حلفاء بوش المحافظون ينقلبون عليه.. تذمراً من سياساته الخارجية

ينتقدون «تساهله» مع إيران وكوريا الشمالية وتركيزه على «الدبلوماسية العقيمة» مع الأوروبيين

TT

في وقت يواجه فيه تحالفه المحافظ ضغوطا بشأن السياسة الداخلية، يتلقى الرئيس الاميركي جورج بوش انتقادات متزايدة إزاء سياسته الخارجية.

وقال مفكرون ومعلقون محافظون أثنوا في السابق على بوش، في مقابلات أجريت معهم، إنهم يدركون الإرباك والتشوش الناجم عن المشكلات طويلة الأمد بما في ذلك ايران وكوريا الشمالية، وكذلك المشاكل الجديدة الملحة مثل التصعيد العسكري الاخير بين اسرائيل و«حزب الله» اللبناني. وقالت دانييل بليتكا، من معهد «أميركان انتربرايز» الذي يحظى بنفوذ قوي لدى الادارة: «انها القضية الأولى في كل حديث. ليس لدي صديق في الادارة أو الكونغرس لا يشعر بالغضب تجاه الادارة».

ويتذمر المحافظون من ان الولايات المتحدة تواجه مصاعب في العراق حيث لا توجد قوات كافية أو استراتيجية قادرة على سحق التمرد. ويرون ان السلطات في مصر وروسيا تقمع المعارضة، وان كوريا الشمالية تطلق صواريخ بدون عواقب، وان ايران تسعى لربح الوقت من اجل تطوير أسلحة نووية، بينما ادارة بوش مشغولة في دبلوماسية عقيمة مع الحلفاء الأوروبيين.

ويعتقد المحافظون ايضا، أن الفكرة القائلة بان الادارة ضعيفة ولا تملك خيارات، تعزز مواقع سورية وايران و«حزب الله» الذي يتلقى الدعم من البلدين الاخيرين.

ومعظم الانتقادات الحادة للادارة تأتي ممن دعموها سابقاً، ويجري التعبير عنها في فرق البحث والمجلات وصفحات الرأي التي تتابعها نخبة السياسة الخارجية في واشنطن ونيويورك.

ولكن البيت الأبيض ظل على الدوام يولي اهتماما خاصا للأحاديث في هذه الدوائر المحافظة. فأفكار الادارة الأساسية، وبينها تغيير النظام في العراق، والتركيز الخاص على الضربات «الاستباقية» والترويج للديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، اعدت اولا داخل هذه الأوساط الفكرية. وفضلا عن ذلك فإن هذه الأصوات يمكن أن تكون مؤشرا بارزا على الكيفية التي يشكل بها المحافظون الآخرون، من المتحدثين في برامج الاذاعة حتى الكونغرس، ردود افعالهم على السياسات.

وبينما يصغي البيت الأبيض لما سماه أحد المسؤولين «صفوف الثرثرة» فإنه يستمع الى مستوى من الطيف الآيديولوجي لم يكن ممكنا التفكير به قبل عام. وهذا يعد امراً غريبا بالنسبة لرئيس أثار الليبراليين والكثير من الحلفاء في مختلف أنحاء العالم على ما رأوه طريقة في المجابهة والانفراد. ويعتقد ان هذا الانتقاد من اليمين، سيضفي ألوانه على الجدل الرئاسي عام 2008.

ووصف رئيس مجلس النواب السابق نيوت غنغريتش، الذي يفكر في الترشح للرئاسة عام 2008، الخطوات الاخيرة للادارة في الخارج بانها شكل من اشكال التهدئة. وقال في مقابلة معه: «لقد تقبلنا الخيال الدبلوماسي الذي يتحدث بينما تبني كوريا الشمالية قنابلها وصواريخها وبينما يمضي الايرانيون في بناء قنابلهم وصواريخهم». وتساءل: «هل المرحلة المقبلة بالنسبة لكوندي أن ترقص مع كيم جونغ ايل؟»، في اشارة الى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس والزعيم الكوري الشمالي.

وقال كنيث أدلمان، أحد المسؤولين في ادارة الرئيس الاسبق رونالد ريغن، والمقرب من نائب الرئيس ديك تشيني، انه يعتقد ان روح الابتكار في السياسة الخارجية في البيت الأبيض انتهت بخطاب تنصيب بوش لفترة ثانية، والذي دعا فيه الى نشر الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. واضاف ادلمان: «ما يفعلونه بشأن كوريا الشمالية أو ايران هو ما كان بامكان جون كيري (المرشح الديمقراطي الذي هزم أمام بوش) ان يفعله، وما يمكن ان يفعله رئيس عادي في منتصف الطريق. هذه الادارة تمتع نفسها بصياغة التاريخ وليس فقط برد الفعل على الأحداث. انها السياسة الخارجية العادية حتى الآن».

لكن بعض المحافظين لهم آراء أخرى. فبعض المحافظين البارزين، مثل ويليام بكلي وجورج ويل، متشككون في المهمة في العراق، وفي حالة ويل، بالكثير من قدرة أميركا على اقامة الديمقراطية في الخارج. واشار ويل في عمود رأي اخير له الى تذمر المحافظين الجدد وهم يرون أن الادارة «تتلقى فجأة بعض النقد الذي لا صلة له بالواقع مما يرسم صورة كاريكاتورية».

ومن جانبه، قال مستشار البيت الأبيض دان بارتليت ان الرئيس يصغي الى كل تلك الانتقادات لكنه يعتقد ان الدبلوماسية الشديدة تعطي ثمارها بجلب دول أخرى الى مسعاه لعزل كوريا الشمالية وايران. واضاف ان «بعض الأشخاص غير صبورين بشأن سرعة تقدم الدبلوماسية، لكن الرئيس يعتقد ان من المهم ان يكون هناك مسعى شامل لحل هذه المشكلات بطريقة سلمية».

وفي غضون ذلك يبدو أن الاعضاء الجمهوريين بالكونغرس يصطفون مع الرئيس بشأن السياسة الخارجية. وربما لم يساعد قضية المحافظين الجدد ان احتلال العراق لم يجر بطريقة سلسة كما تكهن البعض. فالنائب الجمهوري مايك بينس، وهو محافظ بارز اصطدم مع البيت الأبيض بشأن ملفي الانفاق والهجرة، قال ان بوش «أظهر صرامة وعزيمة في تقديم مصالح أميركا في العالم».

وقال مشرعون آخرون انه من غير الواقعي ان نتوقع سياسات أخرى بشأن ايران وكوريا الشمالية اذا أخذنا بالحسبان التعقيدات المرتبطة بارغام هذين البلدين على التخلي عن طموحاتهما النووية. وقال السناتور الجمهوري جون سنونو، العضو في لجنة العلاقات الخارجية، انه «ليس هناك الكثير من الخيارات».

والحقيقة ان استعداد بوش للاستجابة الى النقد من المؤسسات النافذة في صياغة السياسة الخارجية، هو الذي أدى الى الضيق في أوساط كثير من المحافظين خارج الكونغرس، خصوصا مجموعة «المحافظين الجدد» المتشددين الذين كانوا قبل اربع سنوات متحمسين بشأن الحرب في العراق.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»