لبنان يعلق المفاوضات مع الأميركيين حتى وقف النار .. والسنيورة يعلن أن أي حديث عن غير ذلك «غير مقبول»

صلوخ لـ الشرق الاوسط: لم نطلب من رايس عدم الحضور إلى بيروت

TT

علّق لبنان امس المفاوضات مع الولايات المتحدة، حول الوضع المتفجر جراء الحرب الاسرائيلية عليه، بعد المجزرة الجديدة التي ارتكبتها اسرائيل في بلدة قانا الجنوبية، مما دفع وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، الى الغاء زيارتها التي كانت مقررة امس الى بيروت، والبقاء في اسرائيل بانتظار جلاء صورة الوضع.

وفيما قال رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ان اي حديث غير وقف النار «غير مقبول»، اوضح وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ لـ«الشرق الاوسط»، ان لبنان دعا مجلس الأمن للانعقاد، وطلب في شكواه اجراء تحقيق دولي حول مجزرة قانا والمجازر الاخرى التي ارتكبتها اسرائيل ليل السبت - الاحد وقبله، حيث ابيدت اسر بأكملها، بالاضافة الى طلب انسحاب اسرائيل الى ما وراء الخط الازرق، الذي رسمته الامم المتحدة للانسحاب الاسرائيلي في عام 2000.

وشدد صلوخ على ان لبنان يرفض الآن اي «مقاربة سياسية قبل المقاربة العسكرية التي تعني وقف النار». ونفى ان يكون لبنان طلب من رايس عدم الحضور، قائلاً: «اهلاً وسهلاً بها اذا اتت بافكار جديدة ووقف لاطلاق النار، فلبنان يرفض اجراء اي محادثات قبل توقف العدوان». واوضح ان رايس لم تتصل بالخارجية اللبنانية لابلاغها قرار الغاء الزيارة او موعد جديد لها.

وتحدث صلوخ عن وجود مقاومتين متلازمتين الآن، عسكرية ودبلوماسية، قائلاً انهما تكملان بعضهما البعض، ومشدداً على «ان لبنان لن يرضى بفرض اي قرار عليه. وان كل مشروع قرار في مجلس الأمن يجب ان يقدم الى الحكومة لتعطي رأيها فيه».

وقد اعادت المجزرة الجديدة التي حملت اسم «قانا -2» الى الاذهان مجزرة قانا الاولى، التي ارتكبتها اسرائيل عام 1996 وأودت بحياة 108 من المدنيين اللبنانيين احتموا في مركز للقوات الدولية. وقد ادت هذه المجزرة وتداعياتها الى انهاء اسرائيل عملية «عناقيد الغضب» التي شنتها ضد لبنان.

وقد حمل هذا «التشابه» عدداً من المسؤولين اللبنانيين على الحديث عن احتمال قيام اسرائيل بـ«المخرج» نفسه لتبرير تراجعها عن العناوين الكبيرة التي حددتها للعملية، التي شنتها ولم تحقق اهدافها رغم مرور 20 يوماً على اطلاقها.

هذا، وفور شيوع خبر المجزرة، عقد اجتماع في السرايا الكبيرة بين رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وقد عقدا بعده مؤتمراً صحافياً مشتركاً، حيث قال الرئيس السنيورة: «احتراماً لأرواح الشهداء واجلالاً لاشلاء اطفال قانا وعيونهم البريئة المدفونة تحت الانقاض نطلق صرخة مدوية الى جميع اللبنانيين والعرب ونناشد الضمير الانساني في انحاء العالم للوقوف معنا وقفة واحدة في وجه مجرمي الحرب الاسرائيليين. ان استمرار اسرائيل في اجرامها لن يكسر صمودنا ولن يجعلنا نتخلى عن حقوقنا او يدفعنا الى الاستسلام. وبات منذ هذا الصباح اي حديث غير حديث وقف اطلاق النار الفوري وغير المشروط واجراء التحقيق الدولي في المجازر الاسرائيلية المتكررة غير مقبول وليس له مكان».

من جهته، قال الرئيس بري: «اريد فقط ان اقول بعد تقديم التعزية للشعب اللبناني بأسره بهذه الضحية الجديدة، وكأن اسرائيل لم ترتو من دم قانا عام 1996، انني باسم الجنوبيين وباسم اللبنانيين عامة وباسم المقاومة ايضاً: نحن ليست لنا اي كلمة غير اننا خلف الحكومة بقيادة الرئيس فؤاد السنيورة في هذا الموقف الجلل».

وسئل السنيورة عما عناه بانه لن يكون هناك اي بحث قبل وقف اطلاق النار، فأجاب: «نحن نريد وقفاً فورياً وغير مشروط لاطلاق النار. هذا هو موقفنا في ضوء هذه المجازر المتكررة. وكما قال الرئيس بري ما حصل في قانا ليس عملاً نتيجة خطأ بل هو يتكرر للمرة الثانية وبعد اطلاق نار كثيف. واستهداف هذه القرية البريئة غير مقبول. وغير مقبول ان نستمر في اي عمل قبل ان يتم وقف اطلاق نار فوري وغير مشروط. واي حديث آخر ليس له مكان».

واجرى الرئيس السنيورة اتصالاً بالامين العام للامم المتحدة كوفي انان وطالبه بوقف فوري لاطلاق النار، وبدعوة مجلس الأمن للانعقاد بشكل طارئ. كما عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية مساء امس، خصصها للبحث في تداعيات المجزرة الجديدة.

وبرز موقف لافت للرئيس بري، الذي اعلن خلال لقاء مع الاعلاميين امس، انه «منذ اليوم الاول قلت لوزيرة الخارجية الاميركية ان وقف اطلاق النار قبل اي حل سياسي. ولا يعني هذا اننا ضد الحلول السياسية، بل يعني اننا نخشى مجازر اسرائيل كما عودتنا. اليوم اقول وبصراحة نحن مع قرار الحكومة. نريد وقفاً فورياً وغير مشروط لاطلاق النار وتحقيقاً دولياً بالمجازر. ونريد ايضاً، وقد ابلغت ذلك للامم المتحدة، اعلاناً من قوات الامم المتحدة عن منع اسرائيل للاغاثة والمواكبة والا فلماذا دور الامم المتحدة في اي حل؟ بعد المجزرة اقول ايضاً، بعد هذه المجزرة ان شروط تبادل الاسرى تغيرت. وكنت انا اكثر المستعدين لاجراء هذه المبادلة، في اسرع وقت وضمن اطار اللبنانيين»، واضاف: «لا اقول اي شروط جديدة الآن. ولن ابوح بأي شيء بعد الآن».

وقال حزب الله في بيان اصدره امس: «ان المجتمع الدولي بأسره يتحمل مباشرة المسؤولية عن استمرار الاحتلال الاسرائيلي، من دون رادع او وازع في ارتكاب المجازر المتنقلة بحق المدنيين اللبنانيين. وهذا ما يضعه امام مسؤولياته في وقف العدوان حفظاً لبقية انسانية في هذا العالم». واضاف: «ان العدو الصهيوني اذ يقدم بدم بارد على قتل المدنيين الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ، يستمر في اكاذيبه وادعاءاته لتبرير وحشيته وعبثيته. غير ان هذا لن ينطلي على الرأي العام ولن يعفيه من تحمل نتائج مجازره في قانا وغيرها كما وعدت المقاومة وعاهدت شعبها».

وقال وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت، رداً على سؤال عما قالته وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، من انها طلبت عدم الحضور الى لبنان، لان وقف اطلاق النار والمباحثات السياسية يجب ان تنطلق من اسرائيل: «بالتأكيد اسرائيل هي المعتدية. واذا لم يتم وقف اطلاق النار فموقف الحكومة اللبنانية وموقف المفاوضين اللبنانيين، اي الرئيس نبيه بري والرئيس فؤاد السنيورة، واضح وعلني. فقد اعلن الرئيس بري تأييد الجميع ووقوفهم خلف الحكومة اللبنانية. وهي ستجتمع مساء اليوم (امس) لاتخاذ الموقف المناسب على الصعيد السياسي والأمني تجاه هذه المجزرة الكبيرة التي حصلت في قانا».

وقال رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط في اتصال هاتفي اجرته معه محطة «الجزيرة» الفضائية: «لقد فشلت اسرائيل بكل شيء. ويجب عليها الاعتراف بهزيمتها الاخلاقية والعسكرية والسياسية. وهي تستقوي فقط على المدنيين من اهلنا في الجنوب الصامد وترتكب المجازر بحقهم. واذا كان هناك من امل فهو في الالتفاف حول موقف الحكومة وما جاء في خطاب السنيورة في روما، الذي وافق عليه مجلس الوزراء بالاجماع. البديل هو دولة لبنانية قادرة تبسط سلطتها على الجنوب وكامل الاراضي اللبنانية ومع تطبيق الطائف واتفاق الهدنة».

ورأى مفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني «ان مجزرة قانا الثانية... يجب ألا تمر من دون عقاب. واذا كانت المقاومة اللبنانية تقوم بواجبها في الرد على العدوان الصهيوني بكل بطولة وبسالة، الا ان عقاب اسرائيل على عدوانها المدمر على لبنان يجب ان يكون سريعاً وحاسماً وقوياً».

ودعا نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان الحكومة اللبنانية الى عدم استقبال رايس، فيما واعتبر المرجع الشيعي اللبناني الشيخ محمد حسين فضل الله «ان الادارة الاميركية والحكومة الصهيونية تعاقبان الشعب اللبناني على احتضانه الرائع لمقاومته». ورأى «ان احد ابرز اسباب الحرب الاسرائيلية على لبنان، تكمن في الفشل الذريع الذي يحكم حركة السياسة الاميركية في المنطقة». وقال وزير الاعلام غازي العريضي: «ان ما تمارسه اسرائيل في لبنان هو بربرية وعنصرية وهمجية واجرام متنقل وارهاب دولة بحق المدنيين وعقاب جماعي للشعب اللبناني.. ولو جاءت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الى لبنان ماذا كانت لتقول عن الارهاب الاسرائيلي والدعم الاميركي له؟».

اما وزير الصحة محمد خليفة فاعلن انه لم يستغرب المجزرة «لان اسرائيل لا تتغير، فعندما كان حزب العمل، ارتكب مثل هذه المجزرة في قانا. وعندما اتى الطرف الآخر، ارتكب هذه المجزرة ايضاً». ووجهت النائبة بهية الحريري نداء الى العالم اجمع طالبت فيه بـ «وقف آلة القتل الاسرائيلية في حق المدنيين والاطفال في لبنان». وقالت في مؤتمر صحافي عقدته في صيدا امس: «ان هذه الجريمة هي رسالة واضحة الى ضمير العالم كله والى المنظمات التي ما فتئت تعلمنا اصول الديمقراطية والمدنية وحسن التعامل مع الطفولة والمرأة».

ودعا المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني الى «رفض وساطة رايس وطرد السفير الاميركي من بيروت واغلاق باب التفاوض، الا وفق ما يوظف ويؤطر هذه التضحيات التي تجلت بأروع صورها في كل شبر من لبنان».