«راديوات» تراثية تهرب إلى خارج العراق لتباع في المزادات العالمية

بيعها بالتقسيط في السابق ساعد حتى الفقراء على شرائها مما زاد من خزينها في السوق

TT

«سوق هرج» احد الاسواق التراثية القديمة في منطقة الميدان وسط العاصمة العراقية بغداد، يشتهر ببيع المواد القديمة والمستعملة، من تحفيات وادوات مختلفة، فضلا عن الساعات اليدوية والجدارية والراديوات القديمة، رواده من المولعين بالانتيكات التراثية.

يقول علي الاعرجي صاحب محل لتصليح الراديوات البغدادية القديمة ان دخول الراديوات الى البلاد حصل قبل نهايات القرن التاسع عشر، وقبل ذلك بقليل بشكل محدود جدا، وتوسع انتشارها خلال سنوات حكم الملك غازي عندما طرحت بكميات كبيرة في الاسواق المحلية بواسطة وكلاء متخصصين في الاتجار بها. ويوضح الاعرجي لـ«الشرق الاوسط» ان اسعار الراديوات في ذلك الزمان كانت تبدأ من 18 دينارا فصاعدا، لكن يمكن لاي شخص اقتناءها اذ تباع بالتقسيط المريح مما يسهل عملية شرائها، مبينا ان انواعها كثيرة ومنها السيرة الهولندي وفيلبس الهولندي وباي الانكليزي ووستنك هاوس الاميركي، ثم بعد هذا الجيل دخلت اسواق بغداد الراديوات من المانيا الشرقية ونوعها سونرا، وجميعها تعمل بواسطة الطاقة الكهربائية. ويؤكد الاعرجي ان اربعينيات القرن الماضي شهدت دخول الراديوات التي تستعمل في القرى والارياف باستخدام البطارية الجافة ذات القدرة على تشغيل الراديو لفترة ستة اشهر، بعد ذلك حورت لتعمل بالطاقة الكهربائية بعد انتشار الكهرباء في القرى والارياف.

واشهر المحطات التي كانت تسمع في حينه اذاعة قصر الزهور التي شيدها الملك غازي في قصر الزهور بالحارثية، وكذلك صوت العرب واذاعة لندن. وكان الاهالي يتابعون الاخبار والبرامج الريفية والغناء الريفي في ذلك الوقت والغناء العربي، وغالبا ما يتجمع الاهالي في المقاهي لهذا الغرض. ويؤكد الاعرجي ان راديوات العراق القديمة، رغم الخزين الكبير منها، اخذت تتعرض للانقراض نتيجة عمليات التهريب، موضحا ان الراديو كلما كان قديما كان سعره مرتفعا، اذ بعض الانواع يصل سعرها الى 300 ألف دينار، خصوصا الاميركي الذي يتسم بالنقوش العربية التراثية، ويتم تهريبها خارج البلاد لانها قليلة السعر قياسا بالخارج وتردد اشخاص من دول الجوار لاقتناء تلك الراديوات واخراجها معهم بعد عام 2003 حيث تباع في المزادات العلنية كتحف فنية واثرية قديمة ونادرة. اما ابو مريم فيقول ان سبب توفرها فلأنها كانت تباع بالتقسيط مما يسهل على الفقراء ايضا اقتناءها وليس الاغنياء فقط، موضحا ان فترة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم للعراق شهدت دخول كميات كبيرة من الراديوات الى البلاد منها كروندنك وبلبونتك، مؤكدا ان الاخير من ارقى النوعيات وهو مصنع في المانيا الغربية في ذلك الوقت. واوضح ان الحصول عليها يتم بواسطة (دوارة) اي وسطاء يتجولون في المناطق السكنية ويشترونها من العوائل التي تمتلكها باسعار زهيدة لانهم لا يعرفون قيمتها كونها متروكة ولا تعمل، اذ نقوم باصلاحها وترتيب هيكلها ومن ثم عرضها للبيع. ويروي ابو حسين قصة شخص من الريف العراقي له ولع كبير في متابعة برامج الراديو، ويكثر من التردد الى المقهى القريب من داره بشكل يومي لسماع الاخبار واغاني الريف وسيدة الطرب العربي كوكب الشرق ام كلثوم رغم كبر سنه، وحرصا من ولده عليه فقد تطوع الابن في الجيش من اجل ان يشتري راديو لوالده، كان اول راتب قد تحول الى راديو خاص للعائلة ليستمتع الوالد المسن به براحة تامة.