إسرائيل تأسف لمجزرة قانا الثانية ولكنها لا تعتذر ولن توقف الحرب

حكومة أولمرت تحمل حزب الله المسؤولية والإعلام الإسرائيلي يحذرها من العربدة

TT

لم تحرك مجزرة قانا، أمس، الكثير من الضمائر في أروقة الحكم في اسرائيل، بل على العكس، تعاملوا معها باستخفاف في البداية. وفقط بعد أن بدأت تظهر صور المجزرة على شاشات التلفاز العالمية وبدأوا يشعرون بالغضب الدولي عليه، أخذت اللهجة تتغير. لكنها لم تتعد حدود الاعراب عن الأسف. وفي الوقت نفسه قرروا الاستمرار في العمليات الحربية، كما لو أن شيئا لم يكن.

وكانت أنباء المجزرة قد انتشرت، صباح أمس، عندما كان مجلس الوزراء الاسرائيلي منعقدا في جلسته الأسبوعية العادية. فقد همس السكرتير العسكري لرئيس الوزراء، ايهود اولمرت، ببعض الجمل حول النبأ فأبلغ أولمرت وزراءه بأن «حادثا قاسيا قد وقع في قانا»، وأبلغه بأن الغالبية الساحقة من القتلى الستين هم من الأطفال والنساء. فقطع أولمرت البحث العادي ونقل الصورة للوزراء. وأعطى تعقيبا أوليا لم يعرب فيه حتى عن الأسف فقال: «لم نصدر أوامر بقتل المدنيين ولا توجد لدينا سياسة قتل الأبرياء وعلينا أن نخرج الى العالم الآن في حملة شرح وتفسير كبرى نوضح فيها موقفنا».

بيد ان رئيس أركان الجيش، الجنرال دان حالوتس، الذي كان يدير العمليات الحربية عن قرب ويعرف حقيقة ما جرى في قانا، سارع الى الإعراب عن الأسف لمقتل المدنيين. ولكنه أضاف على الفور ان هذا الحادث ينبغي ان لا يشغل اسرائيل عن مواصلة القتال ضد حزب الله.

وبالفعل استمر القتال عنيفا، إذ واصل سلاح الجو الاسرائيلي غاراته. كما تقدم في الاجتياح البري في محور مثلث الطيبة على الحدود. وقد جوبه بمقاومة شديدة لكنها، حسب الناطق العسكري، بدت أقل بأسا من الاشتباكات القاسية في مارون الراس وبنت جبيل. وشوهدت أرتال من الدبابات والمجنزرات تحتشد ظهر أمس على الشارع المؤدي الى لبنان، ترافقها جرافات ضخمة من ذلك النوع الذي يستخدم لتدمير العمارات والأنفاق والخنادق خلال الاجتياح البري.

إلا ان وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تتعامل مع المجزرة مثلما تعاملت الحكومة وراحوا ينقلون بعض صورها المريعة ويتحدثون عن خطورتها على الموقف الاسرائيلي من الآن فصاعدا. وحذروا الحكومة من اتخاذ موقف «عربيد» أيضا من هذه القضية. ولفتوا الى ان مجزرة قانا الأولى في سنة 1996 تسببت في قلب الموقف الدولي ضد اسرائيل واضطرارها الى وقف العملية الحربية التي عرفت يومها بعملية «عناقيد الغضب». ورأى بعض الإعلاميين الاسرائيليين ان الحكومة ستضطر الى تغيير موقفها الحالي عندما تبدأ في استيعاب الموقف الدولي والعربي ضد سياستها. وجلب عدد من الخبراء العسكريين والسياسيين الى استديوهات التلفاز للتعقيب على ما حدث وهل يمكن أن يشكل انعطافا في سير المعارك. فانقسموا ما بين مقتنع بأن الانعطاف بات قريبا وبين مقتنع بأن الانعطاف لن يأتي، كما قال عوديد طيرا، وهو الرئيس السابق لاتحاد الصناعيين في اسرائيل وشغل في الماضي منصب قائد وحدات المدفعية في الجيش الاسرائيلي. وأضاف ان الظروف التي تحيط في الحرب الحالية على لبنان مختلفة بشكل جوهري عن كل الحروب الاسرائيلية السابقة وأن العالم يقف الى جانب اسرائيل هذه المرة كما لم يقف من قبل. وأن سبب هذه الوقفة يعود الى كون دول الغرب تخشى بشكل حقيقي من تيار الاسلام السياسي الأصولي، وتدرك ان نجاح حزب الله في عملية خطف الجنديين الاسرائيليين وقبل ذلك نجاح حركة «حماس» في خطف الجندي غلعاد شليط، كان يجب كسرهما. فلولا العمليات الاسرائيلية لكانت الحركتان الأصوليتان قد أقامتا حفلات الرقص في العالمين العربي والاسلامي على تحرير الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين والعرب وهذا سيزيد من وزن التيار الأصولي في العالم العربي.