مسؤول الجمعيات البيئية: لولا المجازر الإسرائيلية في لبنان لاستأثرت كارثة البحر المتوسط باهتمام العالم

15 ألف طن من النفط تطوق الساحل اللبناني

TT

مجزرة جديدة ارتكبتها اسرائيل في لبنان لتضاف الى سجلّها الحافل في هذا المجال مع اختلاف بسيط ولكن جوهري، فالضحية هذه المرة هي البيئة البحرية. ورغم تعذّر تحديد حجم الكارثة الفعلي بسب الحصار، يكفي النظر الى الخريطة الاولية التي اعدّتها مجموعة من الناشطين من جمعيات بيئية لبنانية بعد جولة محدودة على الشاطئ اللبناني لتبيّن هول التشوّه البيئي إذ يبدو ان الكارثة التي سبق ان تطرقت اليها «الشرق الأوسط» اكبر بكثير مما كان متوقعا. وكحصيلة اولية للاضرار بعد مسح أجرته وزارة البيئة، تبيّن ان التلوّث امتدّ 140 كيلومترا على طول الساحل وبعرض لا يقل عن 15 مترا على اليابسة. اما الكميات المترسبة في عمق البحر فلا يمكن احصاؤها حاليا بسبب الوضع الأمني، كما ورد في بيان الوزارة.

ولو كان البكاء يداوي لوُجِّهت دعوة عالمية لرثاء البحر المتوسط الذي كان ابيض وان بشكل نسبي. و«لو لم تكن اسرائيل ترتكب المجازر يوميا بحق المدنيين اللبنانيين وتواصل قصفها الممنهج لاحتلت الكارثة البحرية حدث العام في العالم وليس فقط في لبنان»، قال المسؤول عن مجموعة الناشطين التي تقوّم الاضرار وعضو جمعية «غرين لاين» اللبنانية وائل حميدان لـ«الشرق الأوسط».

فبعدما قصفت البوارج الاسرائيلية معمل الجيّة الحراري لتوليد الكهرباء (على الساحل الجنوبي) الذي لا يزال يحترق منذ ثلاثة اسابيع تسرّب نحو 70 الف متر مكعب من النفط الى المياه الاقليمية اللبنانية، مسببا بذلك اكبر ضرر بيئي في تاريخ الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط. والريح تحمل الدخان شمالا الى بيروت وسواها ما قد يسبب أمراضا رئوية وسرطانية. وما يزيد الكارثة تفاقما، عدم التمكن من مواجهة المشكلة والاسراع في معالجتها بسبب الحصار البحري الاسرائيلي الذي يمنع الفرق المتخصصة من الخروج الى البحر لتحديد مواقع الضرر وحجمها. وكل دقيقة تأخير تؤدي الى تسرب النفط الى أعماق البحر والرمال، ما يوسّع دائرة البقع الملوَّثة.

وأكد حميدان وجود 15 ألف طن من النفط في المياه. وهي كارثة تفوق بأضعاف حجم الكارثة التي وقعت في العام 1989 في ولاية الاسكا الاميركية حين تعرضت الناقلة «ايكسون فالديز» لحادث تسبّب بتسرّب نحو 35 ألف طن من النفط الى المياه، وذلك لأن الشركة المسؤولة تصدت للمشكلة بسرعة وحاصرت بقع النفط وشفطتها. أما في لبنان فلا نزال غير قادرين على التحرّك والضرر الناجم يفوق الوصف. وهو ينتشر صعودا نحو سورية وبعدها اليونان وقبرص وجنوب تركيا وذلك بسبب الريح الآتية من الجهة الجنوبية. ولكن اذا بقيت المشكلة من دون علاج حتى الشتاء سيتبدّل مسار الريح لتأتي من الشمال وتنقل التلوث جنوبا نحو اسرائيل». وأبدى حميدان استغرابه للاعتداء الاسرائيلي على معمل الجيّة: «ما سبب ضرب المعمل وتلويث البحر فالضرر سيطولهم أيضا؟ أما اذا ارادوا قطع الكهرباء عن «حزب الله» فهذا يصبّ في مصلحة الحزب الذي يفضل الظلمة للتحرك». وكشف ان الجمعيات البيئية تحضر لاقامة دعوى على اسرائيل لتحميلها تبعات هذه الكارثة التي تقدر كلفة معالجتها بـ250 مليون دولار أميركي تشمل الاضرار التي لحقت بالسياحة والصيد. وهذه الكلفة مرشحة للارتفاع اذا لم نبدأ المعالجة. وفي موازاة ذلك شكلت الجمعيات البيئية فريق عمل يضم ممثلين لـ«شعاع البيئة»، «أمواج البيئة»، «نقابة الغواصين» و«بيبلوس ايكولوجيا» ينسق مع وزارة البيئة اللبنانية، فضلا عن السعي لدى «ريمبيك» (المركز الاقليمي للتدخل الطارئ ضد تلوث مياه المتوسط في مالطا) المفروض ان يهتم بمعالجة المشكلات الطارئة. وقد ابدى هذا المركز استعداده للمساعدة، لكن رفض ارسال خبراء الى لبنان في ظل الاحداث الراهنة. وتحدث حميدان عن أثر الكارثة على الثروة البحرية الحيوانية والنباتية التي «ستستمر 6 سنوات اذا باشرنا معالجتها»، وقال: «وصل النفط بفعل الامواج الى الرمال على الشاطئ مسببا تلوّثها. وهذا يفرض جمعها ورميها في مطامر خاصة غير متوافرة في لبنان. أما النفط الذي طاول الصخور فيستلزم اضافة مواد كيمائية لإزالته وحين يصل السائل الى المياه يجب شفطه من جديد. أما بقع النفط في المياه التي يجب ان تشفط عبر آلات خاصة، فإنها تنتشر اولا على السطح ثم تبدأ بالتسرب الى القعر، فتمنع في المرحلة الاولى وصول الأوكسيجين الى الحيوانات البحرية فتموت. ثم في مرحلة ثانية، ستموت بيوض الاسماك التي تكون في القعر. أما السلاحف البحرية، وهذا موسم تكاثرها، فانها تضع بيوضها على الشاطئ وتتركها لتغوص الى القعر. ولكن السلاحف الصغيرة لن تستطيع الانتقال الى العمق بسبب الحاجز النفطي على سطح المياه، وإن تمكنت من تجاوزه فستعلق عليها آثاره التي لا تزيلها المياه. فتصاب بالتلوث وتموت». وحذّر حميدان من ترك الوضع على حاله من دون معالجة لأن الطبيعة غير قادرة وحدها على ازالة الضرر واعادة توازن نظامها، لافتا الى ان عمليات التنظيف ستؤدي ايضا الى تلوّث لأنها تفرض استعمال ادوية كيميائية للحرق أو لازالة النفط المتجمد على الصخور. واشار الى ان الاردن، الكويت، فرنسا والاتحاد الاوروبي وعدت بالمساعدة، آملا في الاستفادة من خبرة الكويت بما انها عانت مشكلات مماثلة في حرب الخليج الثانية.