متظاهرون اقتحموا مبنى الأمم المتحدة والجيش عمل على إخراجهم وقطع الطريق بآليات عسكرية

المنظمة الدولية تتفهم غضب اللبنانيين عقب مجزرة قانا وتبدي قلقها من الأعمال التدميرية

TT

تلقى مقر الأمم المتحدة في وسط بيروت غضب اللبنانيين الذين استفاقوا أمس على هول مجزرة قانا التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي وأودت بحياة حوالي 60 مدنياً معظمهم من الاطفال والنساء، فزحف عدد من هؤلاء الغاضبين باتجاه المبنى للاعتصام والتعبير عن احتجاجهم. لكن العدد الذي لم يكن يتجاوز الخمسين في بادئ الامر، تزايد بسرعة كبيرة واقتحم المعتصمون المبنى، فقفزوا فوق دشم الباطون والسلاسل المعدنية وانتزعوا الحواجز الحديدية التي كانت أمام المقرغير، مكترثين بلافتة ورد فيها: «ممنوع المرور ـ مسلك خاص لموظفي الأمم المتحدة. يرجى الانتباه والوقوف في الصف». ثم استخدموها لتحطيم أبواب المقر ودخلوا الطابق الارضي فبعثروا محتوياته رأسا على عقب ولم يوفروا المكاتب والكراسي والطاولات والخزائن وبرادات مياه الشرب. وقادوا معركتهم على إيقاع هتافات منددة بإسرائيل ووزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس، مؤكدين أن «المقاومة لن تركع»، وأتبعوها بهتافات حماسية تحيي السيد حسن نصر الله وتعاهده على الوفاء و...«هيهات منا الذلة» و«لبيك يا نصر الله». بعضهم بدأ معركة حجارة وجهوها الى الواجهة الزجاجية للمبنى وهم يهتفون «فيلتمان إطلع بره» في إشارة الى السفير الاميركي لدى لبنان جيفري فيلتمان. موظفو الأمن الخاص الذين يتولون حماية المبنى عجزوا عن التصرف في غياب أي أوامر، كذلك أفراد الأمن الداخلي الذين تركوا مهمة ضبط الأوضاع الى الجيش اللبناني الذي سارع أفراده الى تشكيل حائط بشري، ثم عملوا على إخراج المتظاهرين من حرم المقر وقطعوا الطريق اليه ببعض الآليات العسكرية. لكن معركة المتظاهرين استمرت فتمركزوا في الساحات المحيطة بالمبنى ونظموا وجودهم مع توافد المزيد منهم وأعدوا منصة عالية مع مكبر للصوت. شاحنة صغيرة نقلت عددا من الأطفال الى وسط بيروت، رفع البعض منهم لافتات تحمل صوراً للأطفال الشهداء مع عبارة «UN هي الراعي الرسمي لمجازر اسرائيل». قال شاب من «كشافة الرسالة الإسلامية»: «الناس تحركوا عفوياً للتعبير عن غضبهم. هذا كل ما نستطيعه ليفهم العالم القهر والاشمئزاز الذي نشعر به حيال مجازر إسرائيل التي لا تتورع عن قتل الأطفال، حتى المعاقين منهم». شاب آخر يرصد إذاعة «النور» التابعة لـ«حزب الله» صرخ: «الله أكبر، أسر المقاومون جنديين إسرائيليين في بلدة الطيبة». لكن الخبر لم يؤكده أي مصدر، إلا أن ذلك لم يمنع عجوزا من الوقوف ورفع صورة نصر الله والابتهال الى الله أن يحفظه. «سيد المقاومة» كان حاضراً من خلال خطبه التي بثها مكبر الصوت وتفاعل معها المعتصمون. صبية كانت تهتف «بالروح بالدم نفديك يا جنوب»، قالت: «نحن نتظاهر من أجل الاطفال الضحايا الذين سقطوا في قانا. لم يكتف الاسرائيليون بالمجزرة الأولى، فعاودوا الكرة معتمدين على الضمير العالمي النائم». حمل بعض المتظاهرين دمى أطفال كدليل على استهداف اسرائيل الاطفال في اعتداءاتها.

نائب «حزب الله»، حسين الحاج حسن، وعدد من القيادات السياسية شاركوا في الاعتصام. وقال: «الأطفال لن يستفيقوا في قانا، ولكن إرادة شعبنا وإرادة الأمة سوف تبقى حية». وأضاف: «لبنان كله، حكومة ومجلسا نيابيا وشعبا ومقاومة وأحزاباً، أصبح اليوم موقفاً واحداً موحداً خلف حكومته ومجلسه النيابي ومقاومته وشعبه، يقول لا مفاوضات ولا بحث في أي أمر قبل وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار».

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد وجه نداء الى المعتصمين بـ«اسم الشهداء» دعاهم فيه الى «الامتناع عن العبث بمبنى (الاسكوا) وأن يعودوا الى حيث انطلقوا وأن يعطوا الفرصة للعالم حتى يقف الى جانبنا من دون تشويش». وأصدرت الأمم المتحدة بيانا جاء فيه: «اقتحم عدد من المتظاهرين اليوم (أمس) مبنى الأمم المتحدة في وسط بيروت بالقوة، بعدما اخترقوا أحد المداخل. وقد حطموا مكاتب ومعدات في طبقتين من المبنى، كما أشعلوا حريقا، أمكن السيطرة عليه لاحقاً. ولئن لم يصب أحد بأذى، فقد وقعت أضرار مادية جسيمة في طبقتين وفي المدخل. وكان في المبنى وقت حصول الحادث أكثر من 80 موظفاً من موظفي الأمم المتحدة، لبنانيين وأجانب». وأضاف البيان: «تقدر الأمم المتحدة في بيروت التدخل السريع للسلطات والقوى الأمنية. وتقدر كذلك النداءات المتكررة للرئيس نبيه بري للمساعدة في ضمان سلامة الموظفين، والزيارة التي قام بها وزير الداخلية أحمد فتفت لمقر الأمم المتحدة. كذلك تقدر تدخل قوى سياسية مختلفة، منها «حزب الله» وحركة أمل، للمساهمة في تهدئة الحشود».

وأبدت الأمم المتحدة في بيانها تفهمها لـ «غضب العديد من اللبنانيين وسواهم حيال مجزرة قانا والتي قضى فيها عشرات المدنيين، بمن فيهم أطفال كثر في غارات إسرائيلية. غير أنها تبدي قلقها من الأعمال التدميرية التي قامت بها مجموعة صغيرة من المتظاهرين».

من جهتها، علقت وكيلة الامين العام للأمم المتحدة والامينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لغرب آسيا (اسكوا) ميرفت تلاوي، على ما تعرض له المبنى، فصرحت من فيينا، بأن المنظمة «تتفهم شعور الشعب اللبناني بعد سقوط العديد من الضحايا المدنيين جراء القصف الذي تعرضت له بلدة قانا. وهو ما يذكر بالفاجعة التي حلت بسكان البلدة عام 1996». وأضافت: «نحن نقدر تدخل السلطات اللبنانية على أعلى المستويات لتوفير الحماية لمقر الأمم المتحدة في بيروت». وشددت على أن المقر باق في بيروت ويقوم بأعماله وسيكون في طليعة المساهمين في إعادة الإعمار والبناء في لبنان.

وكانت ردة الفعل الأولى في بيروت مزيجاً من الذهول والخوف والقهر. الرجال قبل النساء لم يستطيعوا السيطرة على دموعهم، لا سيما أن العاصمة تعج بالنازحين.