لبنان يواجه كارثة بيئية بسبب التلوث النفطي في البحر وحرائق الأحراش في البر

TT

مع استمرار الاسرائيليين بحملة القصف على لبنان التي حولت حتى الآن جزءا منه إلى حطام، حذر خبراء البيئة من إلحاق خراب دائم وواسع للبلد نتيجة لهذا القصف.

ومن بين هذه المخاطر هناك تسرب واحتراق النفط مع نشوب حرائق في الغابات وتدفق الفضلات السامة وأكداس النفايات المتزايدة التي راحت تهدد حياة الناس والحياة البرية حسبما يقولون، في بلد معروف بنقاء هوائه وخضرة مشاهده. والكثير من الشواطئ اللبنانية التي ظلت محتفظة باصالتها قد تحولت إلى مناطق مملوءة بالوحل السميك الذي راح يهدد الحياة البحرية.

وتبعد الجيَّة عن بيروت حوالي 15 ميلا. ومع تصاعد الدخان يوم الجمعة الماضية محولا النهار إلى غروب تحدث علي سعيد أحد سكان هذه البلدة الصناعية الصغيرة عن كيف أن الحرب غيرتها.

وغادر معظم سكان البلدة. وأصبح من المستحيل القيادة على الطرقات حيث معظم الأفراد يختبئون وراء نوافذ مغلقة.

وقال سعيد مظهرا بقعا سوداء فوق جلده حولت كل شيء أبيض هنا إلى رمادي، «إنه الوقود المتسرب من السماء».

وأدى تسرب كمية كبيرة من النفط مع النار الناجمين عن القصف الإسرائيلي إلى تشكل بقعة نفط تتنقل بالقرب من الساحل اللبناني وحتى سورية وهي تهدد بأن تصبح أسوأ كارثة طبيعية في تاريخ البلد وأن تلف هذه البلدة بالدخان.

وقالت منظمة الخط الأخضر البيئية اللبنانية إن «تصعيد إسرائيل هجماتها على لبنان لم يقتل المدنيين فقط ويدمر البنى التحتية بل هي دمرت مناخه. وهذه واحدة من أكبر الأزمات البيئية في تاريخ لبنان».

وأكثر أنواع الخراب أهمية جاء بسبب الهجمات الجوية على مستودعات النفط في بلدة الجية يوم 13 و15 يوليو (تموز). وتسرب النفط إلى البحر المتوسط واندلعت النار منذ ذلك الوقت ولم تتوقف حتى الآن.

واحترقت أربعة من اصل ستة مستودعات نفط بشكل كامل، وتسرب منها ما لا يقل عن 10 آلاف طن من النفط السميك إلى البحر في البداية ومن المتوقع أن 15 ألف طن آخر قد تسربت إلى البحر منذ ذلك التاريخ. وانفجر مستودع خامس متحولا إلى ألسنة لهب يوم الخميس الماضي حسبما قال سكان البلدة وهذا ما أضاف كمية أخرى من سحب الدخان. وكانت النار ساخنة جدا إلى الحد الذي أذابت عربات سكك الحديد وحولت الرمل تحتها إلى زجاج.

ويخشى المهندسون أن ينفجر مستودع النفط السادس قريبا وهذا ما سيجعل الوضع أكثر سوءا.

ودفعت الرياح ببقعة النفط شمالا إلى ساحل لبنان وفي يوم الجمعة وصلت إلى ساحل سورية حسبما قال مسؤولون من وزارة البيئة.

وقال سعيد «أنت لن تستطيع أن تسبح في الماء، إنه أسود بالكامل. هذا يشبه تسرب اكسون فالديز الذي جرى في أميركا» وهو تذكير بالتسرب الشهير الذي تسبب في خراب بيئة كبيرة حينما تسرب 40 ألف طن من النفط إلى مضيق الأمير ويليام في ألاسكا عام 1989.

وتجدر الاشارة الى ان سواحل لبنان ذات اهمية خاصة بالنسبة للسلاحف البحرية الخضراء، وهي من الحيوانات المعرضة لخطر الانقراض، كما انها ذات اهمية خاصة لتفريخ العديد من انواع اسماك البحر المتوسط. ويبدأ بيض السلحفاة في الفقس في شهر يوليو. ولكن مع تغطية البقعة النفطية للمنطقة بأكملها، فإن فرصة السلحفاة الوليدة في الوصول للمياه العميقة محدودة، طبقا لما ذكره الخبراء. كما تهدد البقعة النفطية اسماك التونة ذات الزعانف الزرقاء التي تهاجر الى شرق البحر المتوسط في هذه الفترة من كل عام.

وقد ارسلت وزارة البيئة عدة فرق الى انحاء مختلفة من البلاد هذا الاسبوع لتقييم الاضرار وبداية عملية التنظيف. ولكن البقعة النفطية اثبتت انها خارج نطاق قدرة الحكومة المحدودة للتعامل مع هذه المشكلة.

وتقدر الحكومة ان تكلفة عملية التنظيف ستصل الى ما يزيد على 200 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم للغاية في بلد يبلغ فيه اجمالي الناتج الداخلي 21 مليار دولار. وقد عرض الاردن ارسال خبراء لتقديم المساعدات التقنية كما ان الكويت تعهدت بتقديم معدات ومواد للمساعدة في عملية التنظيف.

في الوقت ذاته فان حرائق الاحراش في مناطق متعددة من البلاد تثير القلق لعدم مواجهتها. فلم يعد في امكان رجال الاطفاء ولا العاملين في الغابات التنقل بسبب الخوف من تعرضهم لاطلاق النار، كما ان موارد البلاد تستخدم لمساعدة اللاجئين.

وذكر منير ابو غانم المدير العام لجمعية تنمية الغابات والحفاظ عليها في بيروت «في اسرائيل توجد خطط للاهتمام بحرائق الغابات، ولكن في لبنان لا يجري اطفاء هذه الحرائق او حتى يجري ملاحظتها لان اولويتنا انتقلت من البيئة لاعمال الاغاثة». وقال انه تمت التضحية بمعظم ميزانية حماية البيئة وتطويرها من اجل اعمال الاغاثة. واكد ان بقعة النفط سيتم تنظيفها في نهاية الامر وسيتم جمع بقايا البقعة والتخلص منها عندما تنتهي الحرب، ولكن الغابات لا يمكن تعويضها.

واضاف «في النهاية من يهتم اذا ما اشتعل حريق في غابة عندما يقتل الناس، ويشردون وتشتعل الحرائق في بيوتهم ومصانعهم؟».

واوضح كريم الجسر الشريك في ايكوديت وهي جمعية غير حكومية للعاملين في مجال البيئة ان تلوث المياه اصبح مشكلة. فقنوات المجاري والمياه العذبة قريبة من بعضها البعض وقد دمرت القنابل التي ضربت الطرق والبنية الاساسية الكثير منها. واوضح الجسر ان مياه المجاري لوثت مياه الشرب، ولاسيما في المناطق الريفية، مما ادى الى مزيد من تدهور البيئة.

وقالت هالة عاشور مديرة «غرين لاين» وهي جماعة بيئية «ستؤثر هذه الحرب على الارض والهواء. ولكن من السابق لاوانه تقييم الضرر الحقيقي لانه علينا تحليل عينات وهو ما لا يمكننا القيام به قبل انتهاء الحرب».

وفي الجية بدأ سعيد وباقي السكان القليلين الذين ظلوا في البلدة في التكيف على الحياة مع التلوث. وذكر سعيد انه خلال الايام الاولى لحريق النفط، كانوا يضعون اقنعة للتنفس، اما الان فقد اعتادوا عليها.

واوضح ماهر علي وهو صياد سمك في الرابعة والعشرين من عمره «عندما يكون اتجاه الرياح شمالا يمكن تحمل الوضع، ولكن عندما تهب شرقا، يصبح الامر خطيرا. فالسخام يهبط على الطعام والاثاث ويجعل كل شيء قذرا. فلا يمكنك ترك كوب مياه، وليس من الغريب ان معظم الاسر غادرت البلدة».

* ساهمت في هذا التقرير ندا بكري من بيروت.