«حيفا» مرشحة للعودة بقوة إلى مسرح الأحداث مع استمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان

بناها العرب الكنعانيون ويطلق عليها اسم «عروس الكرمل»

TT

دفع قصف «حزب الله» اللبناني، مدينة حيفا بعشرة صواريخ على الاقل، السلطات الاسرائيلية الى فرض التعتيم الاعلامي على المدينة وصدر قرار بمنع نشر أي معلومات حول هذا المدينة او أي مدن اخرى حتى لا تستخدم من قبل «العدو حزب الله» لأغراض عسكرية.

ومدينة حيفا، هي ثالث كبرى المدن في اسرائيل بعد القدس ويافا ـ تل ابيب. وهي المدينة الوحيدة في اسرائيل التي يتعايش فيها العرب واليهود. ويبلغ عدد سكانها حوالي 243 الف نسمة، منهم 25 الف عربي.

وحيفا التي تعرف بعروس الكرمل، هي الميناء الرئيسي في اسرائيل الى جانب اسدود وايلات في الوسط والجنوب. ويضم خليجها شبكة من المصانع وأكبرها للبتروكيماويات حتى السامة منها، ولذلك فهي أي اسرائيل متخوفة من أن تصل صواريخ حزب الله اليها مما قد يتسبب في كارثة بيئية بكل ما في الكلمة من معنى. لذلك سارعت اسرائيل الى الاعلان أمس عن نقل المواد الكيماوية التي كانت مخزنة في المدينة الى جنوب اسرائيل.

وعلى امتداد الكرمل، وحتى أسوار مدينة عكا شمالا (25 كيلومترا) تنتشر المصانع على اختلاف أنواعها. مصفاة تكرير البترول، والمصانع الكيماوية، ومصانع الأدوية، ومصانع الحديد والصلب، والميناء المركزي ومقر سلاح البحرية، لذلك فإنها تعتبر ذات مرافق حيوية حساسة. من هنا فإن تعمد «حزب الله» قصفها لم يكن بالحدث العابر، واعتبرته اسرائيل ارتفاعا كبيرا في مستوى القصف الصاروخي من «حزب الله». وأدركت ان كل صاروخ يسقط فيها تم تصويبه بدقة بالغة الى المرافق الحيوية. واسرائيل تعرف أن «حزب الله» يمتلك الخرائط الدقيقة عن هذه المنطقة، بفضل العديد من الجواسيس الذين تمكن «حزب الله» من تجنيدهم في اسرائيل، وبعضهم ضباط في الجيش الاسرائيلي، أحدهم أدين فقط قبل شهر بتهمة كهذه تبين ان «حزب الله» اشترى منه المعلومات العسكرية الدقيقة لقاء كمية من المخدرات المصنوعة في الجنوب اللبناني.

إضافة الى ذلك، تضم حيفا ومنطقتها منشآت حيوية عديدة، لا سيما مصفاة تكرير النفط الرئيسية. وحيفا، احدى اجمل مدن حوض البحر الأبيض المتوسط، واكثرها سحرا، لا تحسن التعاطي مع وضعها الجديد، في صلب الحرب الصاروخية المستعرة بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي. ومنذ سقوط الوجبة الأولى من صواريخ الكاتيوشا عليها، تحاول قوات الدفاع المدني الاسرائيلي والشرطة إقناع المواطنين بالدخول الى الملاجئ أو الى غرف الأمان المبنية بالاسمنت المسلح في كل بيت، ولكن عبثا.

المواطنون يستصعبون الامتثال لأوامر الجيش بترك المقاهي وشواطئ البحر وكورنيش الجبل والسلال الكهربائية والحدائق المعلقة التي بناها البهائيون وغيرهم. فهي مدينة العلم والثقافة واللهو الأولى في اسرائيل. تحتضن جامعة مشهورة، ومعهدا جامعيا للهندسة التطبيقية يحتل المرتبة 15 بين أمثاله في العالم، وأحراج خضراء واسعة ومناطق استجمام خيالية. تجمع ما بين البحر والجبل والسهل الأخضر. وتوفر لأهلها معظم أسباب الراحة والهدوء. وقد أصروا على المضي قدما في طريقهم، ولم يستجيبوا للرضوخ لأوامر الحبس الاختياري بين جنبات الغرف الأمنة. لكن الصواريخ انهمرت على المدينة ساعة اثر ساعة، وحصدت ثمانية قتلى و55 جريحا. عندها فقط دخلوا الى البيوت وبدأوا يشعرون بأن الخطر حقيقي.

ما زال الغموض حتى يومنا هذا يكتنف نشوء مدينة حيفا، إذ لم يستطع المؤرخون تحديد الفترة الزمنية التي نشأت فيها المدينة، رغم أن معظم الحفريات الأثرية تشير إلى أن مناطق حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، كانت أحد أهم المناطق التي أقام فيها الإنسان حضارته، نظرا لموقعها الجغرافي المتميز، ومناخها المعتدل وخصوبة أرضها، ووفرة المياه فيها، وقد تبين من خلال الاكتشافات الأثرية في المدينة أنها كانت من المدن التي استوطنها الإنسان منذ أقدم العصور. لكن الحقيقة التي لا خلاف حولها هي انها مدينة كنعانية قديمة من مدن ما قبل التاريخ مقامة على جبل الكرمل، حيث عثر المنقبون على آثار حضارات العصر الحجري القديم بمراحله الثلاث (نصف مليون سنة إلى 15 ألف سنة ق.م). وتقلبت عليها الأحوال خلال آلاف السنين من عمرها، فهدمت وخربت مرات كثيرة في عهود الأمم التي تقلبت على فلسطين، كالآشوريين، والكلدانيين والفرس واليونان والسلوقيين، الى ان جاءت الفتوحات الاسلامية. احتلتها العصابات الصهيونية في 21 ابريل (نيسان) عام 1948 وهجر سكانها العرب الى لبنان.

ورغم تهديم معظم الأحياء العربية وإسكان المهاجرين اليهود فيما تبقى منها، تمكن سكانها العرب واليهود من إيجاد صيغة ما للتعايش المشترك بجيرة حسنة وتفاهم وصداقة، بعكس معظم المدن المختلطة في اسرائيل.