كاسترو عميد رؤساء العالم

لم يتمكن 10 رؤساء أميركيين و13 إدارة من إزاحته

TT

هافانا ـ ا.ف.ب: اضطر فيدل كاسترو، اخر زعيم شيوعي في العالم الغربي الذي سيبلغ الثمانين من عمره في الثالث عشر من اغسطس (آب) الحالي، الى التخلي للمرة الاولى عن منصبه الذي يتولاه بلا منازع منذ 48 سنة.

ولم يتمكن عشرة رؤساء اميركيين ـ و13 ادارة حيث ان بعضهم انتخب مرتين ـ من ازاحة فيدل كاسترو المتحصن في جزيرته على بعد مسافة قصيرة لا تتعدى 140 كلم من السواحل الاميركية، يتحدى ويقارع واشنطن بنفس الحماس الذي كان يدفع الشاب المظفر في الثالثة والثلاثين الذي دخل هافانا منتصرا في يناير (كانون الثاني) 1959 قبل ان يفرض حكما ثوريا على ثلاثة اجيال من الكوبيين.

ولم يغير شيئا انهيار حماته السوفيات، فخالف فيدل كاسترو كل التكهنات وظل ثابتا بعد زوال الشيوعية قبل 15 سنة. ورغم المعاناة الشديدة للشعب الكوبي والقمع الشديد لمعارضيه لم يتخل عن قناعاته.

وفي خريف حياته يكاد زعيم مقاتلي سيارا مايسترا ورفيق درب تشي غيفارا ونحو 300 من «الملتحين»، يعيش شبابه مجددا وهو يراقب من بعيد ـ وبتوصيات قريبة ـ «ابنه الروحي» هوغو تشافيز، 52 سنة، رئيس فنزويلا منذ 1999 والداعي الى اعتماد «كاسترية جديدة» حقيقية في اميركا اللاتينية. ومن اخر انصاره الرئيس البوليفي ايفو موراليس الذي انتخب مطلع السنة.

وكان كاسترو الذي لا ينام كثيرا ولا ينال منه التعب، يردد دائما «انا في صحة جيدة»، حتى انه تعافى بعد بضعة اسابيع فقط من سقوطه في اكتوبر (تشرين الاول) 2004 في حادثة مثيرة ومؤلمة كلفته كسرا في ركبته واصابة في ذراعه.

وقد نجح فيدل كاسترو وهو ابن مهاجر اسباني نشأ لدى اليسوعيين واعار طوال حياته السياسية اهتماما كبيرا لمكانته في التاريخ، في جعل جزيرة يسكنها ستة ملايين نسمة عام 1959 ـ اكبر جزيرة في الكاريبي ـ مثالا للثوريين يبجلها مفكرو اليسار العالمي، عبر جعلها طرفا في الحرب الباردة.

ويتذكر جيلان من القرن العشرين على الاقل اسبوعا حاسما بين 22 و28 اكتوبر (تشرين الاول) 1962 كاد يندلع خلالها نزاع نووي بسبب كوبا. وتم احتواء «ازمة الصواريخ» السوفياتية الموجهة الى الولايات المتحدة من الجزيرة بفضل تحلي الرئيسين جون كنيدي ونيكيتا خروتشوف بضبط النفس مما اثار غضب فيدل كاسترو لانه لم تتم استشارته.

وفي المقابل تخلت واشنطن عن استخدام القوة لقلب نظام الناشط الثوري المقيم على مشارفها وذلك بعد سنة من محاولة قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية (سي.اي.ايه) وآلت الى فشل ذريع في عملية خليج الخنازير لانزال قوات قوامها 1400 من مناهضي كاسترو.

وقد اضطروا بعد معارك استغرقت 72 ساعة الى الاستسلام ليتمكن فيدل كاسترو من تحقيق نصر اسطوري على «الامبريالية».

وكان حبه للمقارعة الذي دفعه عندما كان محاميا شابا الى اقتحام المجال السياسي في السادسة والعشرين من عمره، هو الذي دفعه في 26 يوليو (تموز) 1953 الى تنظيم عملية هجوم على ثكنة مونكادا انتهى بمقتل عدد كبير من رفاقه.

وتعين على الثوري المتحمس الانضباط لا سيما بعد ثلاثين سنة من التحالف مع موسكو، والتخلي عن تصدير الثورة الى اميركا اللاتينية في نهاية الثمانينات والتسعينات مع انتهاء مغامرة جنوده الافريقية في انغولا. لكن فيدل كاسترو بدلا من استلهام تجربة «الاحزاب الشقيقة» في الصين وفيتنام اصر على عدم تقديم اي تنازل للرأسمالية في حين يرزح الاقتصاد الكوبي الذي يعاني من حظر اميركي منذ 1962، تحت بيروقراطية قمعية تقنن النقص المستمر في المواد الاساسية.