سيارات تحولت غرفا للطوارئ وتقنين في الغذاء والوقود

الهاربون من آلة الدمار الإسرائيلية إلى الشوف اللبناني

TT

هي ليست الضاحية الجنوبية في بيروت، ولكن العدوان الاسرائيلي لم يستثنها من معادلة الرعب انها منطقة الشوف في جبل لبنان بقراها كافة، امتداداً من شحيم، التي قصفت بسبب وجود رادار لقناة «المنار» في المنطقة، وداريا التي عمد اهلها الى نزع رادار القناة نفسها ورفعوا مكانه راية بيضاء وشعار محطة «ال. بي. سي» الى قرى بعقلين وبقعاتا وبيت الدين وغيرها حيث تحتشد آلاف السيارات التي ضاقت بركابها هاربة من آلة الدمار الاسرائيلية على الجنوب رافعة الرايات البيض باحثة عن سقف يؤوي ركابها ولو كان مرآباً للسيارات.

هؤلاء الركاب الذين وصلوا سالمين متضرعين الى الله ان يبعد القذائف عن هذه المنطقة، توزعوا على المدارس والمستوصفات. واذا تعذر ذلك، فلا ضير في الوقوف الى جانب الطريق والتناوب في الجلوس داخل السيارات لأخذ قسط من الراحة، مع الحرص على الافساح في المجال للاطفال ليناموا.

هكذا تحولت السيارة في وقت واحد الى غرفة للنوم والجلوس والطعام وبالدرجة الاولى الى غرفة عمليات او غرفة طوارئ، انما هذه المرة لسماع الاخبار.

البيوت لم تعد تتسع لابنائها وأصدقائهم وأقاربهم الهاربين من مناطق القصف. ومن يملك الامكانات المادية والحظ توجه في اليومين الاولين من الحرب الى هذه المناطق وحظي بفرصة الحصول على بيت صغير بالايجار او تقدمة من اهالي المنطقة.

اما النازحون في الايام الاخيرة فلم يبق امامهم سوى النوم على فرش اسفنجية، ان لم يكن على البلاط في مدارس هذه المناطق، بانتظار المساعدات التي تقدمها اليهم الجمعيات الانسانية وشباب المنطقة الذين نشطوا في جمع الاعانات من البيوت لتوزيعها على النازحين.

وما يلفت حماسة اهالي المنطقة لاستقبال النازحين، اذ غابت الخلافات السياسية التي كانت سائدة قبل بدء العدوان. وتحولت تضامناً وطنياً وانسانياً بدعم من المؤسسات واللجان الاجتماعية المؤلفة من الهيئة العليا للاغاثة و«تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي.

يوماً بعد يوم، يزيد تدفق النازحين ليتجاوز عدد المقيمين منهم في البيت الواحد العشرين شخصاً. والمشكلة تتفاقم مع انقطاع التيار الكهربائي وندرة المواد الغذائية، ولاسيما في القرى النائية من الجبل حيث تغيب وسائل الاتصال. فالوسيلة الوحيدة هي الهاتف الخليوي (الجوال) الذي لم يعد يفي بالغرض، اما بسبب تعطّل الشبكات او بسبب عدم توافر بطاقات اعادة التعبئة بالوحدات وانقطاع التيار الكهربائي، فضلاً عن غياب الصيدليات التي تؤمن الدواء والحليب للاطفال.

ومن اراد الحصول على المواد الغذائية التي تُشرف على النفاد، ما عليه الا ان يقصد بعض البلدات المجاورة حيث المحلات التجارية الكبرى. وهو بذلك يحتاج لتزويد سيارته بالوقود الذي يكاد ينعدم في المحطات. واذا توافر يرفض اصحابها تزويد السيارة بأكثر من ليترات قليلة.

والوصول الى هذه البلدات لا يعني امكانية توفير المواد الغذائية بسهولة، فالطوابير متراصة امام المحلات كافة، من الافران حيث لا يحق لكل عائلة بأكثر من ربطتي خبز الى المطاحن والمستودعات التي لا تسمح الا بكميات محدودة من الارز والبرغل والعدس، وطبعاً مع غياب تام لكل انواع الخضر والفاكهة. كذلك ازداد الطلب على الطحين الذي تخزنه بعض العائلات تحسباً لانقطاع الخبز وارتفاع اسعاره بسبب الحصار بعد ضرب الجسور التي تصل هذه القرى بالخارج.

وليل النازحين من ابناء هذه المناطق يتصل بنهارهم. رنين الهواتف يتداخل مع اصوات النشرات الاخبارية التي تبثها الاذاعات. فيما يسجل شبه غياب لاجهزة التلفزيون نتيجة انقطاع التيار الكهربائي. وقد عادت الشموع وقناديل الكاز لتضيء الليالي المظلمة بعدما كانت وضعت على رفوف التحف التراثية. وبالنسبة الى المياه سجلت اسعارها ارتفاعاً بمعدل الضعفين. كما ارتفع ثمن قارورة الغاز الى 40 دولاراً.