دوامة العنف في العراق تطلق العنان لتجارة تأجير الخيم ومستلزمات مجالس العزاء

إيجار الخيمة لليوم الواحد يتراوح بين 140 – 150 ألف دينار

TT

بعد ان تقطعت امامه سبل المعيشة وغلقت بوجهه ابواب الحياة، لم يجد علي عبد الرضا، سوى ان يفتتح له محلا لتأجير الخيم المقوسة ومستلزمات مجالس العزاء، التي تشهد رواجا ملحوظا في العراق نتيجة ازدياد حالات الموت متعدد الاسباب.

يقول عبد الرضا، وهو من احدى المناطق الشيعية في جانب الرصافة لمدينة بغداد، «منذ ثلاث سنوات لم أثبت في عمل معين، إما بسبب الاجور القليلة التي لا تتناسب وحجم الجهود التي أبذلها في ذلك العمل، وبالتالي عدم مقدرتي على توفير مستوى معاشي جيد لعائلتي، او بسبب عدم امتلاكي لمؤهل علمي يساعدني على الثبات في الوظيفة او العمل الذي احصل عليه، وذلك لكثرة طالبي العمل، خصوصا من الخريجين واصحاب المؤهلات، لذلك فكرت بمشروع خاص بي في منطقتي، فقمت بفتح مكتب لتأجير كافة مستلزمات الفاتحة (العزاء) ابتداء من أواني الطعام وانتهاء بأجهزة التسجيل الصوتي، الذي يستخدم لتلاوة القرآن الكريم، وغيرها من المستلزمات الضرورية لمجالس العزاء». ويضيف عبد الرضا «هناك مجموعة من الامور التي شجعتني على افتتاح هذا المشروع، منها عدم وجود مكتب لتأجير مستلزمات الفاتحة في منطقتي ذات الكثافة السكانية العالية، وزيادة حالات الوفيات والقتل، خلال الفترة الاخيرة في مدينة بغداد، اضافة الى انه ومن خلال هذا العمل استطيع ان اقدم شيئا انسانيا لعوائل الضحايا والمنكوبين، فكثيرة هي المرات التي قمت بتأجير هذه المستلزمات لبعض عوائل ضحايا التفجيرات او العمليات الارهابية، من دون مقابل او لقاء أجر زهيد لا يغطي نفقات نقل هذه المستلزمات من والى منزل العزاء».

وأوضح عبد الرضا، انه في السابق كانت هناك بضعة مكاتب لتأجير مستلزمات العزاء في مناطق معينة من بغداد، اما الان وبسبب كثرة حالات الموت، وتعذر إقامة مجالس العزاء في الحسينيات والجوامع، التي تكون مستهدفة من قبل الجماعات الارهابية، فقد ازدادت وبشكل ملحوظ مكاتب ومحلات تأجير الخيم المقوسة ومستلزمات مجالس العزاء. واشار صاحب المكتب، الذي توجد فيه خيم واعمدة حديد مقوسة واخرى مستقيمة واواني طعام، ومكبرات للصوت، واجهزة تسجيل، ومراوح ومبردات ومولدات وكراسي وطاولات طعام، وغيرها من الامور الثانوية، الى ان المردود المادي الذي يحصل عليه من عمله هذا جيد ولا بأس به ويساعده على اعالة عائلته بمستوى لائق، مبينا ان تكلفة ايجار الخيمة (الجادر)، ذات الثماني خانات مع ملحقاتها لليوم الواحد تتراوح بين (140 – 150) الف دينار عراقي، اضافة الى تأمينات عن كل شيء مفقود او يتعرض للتلف والكسر وأجر سيارة نقل المستلزمات من والى منزل صاحب العزاء. ولفت عبد الرضا الى ان عمله هذا يأتي ضمن سياق المقولة الشهيرة «مصائب قوم عند قوم فوائد».

الحاج عبد الحسين الساعدي، صاحب ثلاثة مكاتب لتأجير مستلزمات العزاء والفاتحة في مناطق مختلفة من بغداد، قال لـ«الشرق الاوسط» ان «امتلاكي لهذه المحلات والمكاتب متأت من الويلات التي مرت على العراق ، فمنذ نهاية سبعينات القرن الماضي، بدأت المشاكل والويلات والحروب تقع على رأس الشعب، ففي السنوات الاولى للحرب العراقية الايرانية، وخصوصا سنتي 1981 ـ 1982 زاد عدد ضحايا هذه الحرب وبدأت عملية تأجير الخيم المقوسة تنتعش وتزدهر، ولم يكن حينها هذا العدد الكبير من مكاتب التأجير موجودا، وذلك لان نظرة العراقيين الى مثل هكذا مهنة، فيها نوع من التشاؤم ويرونها فأل شر على اولادهم وعوائلهم».

واضاف الساعدي، «كلما دقت طبول الحرب والموت والدمار، انتعشت مكاتب ومحلات استئجار مستلزمات العزاء. والعقد الاخير من القرن الماضي والسنين الاولى من هذا القرن دليل على كلامي هذا، فقد كنت امتلك محلا صغيرا في حي القاهرة لتأجير مستلزمات العزاء البسيطة في ذلك الوقت، اما الان، فقد اصبحت عندي ثلاثة مكاتب كبيرة لتأجير كافة المستلزمات، واربع سيارات نقل موديل مارسيدس لنقل هذه المستلزمات، اضافة الى اولادي الاربعة الذين يمتلكون مكاتب خاصة بهم». واوضح الساعدي انه في بعض الاحيان تستخدم الخيم المقوسة وبعض المستلزمات التي يؤجرونها في احياء حفلات الاعراس والمناسبات، لكن هذا يشكل نسبة ضئيلة جدا مقارنة باستخدامها في مجالس العزاء.