مناطق كسروان الجبلية تستقبل ألوف النازحين .. ومجيئهم أعاد إحياء «الموسم السياحي»

TT

لم يبالِ أهالي منطقة كسروان، وخصوصا الساكنون في مثلث عجلتون ريفون وفاريا، وهي بلدات جبلية تقع على ارتفاع اكثر من ثمانمائة متر شمال العاصمة اللبنانية، باسماء النازحين اليها من بيروت او المذهب الذين ينتمون اليه، اذ سارعوا الى استقبالهم بحفاوة مشبعة بالدفء رغم حرارة الطقس المنخفضة في الجبل والتي يرافقها الضباب. فقد قصد هذه المنطقة اكثر من خمسين الف لبناني هربا من القصف الذي أصاب بيروت وضواحيها فاندفع الكسروانيون الى احتضانهم تحت عنوان المحبة والمودة، عارضين عليهم كل انواع المساعدة علهم يستطيعون مسح بعض الكآبة التي ارتسمت على وجوههم.

الشياح، عين الرمانة، الأشرفية، الضاحية الجنوبية، الحدث وغيرها من ضواحي بيروت، غزا اهلها منطقة كسروان الجبلية فاعادوا احياءها، هي التي غاب بريق الموسم السياحي فيها منذ منتصف الثمانينات بعدما كانت ملجأ لاهالي بيروت ايام الحرب اللبنانية. ومع اشتداد ضراوة القصف الاسرائيلي في بيروت وضواحيها في الأيام الاخيرة، اكتظت فنادق المنطقة برواد جاءوا من كل حدب وصوب طالبين الاحتماء تحت اي سقف يجدونه ومقابل اي ثمن مادي يطلب منهم، وهذا ما اعاد الموسم «السياحي» الى عزه في كسروان مثبتا القول المأثور: «مصائب قوم عند قوم فوائد». وازدحمت الطرق بالسيارات والمارة وبدت شوارع القليعات وعشقوت وفيطرون كأنها في مهرجان لا تقطع صمته الا احاديث الشباب الذي انتشر في الشوارع الواسعة يتنفس الصعداء بعد المرحلة العصبية التي عاشها في دائرة القصف وسخونة الاحداث في بيروت لايام متتالية.

وازدهرت حركة مقاهي الارصفة والمطاعم وخاصة تلك التي تعتمد في وجباتها الاساسية على المنقوشة بالصعتر والجبن واللبنة والكشك والمخبوزة على الصاج. وتجمع الشبان من كل الاعمار في جلسات مختلفة احتضنتها حدائق المنطقة او المقاعد الاسمنتية المثبتة على الارصفة، يتناقشون في الوضع الأمني الراهن ومصيرهم في بلد يعيش بين كل فترة واخرى على كف عفريت. وقال نهاد شامل الآتي من عين الرمانة، ان افضل ما يجب القيام به في هذه الفترة هو احياء الذاكرة لان اللبناني ينسى بسرعة.

ورفع احد الشبان في منطقة ميروبا الجردية لافتة امام دكانة كتب عليها: «لدينا الحب بالكيلو وكل اصناف المساعدة». وعندما استوضحناه معنى هذه العبارة قال: «لقد استنفرت جميع افراد عائلتي لمساعدة النازحين، من تقديم فرش ومأكولات وعدد قليل من الخيم، لاننا في ظروف مماثلة علينا القيام بالواجب الوطني والانساني». فيما اعتمد تجار آخرون كتابة عبارات تدل على وجود اماكن فارغة في مدارس او اديرة او حتى فنادق مهجورة، باستطاعة من يشاء ان يأوي اليها رغم الظروف الصعبة التي تنتظرهم فيها.

وفتحت البلديات في عجلتون وفاريا وريفون ابوابها امام النازحين لتأمين سبل التواصل مع اهاليهم الذين ما زالوا في بيروت وضواحيها او اختاروا مناطق اخرى يقصدونها بعيدا عن القصف الذي يطال بيوتهم، وذلك بعد نفاد بطاقات تعبئة الهاتف النقال من الاسواق.