خبراء بريطانيون في الشؤون الخارجية ينتقدون موقف بلير في لبنان

وزير خارجية سابق يعتبر خطابه «ساذجاً» ويهاجم قربه من واشنطن

TT

طالب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في خطاب مطول أول من أمس بمواجهة «قوس التطرف الذي يمتد في الشرق الاوسط ويلمس دولاً خارج المنطقة» من خلال «تحالف الاعتدال» مع المنطقة، بما فيها «المسلمون واليهود والمسيحيون، العرب والغرب». وأجمع عدد من الخبراء البريطانيين في شؤون الشرق الاوسط على ان سياسة بلير الخارجية وموقفه إزاء الازمة الراهنة في لبنان لم يرض عددا كبيرا من الشعب البريطاني وعددا غير قليل من حزبه، بينما وجه عدد منهم انتقادات شديدة اللهجة لرفض بلير المطالبة بوقف نار فوري في لبنان. وتأتي الانتقادات الداخلية في وقت تزداد الضغوط على بلير لبلورة سياسة خارجية مستقلة عن ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش بعد الازمات التي واجهت التحالف بين واشنطن ولندن منذ الحرب في العراق عام 2003.

واعتبر وزير خارجية بريطانيا السابق مالكوم ريفكيند ان خطاب بلير «ساذج» بتبسيطه للأزمات التي تواجه العالم. واوضح ريفكيند في حديث لـ«الشرق الاوسط» امس: «بلير في حديثه ربط بين كل ما يحدث في العالم، من العراق وفلسطين الى الشيشان وكشمير، معتبراً انه صراع بين الخير والشر، ولكن هذه رؤية مبسطة وغير نافعة». وأضاف: «انها من السذاجة التصور بأن كل هذه المشاكل مرتبطة فقط بالتطرف الديني». وكان بلير اعلن امام ألفي مدعو في «مجلس لوس انجليس للقضايا الدولية» في الولايات المتحدة ان الحملة العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة في العراق وافغانستان تندرج في اطار سياسة ترمي الى «تغيير القيم» وليس «الانظمة» فقط. وربط بلير، الداعم الرئيسي لسياسة الرئيس جورج بوش، بين القصف الاسرائيلي للبنان وقطاع غزة بمشكلة التطرف والتباين الكبير بين الإسلام المعتدل والتطرف الذي يدعي العمل باسم الاسلام.

واعتبر السفير البريطاني السابق اوليفر ماليز ان خطاب بلير «بدا وكأن كاتب الخطاب شخص في مكان بعيد جداً» عن الشرق الاوسط . وأضاف ان الخطاب كان «غير واضح ولم يحدد موقف بريطانيا من وقف اطلاق النار في لبنان وفلسطين». وماليز الذي لديه خبرة طويلة في الشرق الاسط بما فيها توليه منصب سفير بريطانيا لدى ليبيا سابقاً، أعرب لـ«الشرق الاوسط» أمس عن «خيبة امل» في الموقف البريطاني من الازمة اللبنانية، وهذا ما كرره سفير بريطاني سابق عمل في دمشق وطلب من «الشرق الاوسط» عدم ذكر اسمه. واتفق الدبلوماسيان السابقان على انه كان من الضروري ان تطالب بريطانيا بوقف اطلاق نار فوري في لبنان، وان تأخرها في ذلك يضر مكانتها الدولية.

وكان ماليز اطلق حملة لتوجيه رسالة جماعية من 52 دبلوماسي بريطاني سابق الى بلير في نيسان (ابريل) عام 2004 تنتقد سياسته في الشرق الاوسط وتحثه على رسم سياسة خارجية مستقلة لبريطانيا، وحتى وان كانت مقربة لواشنطن. وطالب الخبراء في شؤون السياسة الخارجية بلير في حينها بعدم «دعم السياسات التي محكوم عليها بالفشل» في رسالة احرجت بلير وأظهرت مدى الانتقادات الموجهة له داخلياً.

ومن أشد الانتقادات التي تواجه بلير هو دفاعه المتواصل لسياسة جورج بوش. ودافع بلير في خطابه أول من أمس عن الحروب الاميركية في العراق وافغانستان، قائلاً: «منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001، تتبع الولايات المتحدة سياسة التدخل لضمان أمنها وأمننا مستقبلا». واعتبر ريفكيند ان علاقة بلير القوية بالبيت الابيض «تجعله من الصعب ان يكون (للملكة المتحدة) سياسة خارجية مستقبلة»، مضيفاً: «موقف بلير هو الدعم الاحادي الجانب والمستمر لبوش وهذه سياسة فشلت حتى الآن في تحقيق النجاح لبلير وبريطانيا».

وحذر ماليز من الضرر الذي يلحق بمكانة لندن في العالم العربي بسبب قربها من واشنطن وعدم مطالبتها بوقف اطلاق نار فوري في لندن، قائلاً: «هناك مشاعر قوية ضد السياسة الاميركية في الشرق الاوسط، وبريطانيا مرتبطة في تصور العرب بهذه السياسة». الا انه ارفد قائلاً «من الخطأ تصور قرب بلير من بوش بأنه يلحقه فقط ، لأن بلير يؤمن بالسياسات التي يقوم بها».

واعتبرت رئيسة قسم الابحاث في «المعهد الملكي للشؤون الشرق الاوسط» (تشاثام هاوس) الدكتورة روزماري هوليس ان «مكانة بريطانيا تضررت على صعيدين من خلال دعم بلير للموقف الاميركي، الاول ان الشعوب في العالم العربي يعتبرون ان موقف لندن هو داعم دائماً لواشنطن منذ الحرب في العراق، والآن سيصرفون النظر عن لندن ويقللون من شأن سياستها لأن تصرفات بلير تبدو وكأنه يدعم الولايات المتحدة اذا كانت على صواب أو خطأ». وأضافت ان الصعيد الثاني هو «اندهاش الاطراف في الشرق الاوسط الذين كانوا على استعداد للاستماع الى لندن لموقف بلير تجاه لبنان الآن وعدم مقدرتهم على فهم الموقف البريطاني من شؤون الشرق الاوسط». وأشار ريفكيند، وهو عضو قيادي في حزب المحافظين المعارض، الى ان المشاكل التي تواجه السياسة الخارجية البريطانية «ناتجة عن الانقسامات الداخلية في حكومة بلير». وأشار ريفكيند الى تعبير جاك سترو، وزير الخارجية البريطاني السابق ورئيس البرلمان البريطاني حالياً، عن انتقاده الاسبوع الماضي لبلير في رفضه المطالبة بوقف اطلاق نار فوري في لبنان. وافادت تقارير صحافية بريطانية أخيراً ان وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت طالبت بلير بحث واشنطن على الدعوة الى وقف اطلاق نار فوري في لبنان اثناء زيارته للبيت الابيض الجمعة الماضية. الا ان بلير رفض ذلك، مما يعقد العلاقة بين الطرفين. كما ان وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني كيم هاولز انتقد القصف الاسرائيلي للبنان واستهداف المدنيين اثناء زيارته بيروت الاسبوع الماضي، وهذا ما تجنبه بلير وبيكيت حتى الآن.

وعلى الرغم من الانقسامات الواضحة إزاء الصراع في لبنان، الا ان مصدرا في وزارة الخارجية البريطانية اعتبر ان الحديث عن الانقسامات «فقط تأويل سياسي والنميمة السياسية» في اشارة الى محاولة المعارضين لبلير بانتهاز هذه الفرصة لاضعافه. وأكد المصدر في الخارجية لـ«الشرق الاوسط» ان «وزيرة الخارجية مستمرة في العمل علناً ووراء الكواليس من اجل التوصل الى وقف اطلاق نار وتتابع الاحداث على جميع الاصعدة»، مضيفاً انها قادرة مع بلير على التوصل الى سياسة مرضية للشعب البريطاني. إلا ان هوليس رأت بأن المعارضة الداخلية لموقف بلير ازاء لبنان وسياسته الخارجية اجمالاً قد تؤثر على مستقبله السياسي وبقائه في منصبه لأنه «على الرغم من ان الدستور يعطيه الحق في توجيه السياسة الخارجية، الا ان الاختلافات داخل الحكومة تضعفه ولا يمكن له الحكم من دون دعم الوزراء الذين لديهم استحقاقات انتخابية تضمن لهم الحق في إبداء رأيهم».