«قمة الثماني» تتفق حول الطاقة والتعليم ومكافحة الأمراض

قادة الدول الصناعية يشددون على «تنمية أفريقيا» ومحاربة «الفساد المعيق لتطوير الديمقراطية»

TT

استهلت قمة «مجموعة الثماني» أعمالها صباح أمس في سان بطرسبورغ، بلقاء افتتاحي أعقبه لقاء بين قمة الكبار «قمة الصغار» (اجتماع لأطفال من دول الثماني يناقشون نفس أجندة قادة الدول). وأوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مستهل اللقاء ان «قمة صغار الثماني الكبار»، ناقشت (على مدى عشرة أيام) نفس جدول أعمال «قمة الكبار»، وتوصلت الى قرارات قد تستحق مراعاتها لدى اجتماع الكبار.

وبعد عدد من اللقاءات الثنائية، بدأت القمة أعمالها في اجواء مناخية غير متوقعة، حيث اشتدت العواصف وأرعدت السماء وهطلت الأمطار الغزيرة لتعصف بكل الأجواء الاحتفالية، وبما قيل من وعود باستخدام الطائرات والمواد الكيماوية، حول خطط لتبديد الغيوم والسحب خلال اعمال القمة، فيما كادت الرياح تعصف بالمنشآت الخشبية والخيام التي نصبت لإيواء المركز الصحافي وبقية افرع الخدمات في شبه جزيرة ستريلنا التي استضافت القمة.

وبعد تبادل التعليقات الكثيرة، تندرا بهذه الاجواء العاصفة، انتقل الزعماء الى مناقشة ما توصل اليه ممثلو الدول الثماني، على مستوى الخبراء، معلنين عن اتفاق واضح حول الوثائق الرئيسية الثلاث، الخاصة بتأمين الطاقة ومكافحة الامراض المعدية، الى جانب الوثيقة الخاصة بتحديث البرامج والمناهج التعليمية.

ونص الاعلان المشترك الخاص بأمن الطاقة على تأييد زعماء دول «مجموعة الثماني»، لاقرار أطر قانونية فعالة وشفافة في مجال صادرات الطاقة، بما في ذلك الالتزام بما يجري توقيعه من عقود. وأشار البيان الى ضرورة الانفتاح على الأسواق وتعضيد الاستثمارات في كل مجالات الطاقة. وأعلن الزعماء عن تمسكهم بالشفافية والفعالية والصراحة والمنافسة الشريفة في اسواق الانتاج والتصدير وخدمات النقل والعبور ما يعني أهمية محورية في مجال تأمين الطاقة.

وأكد الزعماء استعدادهم للمشاركة في حل مشاكل الطاقة للطبقات الفقيرة من سكان البلدان النامية، معلنين عزمهم على تنفيذ استراتيجية مشتركة في مجال أمن الطاقة، فيما ناشدوا البلدان الأخرى، والمنظمات الدولية، والأطراف المعنية الاخرى، الانضمام الى هذه الجهود.

وفي مجال الطاقة، دعا زعماء دول مجموعة الثماني البلدان الأخرى، لدعم الوكالة الدولية للطاقة الذرية والالتزام بالمعاهدات المعقودة، حول استخدام الطاقة السلمية ومراعاة نظام حظر الانتشار. واشاروا الى عزم بلدانهم على تقليص الأخطار في مجال أمن الطاقة النووية، بما في ذلك ما يتعلق بالمنشآت والمواد النووية.

وأعرب الزعماء في الوثيقة الختامية للقاء عن ترحيبهم بالتقدم، الذي احرزته روسيا في مباحثاتها مع الاطراف المعنية للانضمام الى منظمة التجارة العالمية. وكانت هذه القضية محور خلاف مع الولايات المتحدة، التي اعلن رئيسها جورج بوش، ان احدا لم يقل ان اتفاقا حول انضمام روسيا الى هذه المنظمة سيجري توقيعه قبل انعقاد القمة. ويعزو الجانب الاميركي رفضه لانضمام روسيا الى المنظمة، الى مسألة الدعم الذي تغدقه على المنتجين المحليين الزراعيين، او بقول آخر، الدعم الذي يحول دون دخول المنتجات الزراعية والحيوانية الاميركية، ما يشكل اهم اسباب رفض الكونغرس الاميركي لتوقيع الاتفاق بهذا الشأن. وكانت المصادر الرسمية الروسية قد اشارت الى انتفاء اسباب اخرى تطرحها واشنطن، مثل عدم حماية الملكية الفكرية وعدم السماح للمؤسسات المالية والبنوك بدخول الاسواق الروسية.

وبدا ان قادة دول الثماني يتجهون لتكليف مفاوضي دولهم، كسر جمود محادثات التجارة العالمية في غضون شهر. وقال رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، الذي شارك في اعمال القمة، ان «هناك اتفاقا بشأن المهلة التي أعطيناها لمفاوضينا ولم يعترض أحد على هذا»، و«هذا يظهر أن الزعماء يدركون أهمية هذه الجولة التجارية». ويدعو نص اتفاق مجموعة الثماني الى بذل جهد منسق لاستكمال جولة المباحثات المستمرة منذ خمس سنوات. وجاء في النص: «اننا نرحب بقرار توجيه دعوة الأمين العام لمنظمة التجارة العالمية (باسكال لامي)، لان يجري مشاورات مكثفة مع الأعضاء من أجل التوصل لاتفاق مبكر».

وأقر المجتمعون في قمة الثماني ايضا، اصدار بيان حول حماية الملكية الفكرية ومكافحة القرصنة في مجال الابداع، وترويج السرقات الأدبية. ونص البيان على ضرورة تعاون كل المؤسسات الأمنية وأجهزة السلطة في مختلف البلدان، مشيرين الى ارتباط السرقات الفكرية وترويج المنتجات المزورة بالجريمة المنظمة.

كما اصدر المجتمعون بيانا خاصا حول مكافحة الفساد، اشاروا فيه الى عزمهم على ملاحقة الفساد من خلال القضاء، مع الحيلولة دون جني المفسدين لثمار نشاطهم الاجرامي في اطار المنظومات المالية. وقالوا ان الفساد في المستويات العليا لدى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، يمكن ان يؤثر تأثيرا مدمرا على الديمقراطية. واشار البيان في هذا الشأن الى تهديد الفساد لما تطرحه قمة سان بطرسبورغ من قضايا في مجال الأمن العالمي والاستقرار وانفتاح الاسواق وتأمين النظام، فيما ربط بين الفساد وعدم فعالية الادارة. كما اشار الى ان الفساد يحول دون وصول الاستثمارات الأجنبية، ويحد من النمو الاقتصادي ويزعزع اركان النظام التشريعي والقضائي، ويضرب بالدرجة الاولى مصالح غير القادرين.

وتقول مصادر قريبة من القمة ان هذا البيان صدر بإيعاز من الرئيس الاميركي بوش، الذي استهدف بذلك التركيز على نقاط الضعف لدى غريمه الروسي، فيما كان يود ايضا، حسبما قالت مصادر اميركية، التنويه بما يسميه ملاحقة المنظمات غير الحكومية اليمينية وغير الحكومية، والمناصرين لحقوق الانسان.

وحول المشكلة الكورية الشمالية اتفق المجتمعون على ضرورة استئناف المباحثات السداسية، وتمسكهم بدعم أمن واستقرار سلام شبه الجزيرة الكورية، مع العمل من اجل اعلان المنطقة خالية من الاسلحة النووية، من خلال السبل السلمية واعتماد الحوار والمفاوضات سبيلا الى تحقيق هذا الهدف.

وشددت القمة في احد بياناتها، على ضرورة تقديم الدعم اللازم لتنمية القارة الافريقية. واشار البيان الى ان هدف قمة «مجموعة الثماني» يظل في ان تكون افريقيا «ديمقراطية مزدهرة مستقرة»، ودعا البيان الى ضرورة ان تتركز جهود المجتمع الدولي على مكافحة الامراض المعدية ودعم التعليم وضمان امن الطاقة في القارة الافريقية، الى جانب اهمية الحيلولة دون انتشار الاسلحة التقليدية بطريقة غير شرعية في القارة.

وتزامناً مع عقد القمة، احتجزت الشرطة امس 37 من مناهضي العولمة، أغلقوا طريقا في سان بيطرسبوغ لفترة وجيزة. وقالت اولجا ميرياسوفا من جماعة «شبكة مناهضة مجموعة الثماني»، ان المحتجين الذين كان بينهم رعايا من دول الاتحاد الاوروبي، جلسوا في وسط الطريق الرئيسي بسان بطرسبرغ، ورفعوا ملصقات حملت شعار «لا لمجموعة الثماني». واكدت اعتقال 37 من المحتجين، وان الشرطة تحدثت عن اعتقال 22 فقط. ويشار الى ان الاحتجاجات المحيطة بقمة مجموعة الثماني محدودة جداً هذا العام، على عكس المظاهرات الحاشدة التي صاحبت الاجتماعات السابقة لمجموعة الثماني. ويقول نشطاء ان الشرطة الروسية استخدمت التخويف والاعتقالات التعسفية لابعاد المحتجين عن سان بيطرسبورغ.

واوضحت ميرياسوفا، ان المحتجين الذين شاركوا في الاعتصام، الذي أقيم في شارع نيفسكي بروسبكت كانوا من بيلاروسيا وبريطانيا وبلغاريا وألمانيا وبولندا وروسيا واوكرانيا، مضيفة «اننا نريد التعبير عن مطالبنا بوقف تحويل التعليم الى عمل تجاري، وعدم تطوير الطاقة النووية».