الأنهر الجليدية في جبال الألب والهيمالايا والإنديز تنكمش وتختفي معها خزانات المياه

العلماء يدقون ناقوس الخطر لتراجع كمية الجليد والثلوج فوق القمم

TT

وسط المناخ البارد فوق قمم جبال الانديز، بدأت الأنهر الجليدية التي تغطي هذه القمم منذ آلاف السنين وتمد مجاري الأنهار بالمياه في الاختفاء وبسرعة.

والأنهر الجليدية التي تغطي مثل هذه الجبال في انكماش مستمر، وتختفي معها خزانات ضخمة من المياه التي تساهم في نمو النباتات وتوليد الكهرباء واستمرار الحياة في المدن والمناطق الريفية.

ويشير المزارعون هنا الى انهم لاحظوا خلال العقدين الأخرين تراجعا كبيرا في كمية الجليد والثلوج فوق قمم الجبال. كما ان كميات المياه التي يحتاجونها للزراعة أصحبت غير منتظمة.

وقد اضطرت مدينة كوزكو التي يقطنها 400 ألف نسمة إلى تقنين استخدام المياه بين الحين والآخر، كما بدأت في سحب مياه من نهر يبعد 15 ميلا لاستخدامها للشرب. وفي العاصمة ليما، حث المهندسون الحكومات المتعاقبة على حفر نفق عبر الانديز واقامة بحيرات ضخمة لضمان استمرار سكان العاصمة التي يقطنها 8 ملايين نسمة على المياه. كما تواجه العديد من المدن في الصين والهند ونيبال وبوليفيا نقصا حاد في مياه الشرب مع تراجع الأنهر الجليدية.

ويوضح لوين تومسون وهو واحد من اول العلماء الذي دقوا ناقوس الخطر «يمكنك تخيل الأنهر الجليدية باعتبارها حساب مصرفي تم تجميعه منذ آلاف السنين. اذا سحبت منه أكثر مما تضيف إليه فستفلس». وقد وصل تومسون الى واجهة نهر كولكايا الجليدي الزرقاء بعد رحلة على الاقدام استغرقت يومين وتسلق قمة الجبل التي ترتفع 17 الف قدم وينخفض فيها نسبة الاوكسجين. وقال انه منذ ان بدأ رحلاته لهذه المنطقة عام 1974، انكمشت القمة الجليدية بنسبة 30 في المائة. وفي العام الماضي، تراجع ما يطلق عليه اسم لسان الجليد مائة ياردة وهي سرعة هائلة بالنسبة للانهر الجليدية. وكان تومسون يفحص المنطقة، وكأنه طبيب يفحص مريضا. وانتشرت في القمة ثقوب بسبب ذوبان السطح. وقد انهار جزء ضخم في شهر مارس (َآذار) الماضي وسقطت في بحيرة وتسببت في موجة فيضانات اغرقت مناطق المراعي. وقد بدأت واجهة النهر الجليدي، التي كانت متجمدة بحيث كان في إمكان تومسون تحديد كميات الثلوج السنوية لفترة ترجع إلى 1500 سنة، في الذوبان.

ومنذ تقرير تومسون الأول، أكد هو وعديد من العلماء التراجع السريع للأنهر الجليدية حول العالم. فالثلوج فوق قمة جبل كيليمانجارو ستختفي خلال 14 سنة، طبقا لما لتقدير تومسون. كما أكد هو وعدد آخر من العلماء ان الأنهر الجليدية في الالب والهيمالايا وعبر الانديز تنكمش.

وقد أدت الزيادة في ثاني اوكسيد الكربون التي صاحبت العصر الصناعي الى ارتفاع درجات الحرارة. بل ان العلماء اكتشفوا ان زيادة الحرارة كانت أعلى في المرتفعات.

وتجدر الإشارة إلى أن الأنهر الجليدية تخزن ما يقدر بسبعين في المائة من أجمالي المياه العذبة في العالم. وكشف تقرير لصندوق الحياة البرَية عن أن ذوبان الأنهر الجليدية في الهيمالايا التي تمد 7 أنهر بالمياه ستؤدي لـ«مشاكل بيئية خطيرة للناس في غرب الصين ونيبال وشمال الهند».

ويقر تيم بارنيت وهو عالم مناخي يعمل في معهد SCRIPPS لعلوم المحيطات في سان دييغو بولاية كاليفورنيا «عواقب ذلك مخيفة للغاية. فعندما تختفي الأنهر الجليدية ستختفي للأبد. ماذا ستفعل مدينة مثل ليما؟ في شمال الصين يعتمد 300 مليون شخص على ذوبان الثلوج للحصول على المياه. لا توجد وسيلة لإحلاله الا في العصر الجليدي القادم».

وفي ليما يصل عدد الأشخاص الذين ليست لديهم امدادات مياه بمليونين من بين سكان العاصمة البالغ عددهم 8 ملايين نسمة، ويشترون المياه بسعر يبلغ 30 مرة للغالون الواحد بالنسبة لما يدفعه السكان الذين تصلهم امدادات المياه. وقد نظم هؤلاء السكان انفسهم لمطالبة الحكومة التي يتهمونها بالفساد بإمدادهم بمياه الشرب. وليس لديهم أي شك في من سيعاني، اذا ما تسبب ذوبان الانهر الجليدية في تعميق مشاكل المياه في العاصمة.

ويقول ادولفو بنيا وهو مندوب في حركة سياسية محلية: بيروفيون بلا مياه «الفقراء سيعانون. أولادنا سيعانون. ليما مقامة وسط صحراء، وخلال عشرين سنة لن تكون هناك مياه». ويوضح رومولو كارهوز المهندس في شركة سيدابال المسؤولة عن امداد العاصمة بالمياه، انه اذا ما تم ايصال كل البيوت بشبكة المياه، فلن تكون هناك كميات كافية من المياه لضخها خلال الانابيب. وقد اثارت تغيير معدلات هطول الامطار وانكماش الأنهر الثلجية القلق بين الشركات التي تدير محطات توليد الكهرباء الهيدرولكية، التي تنتج معظم الكهرباء في بيرو. واوضح مارك هوفمان رئيس شركة الكترو انديز وهي شركة طاقة خاصة «لقد لاحظنا في السنوات الثلاثة الماضية نموذجا يختلف مما كان يحدث في الأربعين سنة الماضية». ولعدم ثقتها من امدادات المياه تقيم شركات الكهرباء في الوقت الراهن محطات لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي، اعتمادا على حقل غاز طبيعي جديد تم اكتشافها في جنوب بيرو.

ويوضح غوليرمو روميرو المسؤول في الكيتروبيرو التي تدير اكبر محطتين لتوليد الكهرباء في بيرو «ان الحكماء يعتقدون ان الغاز الطبيعي هو الحل. وهم على خطأ». ويضيف ان امدادات الغاز الطبيعي ستنتهي في يوم من الايام، اذا ما اقامت الحكومة مصنعا لتسييل الغاز للتصدير.

وبالاضافة الى مشاكل مياه الشرب وتوليد الكهرباء، تتسبب ظاهرة الانحباس الحراري في مشاكل اخرى. ففي جبال الانديز شمال ليما، كان هيوغو اوسوريا يعمل كبائع ثلج، يسير لمدة ساعتين من قريته ليصعد للنهر الجليدي ثم يسافر لمسافة قصيرة بالسيارة لبيعه في بلدة هواراز. الا ان النهر الجليدي تراجع كثيرا ولم تعد المسافة التي يقطعها صعودا وهبوطا مجزية. كما لاحظ تغييرات في المحاصيل الزراعية فلم يعد البطاطس ينمو جيدا، وبدأ الدود الذي لم يشاهد من قبل في تلك المناطق الزراعية في مهاجمة الذرة. ولذا بدأ في زراعة نباتات جديدة لم تكن موجودة في المنطقة من قبل مثل الزهور التي تبيعها زوجته في الفنادق والاسواق في بلدة هواراز. واوضح «القليل منا يحاول الاستفادة من التغييرات بطريقة ايجابية،» اما الباقي فقد ادت التغييرات المناخية الى صعوبات.

ويشير فينسنتي فالسكيز الذي يزرع البطاطس في منطقة قريبة من كوزكو التي يطلق عليها الانكا «الوادي المقدس»، بسبب خصوبته «نحن في موقف خطير. نتحدث عن ذوبان الأنهر الجليدية، ولكننا لا نعرف ما الذي نصدقه. اذا ما اختفت الانهر الجليدية سيعتقد الناس انه عقاب الهي».

بينما يشير لواياز وهو الذي يزرع اشجار الفاكهة والقصعين في أرضه شمال كوزكو، انه يتناقش مع جيرانه في المستقبل الكئيب الذي يعترضهم.

وأوضح أن الجميع في الوادي يشعر بالقلق بخصوص ذوبان الثلوج. بدون المياه كيف يمكنك العمل؟ والحياة؟».

* ساهم المراسل مونتي ريل ي بيونس ايرس والمراسل الخاص لوسيان شوفين في ليما، والباحثة نتالي الكسندروفا في تورونتو في هذا التقرير.