مجلس الأمن يمهل إيران حتى نهاية الشهر لوقف التخصيب.. وإلا واجهت عقوبات

طهران قد تفكر مرتين قبل الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي

TT

في خطوة مواجهة جديدة بين ايران والمجتمع الدولي، اعتمد مجلس الامن امس قرارا يطالب ايران بوقف أنشطتها النووية بحلول نهاية اغسطس (آب) وإلا تعرضت لاحتمال فرض عقوبات عليها. وقد رفضت طهران القرار فورا، وقالت انه بلا اي اساس قانوني. وصدر القرار بموجب المادة 40 في الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وتنص على ان المجلس يمكنه دعوة الاطراف المعنية «بالانصياع لتلك التدابير المؤقتة التي يعتبرها ضرورية»، قبل اللجوء الى اي تصرف. والفصل السابع يحدد التفويض من اجل تطبيق القرار ويتيح اختيارات لتنفيذه، وتستبعد الوثيقة اي عمل عسكري. وأجاز مجلس الامن قراره بموافقة 14 دولة مقابل اعتراض دولة واحدة وهي قطر، العضو العربي الوحيد بالمجلس. ويطالب القرار الذي خضع لمفاوضات على مدار اسابيع ايران «بتعليق كل الانشطة المرتبطة بالتخصيب واعادة المعالجة (الوقود النووي) بما في ذلك انشطة الابحاث والتطوير». وتقول مسودة القرار انه في حال عدم امتثال طهران بحلول 31 اغسطس سيبحث المجلس في تبني «تدابير ملائمة»، بموجب المادة 41 بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة التي تتعلق بفرض عقوبات اقتصادية. والقرار هو الاول من نوعه الذي يصدر بحق ايران متضمنا مطالب قانونية ملزمة وتهديدا بفرض عقوبات. وتشك الولايات المتحدة وحلفاؤها في ان ايران تقوم بتطوير قنبلة نووية ويتهمونها باخفاء ابحاث في هذا الصدد على مدى 18 عاما.

ورفض مندوب ايران الدائم لدى الامم المتحدة جواد ظريف مطالبة مجلس الامن لايران بتعليق انشطتها النووية بحلول نهاية اغسطس، قائلا ان القرار يفتقر الى اي اساس قانوني. وابلغ ظريف المجلس بأن «برنامج ايران النووي برنامج سلمي لا يمثل خطرا على الامن والسلم الدوليين ومن ثم فالتصدي للقضية في مجلس الامن لا مبرر له ويفتقر الى اي اساس قانوني او جدوى عملية». ومن ناحيته، قال سفير قطر لدى الامم المتحدة عبد العزيز الناصر انه صوت ضد القرار بسبب التوقيت الذي اختاره المجلس لاصداره. وقال انه لا يوافق على ذلك القرار في وقت تشتعل فيه المنطقة. لكن جون بولتون السفير الاميركي لدى المنظمة الدولية قال ان ايران لم تذعن لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مدار ثلاث سنوات. وأضاف بولتون «من المحزن ان ايران دأبت وبوقاحة على تحدي المجتمع الدولي بمواصلة سعيها من اجل حيازة اسلحة نووية ويتطلب عناد واستخفاف القيادة الايرانية المتواصل ردا قويا من هذا المجلس»، وتابع «القرار الذي اعتمد اليوم يفعل هذا بالضبط». وتفاوضت المانيا والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) بشأن نص القرار. وكانت الدول الست قد عرضت على ايران في يونيو (حزيران) الماضي حزمة من الحوافز التجارية والتكنولوجية وحوافز في مجال الطاقة لتعليق انشطة تخصيب اليورانيوم. وقالت ايران انها سترد على ذلك العرض في وقت لاحق الشهر الحالي. وقال سفير بريطانيا لدى الامم المتحدة ايمري جونز باري انه اذا قامت ايران بتعليق انشطتها النووية فسيكون المجلس «مستعدا لتعليق تحركاته في هذا الصدد». وأضاف السفير البريطاني «المملكة المتحدة جد مستاءة لان ايران لم تعط أي مؤشر يدل على استعدادها للانخراط بجدية في عرضنا كما انها لم تقم بأي خطوات لازمة للسماح ببدء مفاوضات». لكن روسيا والصين لا ترحبان بفرض عقوبات وقال سفير موسكو لدى الامم المتحدة فاليري تشوركين ان جزئية العقوبات تعني ان المجلس سيخصص «مناقشة» فحسب بشأن التدابير العقابية.

ويخشى محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن ترد ايران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي بحيث تتخلص من كل المراقبة ومعايير السلامة التي يخضع لها برنامجها النووي.

وقال دبلوماسي بارز قريب من وكالة الطاقة «طهران توضح جليا أنه اذا اتخذ المجلس اجراء لوقف برنامجها المدني المعلن للوقود النووي والمسموح به بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي فانها سترى أن من الملائم إلغاء عضويتها في المعاهدة ووقف جميع انشطة وكالة الطاقة نتيجة لذلك». وقال دبلوماسي آخر مقره فيينا ومطلع على اراء البرادعي «الانسحاب سيستغرق ثلاثة اشهر حتى يصبح ساريا لكنه قد يؤذن ببداية نهاية حظر الانتشار وهو خطأ تاريخي له سيناريوهات أشبه بيوم القيامة». ويشتبه زعماء غربيون في أن مسعى الجمهورية الاسلامية المزعوم لانتاج وقود نووي من أجل توليد الطاقة ما هو الا مشروع مستتر للتسلح. وتنفي ايران هذا لكن انعدام الثقة سائد لان طهران أحرجت تحقيقات وكالة الطاقة وأخفت معظم برامجها لمدة 18 عاما. طهران في المقابل تجسد الضغط المكثف الذي تتعرض له للتخلي عن تخصيب اليورانيوم على أنه حملة تقف وراءها الولايات المتحدة لحرمانها من حقوقها المشروعة. وكان علي لاريجاني رئيس فريق التفاوض في المحادثات النووية الايرانية قد حذر في 20 يوليو (تموز) الماضي من أنه في حالة اتخاذ أي اجراء «يضر بحق الامة الايرانية الذي لا تنازل عنه فلن يبقى خيار سوى مراجعة السياسة النووية الوطنية». وصرح الدبلوماسي البارز بأن لاريجاني كان يقصد فيما يبدو وقف التفتيش مما يغرق البرنامج النووي في «حفرة مظلمة». ويقول مسؤولون في وكالة الطاقة انهم لا يريدون «كوريا شمالية أخرى». وكانت كوريا الشمالية قد انسحبت في عام 2003 من معاهدة حظر الانتشار النووي وطردت مفتشي وكالة الطاقة بعد أن واجهتها الولايات المتحدة بأدلة على أنها تسعى الى امتلاك برنامج سري لتخصيب اليورانيوم. وبعد ذلك بعامين أعلنت بيونغ يانغ أنها استطاعت انتاج أسلحة نووية.

لكن خبراء آخرين يقولون ان ايران على خلاف كوريا الشمالية تستشعر الكثير من الفخر بوضعها الدولي البارز الذي يعكس وضعها كدولة من الدول الكبرى المصدرة للنفط وكقوة استراتيجية في الشرق الاوسط وان انسحابها من المعاهدة قد يضر بهذا الوضع. وقال مسؤول مخابرات غربي طلب عدم نشر اسمه «ايران لن تنسحب من معاهدة حظر الانتشار. هذا تهديد فارغ». ومن شأن الانسحاب من المعاهدة اضعاف حجة طهران والتي حصلت على تأييد كثير من الدول النامية الاخرى بأن الغرب يعترض ظلما على حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي. وقال مارك فيتزباتريك من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن «ايران تؤكد بشدة على حقها المشروع في الطاقة النووية الذي تكفله لها معاهدة حظر الانتشار. الانسحاب سيقوض الشرعية التي تثمنها ايران غاليا». وأضاف «ايران متفهمة ايضا أن العالم بأسره سيرى هذه الخطوة بوصفها علامة على نيتها لاستغلال برنامجها النووي في أغراض تسلحية. وحيث انها لن تواجه عقوبات لاذعة في كل الاحوال فانها ستخسر كل شيء ولن تجني شيئا من الانسحاب من المعاهدة». وقال دبلوماسي من الاتحاد الاوروبي في فيينا ان ايران قد تقصر اي رد فعل مبكر للقرار على عدم منح تأشيرات دخول لمفتشي وكالة الطاقة.

وقال جاري ساموري، كبير محللي شؤون الامن العالمي في مؤسسة «ماكآرثر» بشيكاغو، «ايران تستطيع تحمل تحدي القرار لكنها لن تلعب بورقة الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار خشية استفزاز روسيا فتدعم فرض عقوبات صارمة عليها وربما التعرض للقصف من جانب الولايات المتحدة». وأضاف «سيكون من المنطقي أن تنسحب ايران من المعاهدة في حالة تعرضها للقصف فحسب لانها حينذاك ستكسب تعاطف دول كثيرة ستقول ان الولايات المتحدة تدمر مواقع نووية سلمية». ولا يرى البرادعي ما يدعو للعجلة في اتخاذ اجراءات صارمة بحق ايران فيما لا يزال برنامجها في مرحلة تجريبية. ويقول معظم المحللين ان ايران على مبعدة سنوات من تشغيل آلاف من أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم بكميات تزود بالوقود محطات الكهرباء او تصنع القنابل.