بيروت في عيون أطفال الجنوب النازحين: كانت نزهة جميلة لهم فصارت سجنا كبيرا

TT

قالت تغريد «ان زيارة بيروت بالنسبة اليها كانت قبل العدوان الاسرائيلي نزهة جميلة أما اليوم فهي أشبه بالاعتقال في سجن كبير».

تغريد البالغة من العمر 13 عاما هي من بلدة في قضاء صيدا، لم يستهدفها القصف الإسرائيلي حتى الآن. لكن الرعب أصاب عدداً من العائلات التي قررت تجنب الكوارث كما حصل في قانا. تقول تغريد: «والدي سارع إلى إخراجنا من الضيعة. خاف أن يقتلنا الاسرائيليون». هي تقيم مع اهلها في احدى مدارس بيروت. تمضي أوقاتها بالبحث عن تسلية حتى يمر الوقت وتعود.

أما خضر، 12 سنة، من إحدى قرى قضاء صور، فنزح الى بيروت مع والدته وأخته الصغيرة. والده يعمل في الخارج، لكن عمته لم تستطع اللحاق بهم لان الطائرات الإسرائيلية سبقت موعد اللقاء في بيروت بصاروخ تسبب ببتر قدميها وأصاب أولادها بحروق. وخضر مثل جميع الأولاد يحلم بالمستقبل في وطن يشبه أوطان الآخرين، يحلم ايضاً بأن يصبح طيارا ً. يقول إن بيروت مدينة مزدحمة، ولكنه رغم ازدحامها يشعر بملل شديد ولا يميل الى اللعب كما كان يفعل في قريته، حيث الطبيعة ملعبه الواسع. هنا يخاف مغادرة المدرسة. لماذا؟

يجيب: «أخاف أن أتيه فلا أجد طريق العودة. بيروت كبيرة. قد سمعت عن أولاد ضاعوا ولا يزال أهلهم يبحثون عنهم». لذا يبقى جالساً ولا يجرؤ على اللعب في المدرسة لأن الكبار ينزعجون. يطلبون إلى الأولاد أن يهدأوا. يقول «الكبار يتذمرون من الضجيج فهم يسهرون طوال الليل لمتابعة ما يحصل في الجنوب وينامون في النهار او يسمعون الأخبار». يشتاق خضر الى وجبات الطعام البيتية، ذلك أن المساعدات التي تصل إلى المدرسة تقتصر على وجبات الغداء المعلبة. أما الوجبات الأخرى فهي على حسابهم الخاص.

علي سعد من خربة سلم، 10 سنوات، ليس غريبا عن بيروت. كان يتوجه إليها كل جمعة لزيارة جدته ويتنزه في أسواقها ومراكز التسلية مع أولاد عمه. اليوم بيروت ليست للنزهة، تُوتر الأعصاب. للمرة الأولى ينتبه علي الى ضيق الشوارع وكثافة الابنية. لذا يفضل العودة إلى القرية حيث تربى وحيث يجد في جبالها واوديتها مرابط تسليته، وهذا ما لا تقدمه بيروت. كما انه يفتقد عمه الذي عاد من الخليج حيث يعمل لتمضية الصيف مع العائلة. عمه الآن يقبع جريحاً في المستشفى. علي يريد ان يصبح ضابطا في الجيش اللبناني، مثاله الأعلى «رئيس الجمهورية»... نبيه بري، كما يقول.

وعلي ليس الوحيد الذي يخلط بين أسماء الزعماء ومناصبهم. فأطفال النزوح لهم عالمهم «السياسي» الخاص والطالع من ميول الأهل وانتماءاتهم الحزبية. لذا يصبح رئيس مجلس النواب رئيساً للجمهورية. والسيد حسن نصر الله البطل الأوحد في لبنان. فالصغيرة زينب لا تعرف سوى اسمه وتحفظ غيباً كل الشعارات والأناشيد المتعلقة بحزب الله.

بتول بزي من بنت جبيل، تقف على عتبة المراهقة. هي في الثالثة عشرة من عمرها. لدى سؤالنا إياها عن العاصمة التي تزورها للمرة الأولى قالت: «من يستطيع أن يفكر بهذا الأمر. ما يشغل بالي هو كيف سنخرج من هذه الحرب». لا يهمها كثيرا من يربح ومن يخسر. لأن صور الموت تلغي أي فرح أو رغبة بالانتصار. تسأل: «هل يعرف أطفال العالم كيف نعيش؟ هل يعلمون أني مسؤولة عن إخوتي الصغار؟ هم يعيشون حياة طبيعية ونحن نعيش في الجحيم».

اما هادي بزي، 11 سنة، من بلدة بنت جبيل، فلم تمنعه الأحداث المأساوية التي شهدتها البلدة من تشجيع فريقه المفضل في كرة القدم عبر ارتدائه زيه، لم يكن يريد الحرب على الرغم من مواقفه المؤيدة لحزب الله ومن صداقته للشباب المقاتلين في البلدة، حيث كان يتسلى معهم ويتحدث إليهم ويخبرونه عن البطولات وفي بعض الأحيان يتحدث معهم.

هي المرة الأولى التي ينزل فيها هادي الى بيروت، لكن الأحداث منعته من اكتشاف هذه المدينة الكبيرة التي احبها من خلال ما سمع عنها وما شاهده عبر التلفاز.

وهادي كجميع الأطفال الذين قابلناهم، يرون بيروت مدينة مزدحمة. ورغم شعورهم بالشوق الى قراهم وبلداتهم يجدون أهلها مضيافين، يحبونهم ويستقبلونهم برحابة صدر ويتسابقون لمساعدتهم وتلبية طلباتهم، لكنهم ورغم كل ذلك يفضلون جميعاً العودة الى قراهم ووقف هذه الحرب، علهم بعد ذلك يعملون لتحقيق احلامهم جميعها في بلد تعب من الحروب ويحلمون بمستقبل يعيش فيه سكانه بطمأنينة ويعملون منه ولأجله.