العاهل المغربي يعد بإطلاق جيل جديد من الإصلاحات العام المقبل

الملك محمد السادس دعا في عيد الجلوس جيران بلاده إلى تحرير المستقبل المشترك

TT

أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستشكل محكا آخر للتجربة السياسية في بلاده، ولمتانة خيارها الديمقراطي.

وقال في الخطاب الذي وجهه امس إلى الأمة، بمناسبة ذكرى عيد الجلوس، انه يتعين الانطلاق من تلك الانتخابات باعتبارها تشكل فرصة ثمينة للتعبير عن إرادة الشعب وممارسة حقه الدستوري وواجبه الوطني، إذ لا يمكن أن يكون مضمون للديمقراطية إلا بالمشاركة الانتخابية، وباختيار الناخبين لممثليهم، وبالتالي إفراز الأغلبية، التي يعهد إليها بمسؤولية تدبير الشأن العام. مؤكدا ان الإدلاء بالصوت شهادة، بل أمانة يتعين أداؤها. وأضاف العاهل المغربي، انه على الجميع أن يضع نصب عينيه، أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لرفع التحديات الكبرى للوطن، وإيجاد الحلول الملموسة للمشاكل الحقيقية للمواطنين، التي لا ينبغي أن تظل رهينة المعارك الانتخابية، داعيا كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لمواصلة جهودهم، والنهوض بمسؤولياتهم كاملة، من دون تأثر سلبي بالظرفية الانتخابية.

وفي هذا الصدد خاطب الملك محمد السادس شعبه بالقول «في غضون السنة المقبلة ستقبل، بكامل الثقة في نخبك وشبابك ومستقبل بلدك، على استحقاقات انتخابية جديدة وحاسمة، نريدها أن تكون مثالا لما نطمح إليه، في مجال تعزيز الممارسة الديمقراطية، التي تستند إلى الاقتراع، وتحتكم إلى نتائجه»، مؤكدا أن السنة الفاصلة عن الاستحقاقات يجب أن تكون خصبة ومثمرة، حافلة بمحطات متميزة من النقاش الديمقراطي، ولا سيما بالاجتهاد البناء، لاطلاق جيل جديد من الإصلاحات والمشاريع، يعزز المكتسبات، ويعطي دفعة جديدة لتحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.

وبخصوص تمثيل أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج في المؤسسات المنتخبة ارتأى العاهل المغربي البدء بإرساء المجلس الأعلى الخاص بالجالية، وفق تركيبة تجمع بين الكفاءة والمصداقية والتمثيلية، وذلك في غضون السنة المقبلة، موازاة مع مواصلة دراسته مختلف المقترحات، وتعميق التفكير في أنجع السبل، لتفعيل القرار الخاص بالمشاركة السياسية للمهاجرين المغاربة. ودعا العاهل المغربي، الى تثبيت دعائم الديمقراطية المحلية باعطاء نفس جديد لمسار اللامركزية والجهوية (المناطق) ملحا على ان يشمل تطبيق خيار اللامركزية جميع القطاعات العمومية حتى يصبح مقوما ضروريا للحكامة الترابية الجيدة. وفي اشارة الى الاصلاحات المؤسساتية التي يجري الحديث عنها بين القوى السياسية في المغرب، قال الملك محمد السادس انه في إطار ما يخوله له الدستور من صلاحيات، في مجال ضمان حسن سير المؤسسات، وصيانة حقوق الأفراد والجماعات، فانه لن يتوانى في نهج كل سبل الإصلاح، واتخاذ التدابير التي تقتضيها المرحلة، وتتطلبها المصلحة العليا للأمة، في تجاوب مع الإجماع الوطني.

وتطرق العاهل المغربي الى قضية الصحراء، معربا عن اعتزازه بالتجاوب الذي لقيته المبادرة التي اعلن عنها اخيرا بخصوص تمتيع المحافظات الصحراوية بحكم ذاتي موسع في ظل السيادة المغربية، من طرف البلدان والهيئات الفاعلة في المنتظم الدولي، التي قال انها باتت مقتنعة بمصداقية مطلب المغرب وتوازن موقفه في نهج حل سياسي تفاوضي ونهائي للنزاع.

وجدد الملك محمد السادس عرضه بمد اليد الى ذوي النيات الحسنة، وفي الدعوة الصادقة الى ما وصفه تحرير المستقبل المشترك مع جيران بلاده، مشيرا في هذا الصدد الى اتخاذ المغرب مجموعة من القرارات والمبادرات خلال السنة الفارطة من اجل الدفع بالتسوية النهائية لقضية المغرب الاولى، مشيدا بتجاوب الاحزاب السياسية المغربية والتزامها الى جانبه من اجل الطي النهائي للمشكل، وتوجيه كل الجهود لمسيرة التنمية الشاملة، وكذا الدفع ببناء الاتحاد المغاربي باعتباره خيارا لا محيد عنه وبوصفه كذلك من صميم الحكمة ومنطق التاريخ وحتمية المستقبل، مجددا التزام بلاده بالميثاق التأسيسي لاتحاد المغرب العربي الذي اعلن في مراكش في القرن الماضي.

وذكر العاهل المغربي بالمهام الموكلة الى المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء مشددا على ان تظل تلك المؤسسة منفتحة على كل الحساسيات والتيارات حتى تعبر عن تطلعات جميع ابناء المنطقة سواء المقيمين في المحافظات الجنوبية او العائدين الى ارض الوطن الذي كان ولا يزال غفورا رحيما. وخصص العاهل المغربي جزءا من خطابه للحديث عن الوضع المشتعل في الشرق الاوسط، مؤكدا في البداية على ان المغرب سيظل شريكا فاعلا في مسلسل السلام رغم الصعوبات القائمة، معربا عن انشغاله البالغ بالتطورات الخطيرة المتلاحقة في كل من لبنان وفلسطين.

وندد الملك بشدة بالاعتداءات السافرة التي تقوم بها الالة العسكرية الاسرائيلية ضد المدنيين ومنشآتهم الحيوية ومؤسساتهم، داعيا المنتظم الدولي وعلى رأسه الرباعي الراعي لعملية السلام بالشرق الاوسط، الى بذل قصارى الجهود لوضع حد للازمة والعودة الى طاولة المفاوضات حتى تتمكن شعوب المنطقة من العيش بسلام جنبا الى جنب في امن ووئام، بما يضمن للشعب الفلسطيني استعادة كامل حقوقه المشروعة باقامة دولته المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف. واضاف الملك محمد السادس قائلا انه باعتباره رئيسا للجنة القدس، لن يدخر أي جهد لصيانة الهوية التاريخية العريقة للمدينة المقدسة، ملحا على ضرورة احترام الوضع القانوني لها. وبخصوص العراق اعلن الملك دعم بلاده كل الجهود الرامية الى مساعدة هذا البلد الشقيق على تجاوز محنته، وبناء مؤسساته الوطنية، الكفيلة باعادة الامن والاستقرار، وتحقيق التنمية لشعبه في احترام تام لوحدته الوطنية والترابية. الى ذلك، وشح العاهل المغربي بأوسمة ملكية عددا من الشخصيات المغربية التي عملت في حقول المقاومة الوطنية والسياسة والمجالات الثقافية والعلمية والفنية تقديرا لاسهاماتها، بينهم عبد الكريم الخطيب الرئيس السابق لحزب العدالة والتنمية، وعبد الهادي التازي (سفير سابق) ومصطفى بلعربي العلوي (وزير سابق) ومحمد الكتاني من (الديوان الملكي)، والمهدي بنونة اول مدير مؤسس لوكالة الانباء المغربية، وعمر عزيمان، السفير الحالي بمدريد، وادريس بنزكري رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، ومحمد مجيد، الفاعل الجمعوي،.