أطفال لبنان معرضون لتبعات صدمة الحرب النفسية .. وأبعادها على سلوكهم تظهر لاحقا

المجلس الأعلى للطفولة ينظم برنامج عمل طارئا لهم

TT

معاناة الاطفال في الحرب مختلفة عن تلك التي يعانيها الكبار او يتعرضون لها، فهم اذا كتبت لهم النجاة من العدوان وشبح الموت، سيكونون بالتأكيد عرضة لما يترتب على هذه الحرب من اثار نفسية ترخي بظلالها منذ اليوم الاول وتظهر نتائجها اما مباشرة او في مرحلة لاحقة.

الاهتمام بمآسي الحرب الاجتماعية وما يرافقها من نزوح وتغير في نمط العيش قد يحول الانظار عن آثارها النفسية على الطفل وسلوكه، انما اذا لم يعِ المجتمع هذه الاعراض ونتائجها في الوقت المناسب، ستتفاقم المشكلة وتنتقل من مرحلة الى اخرى اكثر تعقيدا وخطورة تحول احلامهم البريئة الى كوابيس محورها جحيم التدمير والقتل.

تداركا لهذا الموضوع، وفي اطار حملة الاغاثة التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، نظم المجلس الاعلى للطفولة، بدعم منظمة اليونيسيف وبالتنسيق مع وزارات لبنانية عدة ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الاهلية المتخصصة في مجال الطفولة، برنامج عمل طارئا لدعم الاطفال وعائلاتهم نفسيا واجتماعيا، وتجند لهذا المشروع مئات المتطوعين في جمعيات اهلية او عاملين في مراكز الخدمات التابعة للوزارة، ومهمة هؤلاء العمل مع الاطفال من خلال طرق واساليب متعددة كالرسم والكتابة والمسرح...، تسمح باكتشاف حالات اثر صدمة الحرب النفسية او احالتها على متخصصين نفسيين لتأمين العلاج واعادة الاندماج في المجتمع.وقبل بدء العمل ميدانيا، وتوزيع المتطوعين على مراكز النزوح، يخضع هؤلاء الشباب وبشكل دوري لدورات تدريبية، لرفع مستوى كفاءاتهم في ظروف صعبة كهذه وتأهيلهم للعمل مع الاطفال، كي تصبح لديهم القدرة على اكتشاف الحالة وتشخيصها ومحاولة معالجتها بالتعاون مع الاهل. اما اذا لم ينجح المتطوع في انجاز مهمته نظرا الى صعوبة الحالة، تحال هذه على معالج نفسي يتابع الطفل حتى يصل الى النتيجة المرجوة.

وفي الوقت عينه يعمل المجلس الاعلى للطفولة على وضع الية لبرنامج وطني دائم، اذ يتم اعداد ملف خاص عن حالة كل طفل على حدة ومراحل العلاج التي يمر بها كي يتسنى متابعته في مرحلة لاحقة بعد انتهاء الحرب. كما تعمل فرق المتطوعين على توزيع كتب وقصص ومجلات للاطفال وتنظيم جلسات مطالعة اضافة الى محاضرات موجهة للاهل ترشدهم الى كيفية التعامل مع الاطفال في ظروف الحرب.

وعمد المجلس الى اعداد موقع إلكتروني خاص تحت عنوان www.atfalouna.gov.lb، يعطي صورة واضحة عن وضع الاطفال في لبنان في مرحلة الحرب ويبرز النشاطات المنفذة والحاجات الضرورية.

اما في ما يتعلق باثار صدمات الحرب النفسية على الاطفال، فيقول الطبيب النفسي سامي ريشا انها تبدأ بالظهور اولا في سلوكهم الاجتماعي وفي تغير اطباعهم، ويصبح رد فعلهم عصبيا بشكل ملفت، ويتفاقم في حالات كثيرة الى درجة القلق والاكتئاب واضطرابات حادة في الذاكرة وفي برنامج التغذية. ما هو عام وقد ينطبق على معظم الاطفال الذين يتعرضون لصدمات الحرب، سينطبق بالتأكيد على عدد كبير من اطفال لبنان بكل فئاتهم العمرية ومن كان عرضة للعدوان او بعيدا عنه، انما تحيط به اجواء الحرب وما يرافقها من عوامل اخرى سلبية. ويؤكد ريشا ان هذه الاثار لا تظهر في معظم الاحيان مباشرة، لذا فان عدد حالات الاطفال التي قد تم اكتشافها في مرحلة الحرب سيتضاعف في مرحلة لاحقة تتراوح بين اسبوع وستة اشهر وقد تصل الى سنة، ما يستدعي مراقبة دورية للاطفال خلال الاشهر الاولى بعد انتهاء الحرب، كي يتم التعرف عليها ومعالجتها قبل تفاقمها.

ويشدد ريشا على ضرورة عرض الطفل على معالج نفسي بمجرد الشعور بتغيرات في سلوكه واطباعه كي يتمكن من تدارك الوضع، وبالتالي قطع الطريق على مرحلة ثانية ستكون اصعب، اذ يشعر الطفل عندها باعراض الاكتئاب وتذكر الحوادث والصدمات التي تعرض لها، والقلق الدائم واضطرابات حادة في الذاكرة والتغذية، مع الاشارة الى ان الحرب قد لا تكون المسبب الرئيسي لهذه الاعراض انما مسرّعا لها، اي انها كانت ستظهر على الطفل في جميع الاحوال، انما بعوامل اخرى متعلقة بمجتمع الطفل وبيئته.

لذا، يرى ريشا ان النشاطات الترفيهية ولاسيما الرسم والكتابة والمسرح التي يعمل المتطوعون في برنامج المجلس الاعلى للطفولة على القيام بها، اضافة الى التعامل المباشر مع الاطفال يساعد بشكل رئيسي على التعرف على اثر الصدمات النفسية، وتسهيل معالجتها، مع عدم اغفال دور الام والاب ومحاولة اشراكهم قدر الامكان في جلسات المعالجة وارشادهم على اسس التعامل مع ابنائهم في مرحلة الحرب وما بعدها.

ويشير ريشا الى امر مهم، ويرى ان اثار صدمات الحرب النفسية ستتجلى بشكل كبير في السنة الدراسية المقبلة، وستظهر مشكلة تربوية كبيرة في مدارس لبنان حيث سيتدنى مستوى التركيز وما يرافقه من تدنٍ في العلامات وفي النتائج بشكل عام، اضافة الى كره الاطفال للمدرسة وللبرامج الدراسية والنظام. لذا ينبه ريشا الى ضرورة ادراك ادارات المدارس لهذا الامر والعمل منذ بداية السنة على تكثيف دور المعالجين النفسيين وايلاء الجانب النفسي الاهتمام اللازم، كي يتمكنوا بعد ذلك من احتواء المشكلة واعادة الامور الى نصابها ليعود التلاميذ ويندمجوا في مجتمعهم وحياتهم بشكل طبيعي.