الضاحية الجنوبية لبيروت «تتمتع» بيومي «تعليق غارات» .. و«الحمد لله على السلامة» تحل محل «مرحبا»

TT

استغل سكان الضاحية الجنوبية لبيروت اولى الساعات الـ48 لتعليق الغارات الجوية الاسرائيلية، للنزول اليها وتفقد منازلهم وممتلكاتهم التي كانت تحت رحمة البوارج والطائرات الاسرائيلية طوال الايام العشرين الماضية.

بطبيعة الحال، لم يجد الجميع مبتغاهم، فكثير من البيوت سقطت بفعل القنابل الفراغية التي ألقتها الطائرات والبوارج. ومن لم يجد منهم منزله كان غالبا يعرف ذلك مسبقا بالتواتر من الجيران والمعارف الذين بقوا في المنطقة. وردة الفعل الاولى لمن التقى جاره «السابق» على اطلال المبنى الذي كان يجمعهما هي عناق طويل وبكاء ينتهي بكلمة...«الله يعوضنا...المهم ما حدا تأذى». أما الكلمة الشائعة للسلام بين الناس الذين يتلاقون، بمعرفة سابقة او من دونها، فهي «الحمد لله على السلامة» بدلا من كلمة «مرحبا» التقليدية.

وقد شهدت شوارع الضاحية وأزقتها، امس، حركة لم تشهد مثلها منذ 12 يوليو (تموز) الماضي، فكانت الشوارع المفتوحة والتي لم تتعرض للقصف تغص بعشرات السيارات والناس الذين وفدوا لنقل ما تيسر من متاعهم الذي يحتاجونه الى اماكن سكنهم الجديدة التي هجرتهم الحرب اليها. وزاد في زحمة السير توقف الناس لمراقبة الدمار الهائل الذي أسقط مباني بأكملها، فـ«الحرب هذه المرة مختلفة» يقول احمد ،47 عاما، وهو خارج من منزله الواقع بمحاذاة مبنى مدمر في محلة الرويس. ويضيف أحمد الذي كان يحمل بعضا من متاع منزله ناهرا ابنه الذي حمل معه صورا تذكارية من المنزل بدلا من «أشياء مفيدة»: «لقد عايشت حروبا عدة، لكن القصف مختلف هذه المرة....انها قنابل لم نر لها مثيلا من قبل، تمحو كل شيء...لعنهم الله». وكلام احمد يحمل بالفعل الكثير من الصحة، ففي الضاحية لا توجد ابنية متضررة، فاما تكون سليمة او مدمرة كليا، لأن الصواريخ التي استعملت كانت تسقط المباني بضربة واحدة.

وعلى مقربة من احمد، كانت سيدة ستينية تقف مذهولة امام مبنى مهدم رفع عناصر «حزب الله» بقربه علما لبنانيا ولوحة عليها علم اميركي وآخر اسرائيلي وكلمة «شكرا». فيما كان الدخان يتصاعد من الأثاث المحترق بين انقاضه لليوم الرابع على التوالي.

واصطدم الذين دخلوا الى الضاحية امس بحواجز لـ«حزب الله» عند اطراف المناطق المقصوفة تمنعهم من الدخول اليها، إلا اذا اثبتوا ان منازلهم في الداخل او كانوا يمتلكون تصريحا من الجهات المختصة في الحزب بذلك. فاذا اثبت الشخص ملكيته سمح له بالدخول بعد احتجاز بطاقة هويته التي يسترجعها عند خروجه. وعند مداخل الكثير من المنازل في المنطقة المعروفة بـ«المربع الأمني» أقدم عناصر الحزب على إقفال مداخل المباني بجنازير لمنع السرقات. وإذا أراد احد السكان الدخول الى منزله، رافقه عنصر من الحزب صعودا ونزولا. وقد برر احد العناصر هذا الاجراء، قائلا: «انها مسؤولية شرعية في رقابنا...انها ارزاق الناس».

وغير بعيد عن المناطق المستهدفة، كانت الحياة في الضاحية تحاول ان تكون طبيعية. بعض المحال فتحت ابوابها، وخصوصا المحال التي تبيع المواد الغذائية او بعض المرائب المتخصصة بتصليح السيارات وصيانتها...حتى ان متجرا معروفا يبيع الالعاب والادوات المنزلية فتح ابوابه. ويقول الموظف الجالس وراء الصندوق ان «الحياة ستستمر»، مشيرا الى ان بعض الناس يأتون فعلا للشراء، خاصة لشراء الالعاب للصغار الذين منعتهم الحرب من الخروج من منازلهم.

اما محطات الوقود فقد شهدت زحمة شديدة، اذ قصدها العشرات للتزود بالوقود لسياراتهم والمشتقات النفطية لاستخدامها في الانارة. يوم امس كان يوما حافلا في الضاحية؛ فالغارات توقفت، لكن الحرب لم تنته....اليوم تنتهي «هدنة الغارات» وغدا يوم آخر.