الاجتماعي كمهمة اجتماعية تقع على عاتق المجتمع الألماني ككل.

وبادرت ولاية الراين الشمالي فيستفاليا إلى طرح مبادرة من 20 نقطة لتحقيق الاندماج، لعب النائب بولند ارسلان دورا مهما في صياغتها. وستطرح الخطة على قمة الاندماج، بعد أن وجدت صدى كبيرا بين السياسيين الألمان وممثلي الجاليات الأجنبية على حد سواء. ووصف ارسلان المبادرة بأنها لا تتعامل مع الأجانب «كمشكلة»، وإنما كـ«فرصة» لتطوير الاقتصاد والمجتمع، وإن هذا هو سبب التجاوب معها. وتدعو الخطة إلى تطوير برامج دورات الاندماج، تعزيز الحوار مع ممثلي الجاليات واشراكهم في اعداد مناهج الدين في المدارس، تحسين فرص التجنس.. الخ. كما تدعو الخطة إلى اتخاذ خطوات «عاطفية ـ نفسية» لتعزيز التفاهم منها: رفع الأعلام الألمانية على المساجد، تأثرا بأجواء مونديال كرة القدم 2006، ، وتشجيع الفرق الكروية الألمانية.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» مع رئيس الجالية التركية في ألمانيا، عضو البرلمان أيضا، قال الدكتور حقي كسكين، إنه لا ينتظر الكثير من «قمة الاندماج». فجالية كبيرة مثل الجالية التركية، لا تعرف بعد قائمة المدعوين، ولا البرنامج، ولم تصلها أية مقترحات أو صيغ تجري مناقشتها من قبل الحضور. وأكد كسكين أن الشيء الايجابي في الموضوع هو اهتمام المستشارة انجيلا ميركل بالموضوع، لكنه لا ينتظر أن يحل المؤتمر، مشكلة اندماج عمرها 40 سنة خلال اجتماع مدته أربع ساعات.

وأشار كسكين إلى مبادرة لرئيسة البرلمان السابقة ريتا زوزموت في منتصف التسعينات لم تؤد إلى نتائج أيضا. وشكلت زوزموت حينها «مفوضية» للاندماج من 21 شخصا، وعدد أكبر من المساعدين عملوا على وضع خطط للاندماج طوال 19 شهرا. إلا أن الدراسات التي وضعت، بقيت حبرا على ورق منذ ذلك الحين. وأضاف «من يريد أن يفعل شيئا أن يقدم مقترحات، وأن يستقبل مقترحات من ممثلي الجاليات، وأن يستمع إلى تقارير الخبراء والمختصين قبل أن يعقد مؤتمرا. لكن يبدو أن الحكومة تريد أولا عقد المؤتمر لتضع مقترحاتها في ضوء دراساته ونتائجه». ويأخذ الدكتور أيوب اكسل كولر رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، على قمة الاندماج سياسة اختيار ممثلي الجاليات. وذكر كولر في مكالمة هاتفية مع «الشرق الأوسط» ان اعتراضه لا ينصب على عدم توجيه الدعوة إليه أو إلى المجلس، وإنما على نمط تفكير الداعين الذي لا يتعامل مع الدين والمعتقد كجزء من عناصر الاندماج في المجتمع. وأكد كولر أن الجمعيات والمجالس الإسلامية ضرورية جدا في عملية اندماج الجاليات المختلفة في المجتمع الألماني.

وعبر كولر عن شكه في أن توصل المؤتمر إلى نتائج تذكر، بحكم وقته الضيق والوقت الضيق المخصص لكل متحدث. واقترح على المؤتمر أن يصب اهتمامه على المقترحات الرامية لبناء الثقة بين الجهات الرسمية والمسلمين، لأن المسلمين يخشون من تحول الاندماج إلى عملية إذابة في المجتمع الألماني. كما دعا رئيس المجلس إلى تحسين الأجواء العامة لعملية الاندماج من خلال التغلب على الظواهر المعرقلة للعملية.

ويعيش في ألمانيا، حسب مصادر دائر الاحصاء المركزية لعام 2004 نحو 7.228 مليون أجنبي بينهم 3.786 مليون من الذكور و3.501 مليون من الإناث. وكان هذا العدد يتزايد تدريجيا منذ «المعجزة» الاقتصادية في نهاية الخمسينات، ومجيء طلائع العمال الأوائل من اليونان وإيطاليا ومن ثم من تركيا. وكان عدد الأجانب المقيمين في ألمانيا لا يزيد عن 4.566 مليون عام 1980 وتعدى حدود السبعة ملايين لأول مرة عام 1994. والمعتقد أن العدد قد انخفض في السنوات الثلاث الأخيرة بسبب التجنس النشيط للأجانب بفعل قانون الهجرة الجديد، الذي أقرته حكومة جيرهارد شرودر عام 2000. مع ملاحظة أن الاحصائيات الألمانية عن الأجانب في شرق وغرب ألمانيا لم تدخل إلى دائرة الإحصاء إلا بعد الوحدة عام 1990. ويحتل الأتراك صدر قائمة الأجانب المقيمين في ألمانيا بواقع 1.76 مليون نسمة (عدا عن المتجنسين)، ويشكلون 26.3% من الأجانب عموما، يليهم الإيطاليون 548 ألفا (8.2%)، ومواطنو صربيا ـ مونتينيغرو 507 آلاف (7.6%)، واليونانيون 310 آلاف (4.7%)، والبولنديون 292 ألفا (4.3%)، والكروات 229 ألفا (3.4%). ومن الجالية العربية نشير إلى 75 ألف مغربي، و79 ألف عراقي، 40 ألف لبناني و22 ألف تونسي.

ويشير جدول توزيع محلات اقامة الجاليات الأجنبية عن تمركز كبير للأجانب في الولايات الغربية، بحكم توفر فرص العمل. علما أن الولايات الشرقية، تشهد نزوحا كبيرا إلى الغرب بسبب معدلات البطالة، في حين يستغل المتقاعدون الغربيون هذه الفرصة لشراء المساكن الرخيصة في الشرق.

ويتركز الأجانب في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، التي تعتبر بحد ذاتها مركزا اقتصاديا مهما في أوروبا. ويعود التركز في هذه الولاية الكثيفة بالسكان (18 مليونا) إلى محاذاتها بلدان بينولوكس وفرنسا وقربها إلى بريطانيا أيضا. هذا عدا عن تجمع الأجانب الاعتيادي في الولايات التي يحكمها الحزب الديمقراطي الاشتراكي.

وتبدو ولاية هامبورغ اكثر جاذبية للأجانب، لأن نسبتهم فيها تبلغ 14.1%، تليها برلين 13.4% ثم بادن فورتمبيرغ 12%. أما ولاية سكسونيا السفلى (شرق)، فتبدو أنها قد فقدت جاذبيتها للأجانب بحكم نسبتهم البالغة 1.9%.