مرت صفقات أبرمتها شركة استرالية اسبانية لشراء طرق سريعة وجسور في عدة مناطق في الولايات المتحدة في هدوء، عكس ما كان عليه الحال عندما أبرمت شركة « دبي للموانئ» صفقة لادارة ستة موانئ اميركية، لكن تلك الصفقة أجهضت في مارس (آذار) الماضي، بعد ان هدد الكونغرس بالغائها «لأسباب أمنية»، وتراجع الرئيس جورج بوش عن استعمال حق «الفيتو الرئاسي» ضد قانون كان سيصدر لالغاء الصفقة. وربطت عدة صحف ومواقع اميركية بين الصفقتين، وأعادت للأذهان الضجة التي ترافقت مع ابرام «دبي للموانئ» الصفقة المجهضة.
ونالت شركة استرالية اسبانية مشتركة امتياز الطريق السريع، الذي يعرف باسم «انديانا روود»، ويوجد في ولاية انديانا (وسط البلاد)، وهو طريق يسدد مستعملوه رسوم مرور مجزية عند بعض النقاط، وذكر أن الشركة سددت مبلغ 3.8 مليار دولار ثمناً للصفقة، وهذا المبلغ ستخصصه الولاية للمشاريع العاجلة لبناء طرق وجسور. وقالت مصادر الشركة انها تتوقع ان تحصل في نهاية مدة الامتياز، من هذه الصفقة على مبلغ 133 مليار دولار، في حين استأجرت شركة استرالية اخرى طريقاً سريعاً في ولاية فرجينيا المتاخمة للعاصمة واشنطن وتبلغ مدة الايجار 99 سنة. وقالت المصادر إن بعض عمليات الشراء انجزت في السنة الماضية، عندما استأجرت الشركة الاسترالية الاسبانية المشتركة نفسها، وتضم «مجموعة ماكاري» في سيدني ومجموعة «سنترا كونسيونس» للنقل في مدريد، لمدة 99 سنة طريقاً في شيكاغو يبلغ طوله 14 كيلومتراً، ودفع الكونستريوم الاسباني الاسترالي مبلغ 1.83 مليار دولار ثمناً للصفقة، وسددت مدينة شيكاغو بسعر الصفقة بعض ديونها، وبالمقابل غضت المدينة الطرف عن زيادة 50 سنتاً فرضتها الشركة على رسوم عبور أية سيارة لهذا الطريق، لتصبح رسوم المرور دولارين ونصف الدولار، وقررت الشركة مضاعفة هذا الرسم بعد عشر سنوات ليصبح خمسة دولارات. ووافقت ولاية تكساس (جنوب غرب) على منح امتياز تشييد طريق يربط بين مدينتي «اوستن» و«سيغن» واحتكار حق تحصيل رسوم المرور على هذا الطريق لمدة 50 سنة. وتملك شركة استرالية اخرى الجانب الاميركي من طريق يربط مدينة ديترويت مع ويندسور الكندية، كما اشترت الشركة نفسها جسراً في الباما (جنوب).
وقال خبراء إن هذه الصفقات مرت بهدوء، وبعضها أبرم الشهر الماضي فقط، ولم تعترض الادارة الاميركية على هذه الصفقات، كما ان الموضوع لم يطرح في الكونغرس. واذا كانت استراليا على المستوى الرسمي تقف عملياً الى جانب الولايات المتحدة وتشارك بقوات في العراق، فإن الوضع يختلف بالنسبة لاسبانيا، حيث جاءت حكومة خوسيه رودريغيز ثاباتيرو في أعقاب تفجير قطارات مدريد في مارس (آذار) عام 2004 وسحبت القوات الاسبانية من العراق، ويعد ثاباتيرو أحد أبرز معارضي التدخل الاميركي في العراق في اوروبا.
وقالت مصادر رسمية، إن السلطات الفيدرالية يمكنها ان تضع يدها على هذه الطرق في اي وقت يتطلب الامر ذلك، إذا كان هناك خطر يتهدد البلاد، لكن معارضين للصفقات يقولون إنه لا مبرر لبيع طرق شيدت من جيوب دافعي الضرائب بغرض الحصول على سيولة نقدية، لان قيمة الصفقات لن تعود لجيوب المستهلكين، بل ويخشى بعض هؤلاء ان تلجأ الشركات التي اشترت الطرق والجسور الى رفع قيمة الرسوم للحصول على عائدات سريعة، كما حدث في شيكاغو.
وكانت فكرة إنشاء شبكة طرق سريعة (اوتوستراد) قد انبثقت عام 1956 عند0ما قرر الرئيس دوايت ايزنهاور بناء شبكة طرق سريعة تسهل تنقل القوات الاميركية في بلاد بحجم قارة، ومترامية الاطراف.
وتبرر معظم المدن والولايات بيع طرقها وجسورها بغرض توسيع شبكة الطرق، وفي هذا الصدد تقول «إدارة الطرق الفيدرالية»، إن استعمال الطرق السريعة زاد خلال ربع القرن الاخير بحوالي 94 بالمائة، لكن نسبة توسع شبكة الطرق لم تتجاوز 6 بالمائة فقط. وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة ان الانتقال من ولاية فرجينيا الى واشنطن في طرق سريعة لا يتعدى طولها 15 كيلومتراً يستغرق احياناً ساعتين. ولا تعتزم واشنطن بناء طرق جديد.، ذلك أن الاعتماد الفيدرالي المخصص لبناء الطرق، واذي يبلغ 16 مليار دولار، يتوقع ان ينضب تماماً عام 2009.
كما أن عدداً من الولايات اضطرت للتعاقد مع شركات بهدف بناء الطرق وتحصيل اموالها من عائدات الرسوم، واضطرت ولايات اخرى الى تغيير قوانينها من اجل السماح للشركات بتشييد الطرق السريعة.
وكانت إدارة الرئيس بيل كلينتون قد أولت اهتماماً بموضوع النقل وشجعت بناء عدة جسور وطرق، بعضها ما تزال الاشغال جارية فيه، لكن ادارة الرئيس الحالي جورج بوش لم تكترث كثيراً بالموضوع، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) والتدخل في العراق، حيث اصبح الهم الاساسي هو «الأمن ومحاربة الارهاب».