فرنسا ترفض تشكيل قوة دولية قبل وقف النار.. وخطط أميركية وبريطانية تتبلور

واشنطن تمنح الجيش اللبناني 10 ملايين دولار لمساعدته على الانتشار فى الجنوب

TT

رفض وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي «المبادرات الحالية» التي تبحث في سبل تشكيل قوة دولية لنشرها في لبنان «فيما لم يتقرر بعد وقف لاطلاق النار». وقال دوست بلازي في مؤتمر صحافي امس «ازاء المبادرات الحالية العديدة في مجلس الامن حول تشكيل قوة متعددة الجنسيات في المنطقة في حين لم يتقرر اي وقف لاطلاق النار، نعتقد ان لفرنسا مقاربة اخرى».

واعتبر الوزير الفرنسي ان «قوة متعددة الجنسيات من دون وقف لاطلاق النار لا يمكنها في الواقع ان تظهر اي فعالية». وتابع «نعتقد انه لا يمكن الوصول الى اي مكان بواسطة القوة وبواسطة دوامة العنف، في اي مكان في العالم وخاصة في هذه المنطقة، وهذا ما اظهره المثال العراقي». وأضاف «بالنسبة لنا، لا يمكن لنشر قوة متعددة الجنسيات ان يتم قبل الاتفاق السياسي، بل على العكس، هو يعقبه».

وكان الرئيس الاميركي جورج بوش دعا اول من امس في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الى نشر قوة دولية في جنوب لبنان «بسرعة». الا ان واشنطن امتنعت حتى الآن عن المطالبة بوقف فوري لاطلاق النار في لبنان، على عكس عدة دول بينها فرنسا. وحذر دوست بلازي من «تصاعد التشدد لدى الراي العام من على جانبي النزاع، الامر الذي يمكن ان يقودنا على المدى المتوسط نحو نزاع بين الثقافات والحضارات المختلفة، ما قد يزعزع الاستقرار في مدى اوسع بكثير من هذه المنطقة».

من ناحيته، اعرب الممثل الاعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خافيير سولانا امس عن ثقته من ان مجلس الامن سيعتمد قرارا يحدد اطار قوة دولية ترسل الى لبنان. واوضح سولانا في ختام المنتدى الاقليمي حول الامن في اطار رابطة دول جنوب شرق اسيا (اسيان) «لم اتحدث الى كل الدول الاعضاء في مجلس الامن لكني تحدثت الى عدد من الدول الدائمة العضوية.. ولدي شعور ان ثمة انفتاحا داخل المجلس للتوصل الى قرار يذهب في هذا الاتجاه» (تشكيل قوة دولية للبنان). ودعا المسؤول الاوروبي مجددا الى اعلان وفق اطلاق نار فوري معتبرا ان القوة الدولية «هي امر يجب الا تواجهنا صعوبات كثيرة للاتفاق عليها».

واضاف «ثمة رغبة في ذلك وكلما اسرعنا كان افضل». وأوضح «يجب اولا اصدار قرار يحدد من الناحية السياسية اهداف القوة وفي الوقت ذاته يجب اعداد القوة لتكون جاهزة. يجب ان نقوم بذلك بالتزامن» مشددا على الطابع الملح للوضع. وختم يقول «من المهم الحصول على وقف لاطلاق النار في اقرب وقت ممكن». وفي واشنطن، اعلنت وزارة الخارجية الاميركية ان الولايات المتحدة ستمنح الجيش اللبناني 10 ملايين دولار لتوفير الوسائل التي تمكنه من الانتشار على الحدود مع اسرائيل. وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية توم كايسي في ندوة صحافية «ننوي منح الجيش اللبناني 10 ملايين دولار». واضاف المتحدث ان المساعدة الاميركية ستتخذ شكل قطع غيار للاليات المدرعة وناقلات الجند المتوافرة لدى الجيش ومعدات اتصال. واوضح ان الكونغرس يجب ان يوافق في البداية على هذه المساعدة الرامية الى تسهيل نشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية، بدعم من قوة دولية تجري مناقشتها. وتمنح الولايات المتحدة اسرائيل سنويا مساعدة اقتصادية وعسكرية قيمتها ثلاثة مليارات دولار.

من جهة اخرى، اشار المتحدث الى ان الولايات المتحدة تستمر في بذل جهود دبلوماسية كبيرة لتسريع التوصل الى اتفاق على قوة دولية للبنان ستكون موضع مناقشات غدا في الامم المتحدة.

من ناحيتها، قالت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في مقابلة نشرت امس إن موقف بلادها سيكون أفضل إذا قامت بتدريب الشرطة اللبنانية أو الجيش اللبناني عما إذا أرسلت قوات في إطار قوة حفظ سلام مقترحة في لبنان. وأوضحت ميركل في حديثها لصحيفة «بيلد ام سونتاج» أن طاقة القوات المسلحة الالمانية على إرسال قوات خارج البلاد «استنفدت إلى حد بعيد».

وقالت المستشارة «نحن في الكونغو.. ونشكل غالبية القوات في البلقان وأكبر فرقة عسكرية لنا توجد في أفغانستان». ولم تستبعد ميركل بوضوح إمكانية إرسال قوات ألمانية إلى لبنان ولكنها قالت إن هذه المسألة لم تثر في الوقت الحالي مضيفة بالقول «إننا لا نعلم حتى تحت أي شكل من أشكال التفويض ستنشر هذه القوات هناك».

وذكرت أنه لم يتخذ بعد قرار بشأن إرسال قوات ألمانية إلى الشرق الاوسط وهو منطقة «ترغب ألمانيا في التعامل معها بحذر شديد». ومن جانبه قال أولريكه فيلهلم المتحدث باسم الحكومة في تصريحات لوكالة الانباء الالمانية (د.ب.أ) : «إنه يتعين على مجلس الامن الدولي في المقام الاول أن يحدد الشروط التي سترسل في إطارها أي قوة مقترحة إلى لبنان«.

وتحدثت المستشارة الالمانية عن «سلسلة كاملة من المسؤوليات يمكن أن تضطلع بها ألمانيا في إطار جهود دولية تستهدف إيجاد حل عملي وسلمي«للازمة في لبنان. ومن بين هذه المسؤوليات تقديم «المساعدة في تدريب الشرطة اللبنانية والجيش اللبناني والعمل على ضمان النجاح لعملية الوفاق اللبناني» من أجل إحلال الاستقرار السياسي على المدى البعيد في البلاد. وقالت ميركل «هناك مسؤولية تاريخية على عاتق السياسة الالمانية بشأن الدعم المخلص لحق إسرائيل في الوجود». وأضافت أن الازمة الحالية في منطقة الشرق الاوسط «بدأها حزب الله. فحزب الله شن صواريخ على إسرائيل لعدة شهور وهو الذي خطف الجنديين الاسرائيليين».

في مواجهة ضغوط الحلفاء العرب والاوروبيين لإنهاء العنف صاغ كل من الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الحكومة البريطانية توني بلير الخطوط العريضة لخطة تلعب فيها قوات دولية دورا فى حفظ السلام ومساعدة الجيش اللبناني للسيطرة على الجنوب. إلا ان مستشارين اكدوا ان الجانبين لم يفرغا بعد من التوصل الى ما يمكن ان يقبله كل من لبنان واسرائيل حول تشكيل القوات الدولية. وتريد اسرائيل ان تضعف «حزب الله» وتخرجه من منطقة الحدود وربما لا تكون على استعداد لوقف حملتها العسكرية، خصوصا في ظل شكوكها القوية ازاء قوة وفاعلية القوة الدولية المقترحة يسمح لها باحتواء «حزب الله».

وقال مسؤول رفيع في الادارة الاميركية شارك في المحادثات ان لدى الولايات المتحدة وبريطانيا خطة ستظهر خلال الايام المقبلة. وأضاف قائلا ان كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية، ستحاول دفع لبنان وإسرائيل للتوصل الى اتفاق يوضحان فيه الحاجة الى إنهاء القتال وتحديد شروط إنهائه، إلا ان المسؤول لم يدل بتفاصيل حول هذه الشروط. غير انه قال ان أي اتفاق سياسي لن يحدث إلا في حال اقتناع الطرفين بقوة وفعالية قوات حفظ السلام المقترحة ومقدرتها على السيطرة على الحدود الجنوبية وحماية اسرائيل ومساعدة الحكومة اللبنانية في السيطرة على الجنوب بدلا عن «حزب الله». ومن المقرر ان تبدأ الامم المتحدة محادثات تشكيل هذه القوات يوم غد، إلا ان المسؤول قال بصورة شبه مؤكدة انه لن تكون هناك قوات اميركية ضمن قوات حفظ السلام المقترحة.

وأضاف المسؤول انه في ظل وجود هذه الجوانب ستناشد الولايات المتحدة وبريطانيا بالدفع باتجاه إصدار قرار من الامم المتحدة بوقف النزاع على نحو يضمن عدم تمكن «حزب الله» من إطلاق صواريخ على اسرائيل، التي ستسحب قواتها من المنطقة. وحاول كل بلير وبوش في جولة مساعيهما الدبلوماسية التوصل الى إجماع لإنهاء الأزمة، وهي عملية شائكة من الممكن ان تعطي اسرائيل المزيد من الوقت لتوجيه المزيد من الضربات لـ«حزب الله».

والهدف الرئيسي للخطة الاميركية البريطانية هو مد سلطات الحكومة اللبنانية عبر كل لبنان لاول مرة منذ انتهاء الحرب الاهلية التي اندلعت في عام 1975، ودعم الجيش اللبناني بمدربين عسكريين دوليين، ونشر قوة دولية ونزع سلاح حزب الله. غير ان الاسئلة التي تحتاج الى اجابة هي كيفية تنفيذ ذلك، ومتى ومع أي قوات اجنبية ـ وهي اطروحات ستصبح مادة للمفاوضات في الشرق الاوسط والامم المتحدة. وواحد من اكبر الاسئلة هو ما اذا كان حزب الله الذي اطلق مئات الصواريخ على اسرائيل، سيقبل الافكار التي يروج لها بوش وبلير، لا سيما وان الحركة تكسب شعبية في العالم العربي، من منطلق الادراك بأنه تواجه اسرائيل والولايات المتحدة.

وكان الامين العام للامم المتحدة كوفي انان والمسؤولون الاميركيون قد اوضحوا انهم لا يتوقعون ان تقاتل القوة الدولية في لبنان وتنزع سلاح حزب الله بالقوة. وكان انان قد ذكر ان «المبدأ الاساسي» الذي يحرك المناقشات بخصوص القوة الجديدة هو ان دورها الرئيسي هو دعم السلطات اللبنانية، وهو ما اوضحه بوش امس الاول.

وتعتمد الخطة انه على حزب الله التخلي عن دوره كحركة مقاومة وقبول التركيز على العملية السياسية فقط وهو موقف اعترف المسؤولون في الادارة الاميركية انه عقبة. وأوضح مارتين انديك المسؤول في ادارة الرئيس الاميركي السابق كلينتون ويرأس الان مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد بروكينغز «يمكن ان يقبل حزب لله وقف اطلاق النار، ولكني لا اعتقد انه يمكنه قبول هذه الشروط». غير ان المسؤولين في الادارة اكدوا انه يمكن الضغط على حزب الله ورعاته في ايران وسورية لقبول اطار العمل الجديد تحت تهديد العزلة الدولية. وذكر مسؤول كبير في الادارة، في اشارة الى حزب الله «يتكبدون خسائر كبيرة، بالرغم من انكار الجميع. ونعتقد انه اذا ما امكننا الاستمرار في الضغط نحو اطار العمل هذا، فإن البدائل المتوفرة لديهم ستختفي».

والسؤال الاخر هو تشكيل القوات الدولية. فقد عبرت كل من فرنسا وايطاليا وتركيا وغيرها من الدول على اهتمامهم بالمشاركة في قوة متعددة الجنسيات، لكن المسؤولين ذكروا ان الحكومة لن تعلن التزامها رسميا الا اذا عرفت تفويضها بالضبط. ولا يتوقع المسؤولون الاميركيون مشاركة الجنود الاميركيين في مثل هذه القوة. وذكر دبلوماسي في الامم المتحدة انه من غير المرجح ان يؤدي اجتماع الغد، الذي سيرأسه جان ماري غوهنو كبير المسؤولين في قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة، في تبلور عروض محدد للمشاركة في القوة.