إدارة الرئيس بوش تقيم مختبرات سرية للدفاع البيولوجي تحتوي على أكثر الجراثيم والبكتيريا خطرا

المشروع يواجه معارضة من خبراء الدفاع وأعضاء الحكومات السابقة

TT

في قاعدة عسكرية على بعد ساعة بالسيارة من العاصمة واشنطن، تقيم ادارة بوش مختبرات للدفاع البيولوجي ليس لها مثيل منذ تحريم الاسلحة البيولوجية قبل 34 سنة. لكن بعض خبراء الدفاع البيولوجي بمن فيهم من الحكومات الأميركية السابقة، يرون أنه من الخطأ بناء مركز من هذا النوع.

وجوهر المختبر هو مجموعة من الغرف المغلقة تحتوي على اكثر الجراثيم والبكتيريا خطرا. وهناك سيقضي العلماء وقتهم يحاولون دراسة وتجربة احتمال شن هجوم بيولوجي إرهابي بالجمرة الخبيثة القاتلة على شكل مسحوق يمكن ان تحمله الرياح لعدة اميال في فصل الصيف، او هجوم باستخدام فيروس عادي تم تحويله الى فيروس قاتل لا يمكن للأدوية العادية والامصال القضاء عليه.

ويمكن لما يجري في المختبر الجديد، في فورت دتريك بولاية ميرلاند، ان يؤدي، في يوم من الايام، الي موت آلاف الاشخاص، كما يخشى البعض خلق مخاطر جديدة ووضع الولايات المتحدة في موقف تنتهك فيه المعاهدات الدولية. وفي الحالتين، فإن معظم ما يجري في مركز الدفاع البيولوجي الوطني للتحليل والاجراءات المضادة الذي يرمز اليه بالحروف الاولى من اسمه بالانجليزية (NBACC) لن يعرف علنا، لأن إدارة بوش تنوي إدارة التسهيلات بطريقة سرية في معظمها.

وفي ترتيبات غير عادية، سيعتبر المبنى نفسه منطقة محظورة للغاية، من مكتب الاستقبال الى مقاعد المختبر الى الاقفاص التي توضع فيها الحيوانات. وهناك تسهيلات فيدرالية محدودة، من بينها المختبرات النووية، تعمل بمثل هذه السرية. ومثل هذا الغموض هو الذي دفع عددا من خبراء الحظر من انتشار الاسلحة الى الاعتقاد بأنه اصبح سمة محددة لسياسة الدفاع البيولوجي التي تنفذها وزارة أمن الوطن التي أسست (NBACC).

وترفض الادارة هذه المخاوف، وتصر على ان عمل المختبرات دفاعي وقانوني تماما. كما رفضت الدعوة الى اشراف مراقبين مستقلين من خارج شبكة العلماء والمقاولين الحكوميين التابعين للوزارة. ودافعت عن السرية باعتبارها ضرورية لحماية الاميركيين.

وقال برنارد كورتني المدير العلمي لـ (NBACC) «عندما تكشف الابحاث عن نقاط ضعف، يجب علي حماية ذلك، من أجل مصلحة الشعب. فلا نحتاج لأن نكشف للمجرمين نقاط الضعف في دفاعنا».

وأوضحت تارا اوتول، مؤسسة مركز الأمن البيولوجي في المركز الطبي التابع لجامعة بيتسبرغ ومستشارة وزارة الدفاع في شؤون الارهاب البيولوجي، ان السرية تأتي في اطار نموذج اكبر ويمكن ان تكون لها عواقب. وأوضحت «ان الفلسفة والممارسة وراء (NBACC) تبدو مثل باقي فلسفات وممارسات الادارة: نيتنا جيدة، ولذا يمكن ان نفعل ما نريده. وهو المنطلق الذي سيؤدي الى متاعب».

وبالرغم من انهم اعترفوا بالحاجة الى حماية نتائج بعض المشروعات الحساسة من الرأي العام، فإن النقاد يخشون ان تؤدي السرية المبالغة فيها الى زيادة الارهاب البيولوجي. وهو ما يمكن ان يحدث، اذا ما أجرت المختبرات تجارب غير معدة اعدادا جيدا بدون إشراف أو إذا ما كان عملها يثير الشكوك، بحيث يدفع بعض الدول الاخرى الى السعي الى إجراء أبحاث بيولوجية سرية.

وتجدر الاشارة الى ان الوثائق المتوفرة التي تصف مهمة (NBACC) لم تؤد الى التقليل من هذه المخاوف؛ فعرض بالصور الكومبيوترية اعده مديرو المركز في عام 2004 يقدم قائمة بما سيفعله تشير الى ان المختبر سيصنع ويختبر كميات صغيرة من الجراثيم كأسلحة، وربما يخلق عن طريق الهندسة الوراثية جراثيم وبكتيريا. كما دعا ايضا الى إجراء تجارب على احتمال قيام جماعات معادية بهجوم بيولوجي.

كما تسببت علاقات (NBACC) القوية بقطاع الاستخبارات الاميركي، في زيادة مشاعر القلق بين نقادها؛ فقد عينت وكالة الاستخبارات المركزية مستشارين للمختبر، بمن فيهم شخصية يعرف بـ «القسم z»، وهو مجموعة مختارة تعمل مع مختبرات لورانس ليفرمور الوطنية المتخصصة في تحليل وصناعة شبكات اسلحة العدو، وهو الامر الذي اكده المسؤولون الذين على معرفة بالبرنامج. وبدأ الابحاث في NBACC للتو، الذي استعار الكثير من مركز الدفاع البيولوجي في قاعدة ديتريك فريدريك. وكان هذا المجمع هو الذي تم إنتاج الأسلحة البيولوجية فيه لصالح الحكومة الأميركية منذ أربعينات القرن الماضي وحتى أوقف الرئيس نيكسون البحث عام 1969. ويستمر الجيش في إجراء بحوثه على الجراثيم المسببة للأمراض.

وبدأ إنشاء المركز في يونيو(حزيران) الماضي، حيث رصد لبناء مرفق تبلغ مساحته 160 ألف قدم مربع داخل نفس القاعدة. وسيتم تقسيم المبنى الذي يتكون من ثمانية طوابق بين القسمين الاساسيين في (NBACC) أحدهما لتجارب الطب العدلي، حيث يتم استخدام تقنيات التحقيق الحديث لتشخيص المشتبه بتورطهم في هجمات بيولوجية قد تحدث مستقبلا؛ والآخر هو مركز تشخيص التهديد البيولوجي أو يسمى «بي تي سي سي»، حيث يسعى إلى توقع كيفية شكل الهجمات.

ولم يرد مسؤولو وزارة الأمن الوطني أن يتكلموا عن مشاريع محددة تم البدء بتنفيذها أو ما زالت مخططا لها. لكن عرض السلايدات عبر الكومبيوتر الذي جرى عام 2004، والذي تم وضعه لفترة قصيرة على موقع ويب وزارة الأمن الوطني، لكن ذلك أثار نقدا دفع الوزارة إلى رفعه عن موقع الويب الخاص بها.

مآزق قانونية وغيرها وتجادل إدارة بوش بأن البحث الدفاعي البيولوجي يتماشى مع الاتفاقية البيولوجية والأسلحة السامة التي تم التوقيع عليها عام 1972 والتي حرمت إنتاج الأسلحة الكيماوية لأن دوافع الولايات المتحدة نقية.

وقالت مورين ماكارثي مديرة الأمن الوطني للبحوث والتطوير والتي تشرف على NBACC «كل البرامج التي نعملها ذات طبيعة دفاعية. عملنا هو ضمان سلامة حماية المدنيين في بلدنا وأن نعرف ما هي التهديدات».

وقال عدد من المسؤولين السابقين والحاليين في الإدارة الأميركية، إن الالتزام بالاتفاقية يتحدد وفق النوايا، وهذا ما يسمح لدراسة كميات قليلة من الجراثيم المسببة للأمراض تحت تأويل مفتوح للاتفاقية. بينما يحاجج آخرون بأن الحاجة إلى دفاع بيولوجي قوي في عصر الهندسة الوراثية تجلب المخاوف حول ما يرونه إشكالات قانونية.

حينما يتم افتتاح NBACC بعد عامين، فإنها ستضم آنذاك مجموعة من الجراثيم الفتاكة وفرقا من العلماء ترتدي ملابس فضاء بالكامل للعمل معها. كذلك ستكون هناك غرف كبيرة لإجراء تجارب، حيث تعرض الحيوانات للجراثيم الفتاكة. لكن الخاصية الأكثر إثارة للجدل ستكون على الأكثر سرية عمله.

وكشف مسؤولون في وزارة الأمن الوطني عن خطط لجعل المركز ومعلوماته سريا جدا. إذ سيعتبر «مرفق معلومات حساسة»، ويعرف باسم SCIF. وهناك مراكز من هذا النوع، حيث تضرب سرية عالية على الأنشطة والمناقشات فيها. وهناك SCIF في مبنى الكونغرس، حيث يُعلم عدد من أعضاء الكونغرس بالأسرار العسكرية. وهذا الحال ينطبق على المختبرات النووية الأميركية والكومبيوترات التي تخزن المعلومات المتعلقة بالأسلحة.

وتخطط وزارة الأمن الوطني لجعل مساحة كل مجمع NBACC يدخل ضمن سرية SCIF. ومع امتلاك المبنى لخصائص حماية كبيرة تهدف إلى منع تسرب أي من الجراثيم الخطيرة، فإنه لمن المنطقي أن يعمل كـ «SCIF » حسبما قالت ماكارثي.

وأضافت ماكارثي «نحن بحاجة إلى حماية المعلومات في مستوى مناسب». أما الأنشطة الأقل حساسية فستوضع في نهاية المطاف تحت أعين الجمهور.

خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)