أحلام سعيدة للإعمار.. انتهت في لبنان

خسائر اللبنانيين منذ بدء الهجوم الإسرائيلي بلغت 500 مليون دولار

TT

بعد سنوات من الحديث عن الديون والتسامح مع جيرانهم وإخفاء ندوب الحرب الأهلية، يراقب اللبنانيون بفزع كيف يتمزق امام انظارهم البلد الذي شيدوه بدأب. فقد دمرت الضربات الجوية الاسرائيلية خلال الأيام الأربعة الماضية الجسور، وأغرقت الأطفال بالدماء وخربت الطرق. ولكنهم يرون ايضا دورة اخرى من الدمار، وهي ترغم البعض على التساؤل ما اذا كان مصير هذا البلد ان يعيش في عنف ابدي، بينما تحاصر آخرين جولة جديدة من الموت والدمار. قال كميل يونس: «نشعر بأننا نتعرض الى اغتصاب. لم نكن أبدا نتوقع شيئا من هذا القبيل».

كان الوقت ظهيرة السبت، وكانت الحرارة عالية في المدينة. وكان الركام الناجم عن القصف يملأ الأرض تحت قدمي يونس. وكانت وكالة تأجير السيارات التي يديرها المحل الوحيد في المنطقة الذي فتح ابوابه رغم القصف الاسرائيلي. وكان يونس (50 عاما) يجلس كئيبا في مكتبه. وقال انه استثمر كل ما يملك في هذا المشروع. وعندما بدأ القتال راحت حياته تتبدد. وكان يونس يتخذ موقف الازدراء تجاه اسرائيل والغضب تجاه «حزب الله». وقال: «يا إلهي كان لدينا حلم»، مشيرا عبر نافذته الى جامع وكنيسة ينتصبان الى جانب بعضهما بعضا عبر الشارع، مضيفا «كان لدينا حلم في لبنان، ويؤسفني القول انه انتهى». وخرب القصف الجوي تلك الأمنية الوطنية التي بدت في بعض الأحيان على وشك التحقق، وهي ان أهل لبنان، بجباله وغابات الارز والسواحل الجذابة، يمكن ان يكون لديهم بلد يعيش في أمن ورخاء. وقالت نايلة معوض، وزيرة الشؤون الاجتماعية: «نحن مصدومون. فما من أحد مستعد لمواجهة هذه الحرب». وشأن معظم اللبنانيين ترعبها دورات اراقة الدماء في بلادها. وأضافت أرملة الرئيس رينيه معوض التي اغتيل زوجها بعد ايام قليلة من توليه الرئاسة عام 1989 ان «الناس يشعرون بالكآبة. انهم يائسون». وقبل أشهر قليلة بدأ لبنان ينهض من خراب ماضيه، فقد عادت الحياة الى وسط العاصمة الذي أعيد بناؤه، وللمرة الأولى منذ سنوات اختفت أشباح الحرب والاحتلال. وراح السياح يتدفقون لاستكشاف المدينة الواقعة على تل عند البحر الأبيض المتوسط. وعندما نهضت بيروت من الرماد فعلت ذلك بامتياز، فدبت الحياة في الساحات والمحلات والمطاعم والنوادي الليلية، وعادت المدينة عصرية مرة أخرى. ولكن عندما وجدت الضربات الجوية الاسرائيلية اصداءها في تلال بيروت ظهر السبت كان هاتف نانسي أبي عاد المحمول يرن. وكان صوت والدها قلقا وملحاحا «قال: عودي الى البيت الآن. أنت لا تعرفين. انت لا تتذكرين الحرب». وأضافت الفتاة التي كانت جالسة في مطعم صغير بحي الأشرفية ذي الأغلبية المسيحية «يقول والداي ان حربا جديدة ستندلع. وهما يمنعانني من الذهاب الى أي مكان». وما تزال آثار الحرب الأهلية شاخصة في البلاد. وقالت مايا بطرس، الطالبة البالغة 21 عاما «الأمر لا يدور كثيرا حول الخوف، ولكننا خائفون من المستقبل. أنا الآن أدرس ولكن من أجل ماذا؟ ليس لدينا مستقبل». وفي مكتبه لتأجير السيارات يجلس كميل يونس. وقد قضى جزءا كبيرا من حياته وهو يقاتل. فقد شارك في الحرب الأهلية، ثم كافح في سبيل تأسيس شركته. وكان يقود سيارته في الطريق ذاته من قريته الى بيروت لسنوات ويشاهد وجوه وبدلات الجنود تتغير، كل الجيوش المختلفة التي أرسلت شبابها الى لبنان. وكان يتباهى بأن وكالته لتأجير السيارات هي الأفضل. فقد كان يعطي زبائنه أقراص السي دي للاستماع اليها والوجبات السريعة وخرائط الطرق. وتساءل وقد اغرورقت عيناه بالدموع «من غيري يفعل ذلك؟»، وقال كميل «يبدو أن كل ما سعينا اليه يواجه الدمار».

وقد قدر وزير المالية اللبناني، جهاد ازعور، أمس، الأضرار المباشرة التي لحقت بالاقتصاد اللبناني منذ بدء الهجوم الاسرائيلي بنصف مليار دولار، فيما قدر خبير اقتصادي الخسائر الاجمالية بحوالى 2.4 مليار دولار. وقال الوزير اللبناني لوكالة الصحافة الفرنسية ان «الاضرار المباشرة تقدر بنصف مليار دولار لكن يجب اخذ هذا الرقم بحذر لانه لا امكانية على الارض لتقدير الخسائر والاضرار تزيد كل لحظة»، بسبب مواصلة اسرائيل غاراتها على البنى التحتية لا سيما على الطرقات وشبكات المواصلات. وتضاف الى هذه الخسائر المباشرة، بحسب وزير المالية، أرباح فائتة كبيرة، إذ عطلت الهجمات الاسرائيلية موسما سياحيا كان واعدا كما انها قد تثني المستثمرين الذين كانوا مستعدين لتوظيف أموال في هذا البلد.

وقال ازعور ان «لبنان كان ينتظر حركة اقتصادية مع وصول السياح وكانت هناك استثمارات جاهزة للقدوم»، لكن في ظل الاوضاع الراهنة سيكون «من الصعب تحقيق نمو بنسبة 4 الى 5%»، كانت الوزارة تتوقعها لهذا العام بفضل الموسم السياحي، مقابل عدم تسجيل أي نمو عام 2005. وكانت الحكومة تعول على رقم قياسي للسياح خلال سنة 2006 يصل الى 1.6 مليون زائر. وأشارت إحصاءات وزارة السياحة الى وصول حوالى 460 الف سائح الى لبنان خلال الاشهر الخمسة الاولى من 2006، ما يمثل ارتفاعا بنسبة 53% عن الفترة ذاتها من العام الماضي. إلا ان ازعور شدد على ان «لبنان قادر على الصمود والأوضاع المالية مستقرة ولا خطر على الليرة». وذكر ان المؤشرات الاقتصادية كانت ممتازة لهذه السنة، موضحا ان «ميزان المدفوعات سجل فائضا قدره 1.8 مليار دولار» حتى نهاية يونيو (حزيران)، بالمقارنة مع عجز كبير في الفترة نفسها من العام الماضي. وقال ان بورصة بيروت «ظلت تعمل حتى الجمعة»، آخر يوم عمل، مؤكدا انها «ستفتح الاسبوع المقبل»، وان الاضرار لن «تنعكس عدم استقرار اقتصاديا». وسجلت بورصة بيروت تراجعا بنسبة تفوق 10% منذ بدء الهجوم الاسرائيلي الاربعاء.وأغلق سعر سهم شركة سوليدير التي تدير الوسط التجاري في بيروت الجمعة على 17.40 دولار. لكنه طمأن الى ان «الضرر لن ينعكس عدم استقرار اقتصاديا».

من جهته، رأى الخبير الاقتصادي الكبير مروان اسكندر، ان حجم الخسائر الاجمالية يقارب 2.4 مليار دولار. وقال اسكندر لوكالة «فرانس برس» «برأيي الخسائر اكبر»، موضحا ان «الخسائر الناتجة من الدمار ستكون بحدود المليار دولار والارباح الفائتة بحدود بـ1.4 مليار». واوضح ان «النمو في الاقتصاد كان 6% من بداية السنة حتى آخر يونيو، اي 1.4 مليار دولار، والآن لا نمو».