إسرائيل تستخدم «سياسة الجوال» لإرهاب الفلسطينيين والإنذار بالتدمير

TT

اتصل رجل يتحدث بلهجة اسرائيلية بهاتف عمر مملوكي الجوال قبل منتصف الليل وطلب الحديث معه شخصياً، ليقول له: «لديك دقائق فقط للخروج من المنزل». كان صاروخ اسرائيلي سيضرب منزله. ويتذكر مملوكي عدم تصديقه ما سمعه، فيقول: «سألته اذا كان يمزح وقال لي: قوات الدفاع الاسرائيلية لا تمزح».

ولم يضع ضابط الشرطة الفلسطيني وبطل قفز الحواجز السابق مزيداً من الوقف، اذ كان قد سمع ما حدث لآخرين في غزة تلقوا مثل هذه المكالمات. وتمكن من اصطحاب زوجتيه واطفاله الخمسة عشر وفروا من المنزل في ملابسهم المنزلية وهم يصيحون على الجيران بالفرار من منازلهم.

وضرب الصاروخ بيت مملوكي بعد نصف ساعة من المكالمة الهاتفية، رافعاً منزل محمد في الهواء، ومهدماً اعمدة اساس المنزل. ولكن لم يصب احد بأذى جسدي، وهو ما ذكر الجيش الاسرائيلي انه هدف مثل هذه المكالمات الهاتفية.

وذكر الجيش الاسرائيلي، الذي شن حملات عسكرية على غزة ولبنان بعد خطف ثلاثة من جنوده في عمليات عبر الحدود، انه يبذل اقصى ما في وسعه لتحذير المدنيين من العمليات العسكرية المتوقعة. وتحذيره للمدنيين بمغادرة جنوب لبنان اصبح مثار جدل بسبب الغارة الجوية في ساعة مبكرة من صباح الاحد الماضي على قرية قانا اللبنانية التي ادت الى مقتل 60 لبنانياً، معظمهم من النساء والاطفال.

وفي غزة حيث بدأت القوات الاسرائيلية في اصدار تحذيرات محددة في الاسبوعين الآخرين، لم تؤد تلك الممارسة الى كسب الكثير من التأييد. ولا يقبل الا عدد قليل من سكان غزة فكرة ان اسرائيل تحاول حقاً الحد من القتلى المدنيين، حتى اذا كان ذلك لاسباب تتعلق بالعلاقات العامة وصورتها امام العالم. ويشير السكان الى انها محاولة تهدف لتصوير الحملات العسكرية الاسرائيلية في صورة افضل، ووصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي اسماعيل هنية بنوع من الحرب النفسية، قائلاً: «يريدون نشر الخوف والاضطراب بين الناس».

وعلى الرغم من ان الفلسطينيين تلقوا عشرات التحذيرات خلال الاسبوعين الماضيين، فإن مجموعة قليلة من المباني قصفت بالفعل. وقال الناطق باسم حركة المقاومة الاسلامية (حماس) غازي حمد: «يعتقدون انهم فوق القانون، ليست لديهم اية خطوط حمراء، ولا يستمعون لأحد، الا ربما للأميركيين».

ويلتزم المسؤولون في الجيش الاسرائيلي الصمت بخصوص هذه الممارسة ولا يناقشون الحالات الفردية. وقال ناطق باسم الجيش الاسرائيلي، طالباً عدم الاشارة الى اسمه «انها طريقة تستخدم لمنع ايذاء المدنيين الأبرياء».

وأفاد الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر اياد ناصر ان الاتصالات الخطيرة جاءت بشأن بعض البنايات الرسمية مثل مبنى المحكمة في غزة ومركز الاسعاف في مستشفى خان يونس، الا ان كلا الموقعين لم يستهدفا، وقال ناصر: «ما زال ما يحصل عقاباً جماعياً، فالعشرات من العائلات أبلغت وغادرت منازلها».

وحدثت اول حالة معروفة من حالات «الاتصال التحذيري قبل القصف» يوم 23 يوليو (تموز) الماضي، وهي التي استهدفت بيت محمد شيخ ديب في مدينة غزة. وفي تلك الحالة، يعترف جيران ديب عموماً بأنه كان عضواً بارزاً في جماعة «الجهاد الاسلامي» المسلحة وان صواريخ ربما تكون قد خزنت في البيت. وأحاط مسلحون من «الجهاد» البيت بعد الهجوم مباشرة، ومنعوا اية امكانية للوصول اليه.

وشكا آخرون مثل مملوكي من انهم ضحايا التباس في الهوية، وقال مملوكي: «يعتقدون انني من زعماء حماس»، نافياً اية علاقة بالجماعة الاسلامية.

وبعد ايام عدة من قصف 24 يوليو، تفقد مملوكي، عمره 44 عاماً، ما تبقى من منزله، وقد سقط السقف على الطابق الأرضي وتحول المبنى كله الى أنقاض.

وقد نجا كل أفراد عائلته ولكن ما حزن عليه مملوكي بشدة كان ثلاث اشجار رائعة من اشجار الزيتون التي يبلغ عمرها 25 عاماً، ومجموعة من الجوائز والميداليات التي حصل عليها هو وابناؤه لمشاركتهم في سباقات الخيل. وكانت الجوائز أول شيء أخرجه مع ابنائه من تحت الركام. وقد عرضوا باعتزاز الجوائز المتضررة من القصف على أحد الزوار. وقال مملوكي «كل هذا من صاروخ واحد. انسان قضى حياته يدخر المال لبناء بيت، وبعد ساعة يجد نفسه في الشارع». وكانت بيوت آخرين قد بقيت على حالها ولكن أعصابهم لم تكن كذلك. وتلقى ابراهيم محمود، الذي يملك محلاً لبيع الادوات المنزلية في مخيم البريج للاجئين، ثلاث مكالمات خلال اقل من ساعة. واتهم المتصل في المكالمة الأولى، التي رد عليها ابنه الصبي، محمود بأنه يعمل مع «حماس» وتلقى تحذيراً من ضربة محتملة. وكان محمود خارج المنزل، ليعود اليه ويجد حالة من الفوضى، ابنه يبكي وزوجته تصرخ. وجاءت مكالمة ثانية من نفس الصوت النسائي الاسرائيلي، إلا ان صاحبته سألت هذه المرة عن شخص مختلف. وعندما عرّف محمود نفسه، قالت «إنها غلطتي» باللغة العبرية وأقفلت الخط. وفيما كان محمود يهتم باخلاء منزله واخرج عائلته القلقة الى مكان أمن تلقى مكالمة ثالثة، وقال المتصل: «لماذا انت قلق وخائف الى هذه الدرجة؟ ليس انت المستهدف». وبعد تحطم اعصابه، اخلى محمد أفراد اسرته من المبنى وقضى وأبناؤه تلك الليلة جالسين على الناحية الاخرى من الشارع في انتظار انفجار منزلهم. وفي اليوم التالي، اعاد محمود اسرته الى المنزل وجلس في محله يتلقى مكالمات من اصدقائه وأقربائه الذين كانوا يعبرون عن قلقهم البالغ، إلا ان محمود كان يقول لمحادثيه انه لا يشعر بأي خوف وليس لديه ما يمكن ان يخاف عليه، ولكن «لا ضمان مع اليهود لأنهم يمكن ان يفعلوا أي شيء»، على حد تعبيره.

واستخدم الجيش الاسرائيلي اشكالا اخرى من التحذير، إذ وزعت آلاف المنشورات في مدن قطاع غزة، احدها موقع من «قيادة قوات الدفاع الاسرائيلية».

وكان عدد من سكان خان يونس قد ردوا على الهاتف الاسبوع الماضي ليجدوا تحذيراً مسجلاً باللغة العربية، كما ان الجيش الاسرائيلي نجح في قطع البث الاذاعي لمحطة «حماس» ليذيع تحذيراته بعد قطع التردد الاذاعي للقناة. وفي كل الحالات الرسالة الموجهة واحدة وتتلخص في عدم الإقدام على إيواء المقاتلين او تخزين السلاح لهم وان من يجرؤ على ذلك سيلحق الضرر بنفسه. وقال أبو احمد، المتحدث باسم الجهاد الاسلامي: «ما يحدث عبارة عن ضغوط نفسية مكثفة، انهم يحاولون إجبار المدنيين على إخراج المقاومة من المراكز المدنية».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»