دبلوماسيون: أميركا قد تخسر في الشرق الأوسط.. وأعداؤها قد يكسبون

سيناريوهات واشنطن الأسوأ.. تعزيز قوة حزب الله وإيران وزيادة تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى العراق

TT

لم تقتل القنابل التي أطلقتها إسرائيل على قرية قانا أطفالا وراشدين زاد عددهم عن الخمسين فقط، بل قتلت السياسة الأميركية الخارجية في المنطقة، حيث أصابتها في الصميم، كاشفة عبر صور مؤلمة جدا مخاطر كثيرة على واشنطن في أزمة الشرق الأوسط.

فمع كل مشهد جديد للمذبحة الدائرة في جنوب لبنان يتعمق الغضب الشعبي في العالم العربي وأوروبا ضد إسرائيل وراعيها الأساسي، موسعا من احتمال ردود فعل عنيفة في مستنقع الشرق الأوسط للولايات المتحدة، حسبما يقول خبراء في المنطقة ودبلوماسيون ومسؤولون أميركيون سابقون.

وقال ريتشارد هاس الذي كان مديرا لوضع السياسات الخارجية في وزارة الخارجية الأميركية خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش الأولى «الأسهم متوجهة كلها بالاتجاه الخطأ. الخطر الأكبر على الأمد القصير هو في زيادة مشاعر الاحباط والنفور من الولايات المتحدة في العالم العربي. لا العالم العربي فقط بل أوروبا وحول العالم. وسيسمع الناس كل يوم ضربات الطبول التي تتحدث عن معاناة لبنان وهذا سيرفع من مستوى العداء للولايات إلى طبقات أعلى».

ففي قلب الأزمة بالنسبة للولايات المتحدة هناك الصراع مع إيران. وقال ديفيد روثكوبف الاكاديمي في معهد كارنيجي للسلام العالمي ومؤلف كتاب «إدارة العالم» حول السياسة الخارجية الأميركية «إنها حقا حرب بالنيابة بين الولايات المتحدة وإيران. وحينما ينظر إليها ضمن ذلك السياق فإنها تضع كل تحت ضوء مختلف».

وجاءت هجمات حزب الله الأخيرة على إسرائيل مع تصاعد الضغط الدولي على إيران كي تتخلى عن تخصيب اليورانيوم ووصوله إلى نقطة حاسمة. ويظن بوش ومساعدوه أن إيران كانت وراء تنسيق هذه الهجمات لصرف الأنظار عن برنامجها النووي أو لإظهار نتائج الضغط القوي عليها. وقال مسؤول رفيع معني بالأزمة لكنه غير مخول للتحدث بشكل علني «إن الكلام حول أن إيران تنفق أموالا طائلة على حزب الله مغر».

ويأمل الرئيس بوش أن تساعد هذه الأزمة على حشد زعماء العالم ضد برنامج إيران النووي، بل وحتى مع تداول مجلس الأمن الدولي لإمكانية إرسال قوة لحفظ السلام للبنان فإنه قد يصادق على مشروع يدعم الولايات المتحدة بفرض عقوبات دولية على إيران إن هي لم توقف تخصيب اليورانيوم في أغسطس (آب) الحالي.

وقال هنري باركي المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والذي يدرّس حاليا في جامعة ليهاي «ليس هناك شك بأن هذه الأزمة ستصلّب من موقف الأوروبيين تجاه التعامل مع إيران. حتى لو أنهم لا يحبون ما تفعله إسرائيل» فهم سيدركون أن إيران «تهديد»، حسبما قال باركي. لكن آخرين غير متفائلين. فخارج البيت الأبيض يسود التشاؤم بين الكثير من المسؤولين السابقين في حقل السياسة الخارجية الأميركية، خصوصا مع بدء حزب الله والقاعدة اللذين هما خصمان تقليديان من طائفتين مختلفتين، بدآ يدعوان اتباعهما بنقل المعركة إلى العدو.

ويتوقع محللون نتائج وخيمة، ففي أحسن الأحوال يتمكن حزب الله من النجاة من هجمات إسرائيل الجوية وتتعطل حركة قوة حفظ السلام الدولية ثم تتدهور علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها. وفي أسوأ الأحوال يصبح حزب الله وإيران في وضع أقوى وينتشر التطرف الإسلامي، ويزداد تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى العراق.

وقالت مارا رودمان نائبة مستشار الأمن القومي خلال حكم كلينتون وتعمل حاليا في المركز الليبرالي للتقدم الأميركي «ما كشف النزاع هو كيف أن كل هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض. السيناريو الأسوأ هو تعميق التطرف لدى الأصوليين الإسلاميين في الشرق الأوسط وزيادة عزلة إسرائيل والولايات المتحدة وتقليل عدد الناس الذين يمكن التحدث معهم».

من جانبه هزأ هاس، المساعد السابق لبوش في مجلس العلاقات الخارجية، بتفاؤل الرئيس الأميركي. وقال بنبرة ساخرة: «ما سيحدث في المنطقة فرصة، أنا لا أضحك كثيرا. لكن هذا القول أكثر إضحاكا من أي شيء آخر سمعته لفترة طويلة. إذا كانت هذه فرصة، فماذا نقول حول العراق؟ فرصة العمر؟».

وظل هاس وآخرون يحذرون من أنه على الأمد البعيد سيؤدي الوضع إلى تكريس مفهوم أن الولايات المتحدة هي قريبة جدا لإسرائيل بحيث أن الجيل الجديد من الشباب العرب سيترعرعون على تصور أن الأميركيين هم أعداء لهم. أما الضغط على الحكومات الصديقة للولايات المتحدة في العالم العربي مثل مصر والسعودية سيجبرها للابتعاد عن واشنطن أو الانغمار في فرض الإجراءات المشددة ضد المنشقين المحليين للبقاء في السلطة. وفي كلتا الحالتين قد لا يبقى لبوش قوة كافية تسمح له بالضغط باتجاه تحقيق الإصلاحات الديمقراطية.

وحدد جون الترمان الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية «ليس أسوأ سيناريو بل سيناريو سيئ: جنوب لبنان في حالة خراب، ويكسب حزب الله الثناء لقيامه ببناء الجنوب بأموال إيرانية، ثم يصبح حزب الله أقوى في لبنان ولن يكون ممكنا فرض قيود عليه. وتكون ردود الفعل عاملا في إضعاف الدول المحيطة بلبنان مقابل تزايد التطرف، وهذا ما يدفعها إلى مزيد من القمع. ليس أي من هذه الاحتمالات بعيدا عن التحقق وفي كل هذا سينُظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها طرفا معاديا بشكل عميق».

لكن كل هذا يعتبر شديد التشاؤم بالنسبة لمسؤولي الإدارة الأميركية الذين يرون توقعات كئيبة من نوع ردود فعل المؤسسة المسؤولة عن السياسات الخارجية التي أنتجت عقودا من المحادثات الخالية من المعنى، واتفاقيات سلام على الورق وقرارات دولية غير ملزمة لم تحل من المشاكل العالقة في الشرق الأوسط.

وقال مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية معني بالأزمة «بعض التصريحات الساخنة حول عجز الولايات المتحدة عن العمل مع أي طرف وأننا فقدنا موقعنا القيادي في العالم هو ليس سوى كلام سخيف، وتثبت الأزمة الحالة ذلك. نحن فعلا لا يمكن التعويض عنا في حل هذه الأزمة وأنت لن تتمكن من حل هذه المشكلة عن طريق إصدار قرار دولي آخر».

وبينما يعمل الدبلوماسيون يدرس البنتاغون التأثير المحتمل على القوات الأميركية التي تعيش انتشارا أكثر من قدراتها. وحوّل القادة العسكريون وحدة المارينز الرابعة والعشرين للمهام الخاصة من الأردن من مهمتها التدريبية حيث تكون ضمن القوات الاحتياطية للعراق. لكن أفرادها الآن على ظهر سفن في البحر المتوسط للمساعدة في الجهود الانسانية ووضعت وحدة أخرى في حالة انذار كقوة داعمة للعراق.

ووضع البنتاغون خطط طوارئ للوحدات الأميركية المشاركة في مهام حفظ السلام لكن مساعدي بوش استبعدوا سيناريو من هذا النوع. والاحتمال الاكثر تحققا حسبما قال المسؤولون هو أن توفر الولايات المتحدة القيادة والسيطرة والدعم اللوجستيكي.

وقال بيتر رودمان مساعد وزير الدفاع لقضايا الأمن الدولي إن المسؤولين يدرسون امكانية وضع وحدات في لبنان لكنه من المبكر التعليق على شكل تلك القوة. وأضاف «المبدأ ما زال في طور التشكل، وأي نقاش حول احتمال مشاركة الولايات المتحدة فيها سابق لأوانه».

ويعترف بعض المحللين بالتحديات العديدة التي تواجه الولايات المتحدة لكنهم يعتبرون أن المكاسب الممكنة تستحق المخاطرة. وقال بيتر بروكس نائب مساعد وزير الخارجية السابق والذي يعمل في مؤسسة هريتاج «إنها لعبة مكعب روبيك. معقدة جدا للحل. لكن إذا كنا قادرين على تفكيك حزب الله فإن ذلك سيكون إيجابيا جدا في الحرب ضد الإرهاب».

وتعي الولايات المتحدة مخاطر تصعيد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المنطقة. وقال توني سنو الناطق باسم البيت الأبيض «قد تكون هناك أوقات يقول الناس خلالها إنهم غير راضين مع أي طرائق نتبعها. نحن واثقون أنه على الأمد البعيد سيكون الناس أكثر رضا ويعيشون في حرية وديمقراطية أكثر من تلك البلدان التي تحتلها منظمات إرهابية وتحاول خطف الديمقراطية في مراحلها التكوينية الأولى».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»