السعودية تجدد دعمها الكامل للحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية

د. مدني: السياسات الإسرائيلية تقود إلى التطرف وعدم الاستقرار يؤدي إلى انهيار الأمن الاجتماعي

TT

جددت السعودية دعمها الكامل للحكومة اللبنانية وتأييدها لجهودها للحفاظ على مصالح لبنان وصون سيادته واستقلاله وبسط سلطتها على كامل التراب الوطنى، كما أكدت مساندتها الكاملة للسلطة الوطنية الفلسطينية وجهودها الرامية الى السيطرة على الموقف المتأزم في الاراضي المحتلة بفعل الممارسات الاسرائيلية وسعيها الى وحدة القرار الوطني الفلسطيني.

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الدكتور نزار مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية رئيس الوفد السعودي الى اجتماع مؤتمر القمة الاسلامية العاشرة الطارئ للجنة التنفيذية على مستوى رؤساء الدول والحكومات، الذي بدأ أمس في العاصمة الماليزية كوالالمبور.

وأكد الدكتور مدني أن بلاده لا تزال تتابع بقلق بالغ واستنكار شديد الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية على لبنان والاراضي الفلسطينية، والتي وصفها بأنها «حرب شاملة تستهدف التدمير المتعمد للبنى التحتية وانتهاك الحقوق الانسانية والوطنية واستهداف المدنيين والأبرياء بالاغتيال والاعتقال والتنكيل دونما اعتبار للعهود والمواثيق الدولية والاعتبارات الانسانية». وأوضح أن السعودية تحذر المجتمع الدولي من خطورة الوضع في المنطقة وانزلاقه نحو أجواء حرب ودائرة عنف جديدة من الصعب التنبؤ بنتائجها، خاصة في ظل التراخي الدولي في التعاطي مع السياسات الاسرائيلية العدوانية، مؤكدا دعم بلاده للحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، «وذلك انطلاقا من الموقف الثابت للمملكة في دعم السلطات الشرعية الوطنية في كل من لبنان وفلسطين المحتلة حرصا منها على العمل العربي المشترك».

وأوضح الوزير السعودي أن السياسات الاسرائيلية قادت إلى التطرف وتفاقم عدم الاستقرار وانهيار الأمن الاجتماعي، وأن الدول الفاعلة في النظام الدولي مسؤولة قانونيا واخلاقيا عن حماية الشعب اللبناني ومطالبة بالتحرك السريع لوضع حد للحرب الاسرائيلية المدمرة على لبنان وإنهاء الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية.

وشدد على أن السعودية تحذر مرة أخرى «من خطورة انزلاق منطقة الشرق الأوسط نحو أجواء حرب تقوض فرص السلام وتفتح الباب أمام دائرة جديدة من العنف والتوتر لا يعرف أحد مداها»، مبينا أن هدف الجميع «العمل من أجل تحقيق الاستقرار والسلام العادل والشامل في المنطقة، و«ألا نسمح بأن يكون ما يجري في لبنان تنفيذا لأجندة لا تخدم مصالح الأمتين العربية الإسلامية». واضاف الدكتور نزار مدني أن السعودية سوف تواصل جهودها واتصالاتها مع الدول العربية والقوى الدولية المؤثرة لإيجاد مخرج لهذا الوضع يجنب اللبنانيين والفلسطينيين المزيد من الخسائر المادية والبشرية، مؤكدا أهمية بلورة موقف دولي موحد يقوي من الشرعية الدولية لمواجهة «قوى الشر» الساعية إلى تدمير الأمن والسلم الدوليين.

وشدد مدني على أن المملكة العربية السعودية تؤمن بحق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في مقاومة هذا الاحتلال بجميع أشكاله ورفض إجراءاته غير الشرعية الرامية إلى طمس الهوية وتغيير الوقائع على الارض.

واوضح الدكتور المدني أن ما يبعث الألم في النفس «استهداف القوات الاسرائيلية للمدنيين من النساء والاطفال والشيوخ الابرياء بالقصف المباشر لملاجئهم». وقال «إن التحريض على قتل المدنيين يخالف ما قررته القوانين والاتفاقات الدولية؛ ومنها الإعلان العالمي لحقوق الانسان واتفاقية جنيف الرابعة واللذان يمنعان الاعتداءات على المدنيين».

وأضاف «أن الدعوة الى قتل المدنيين الابرياء تشيع الكراهية والرعب بين الناس، وتشجع على تنفيذ أعمال الارهاب المقيتة ضد المدنيين العزل».

وعن المجزرة الأخيرة التي ارتكبتها إسرائيل في قانا وتعمد القوات الاسرائيلية قتل الاطفال والنساء والشيوخ في فلسطين ولبنان، أوضح أنها «ما هي إلا تنفيذ لتعليمات رسمية صادرة عن السلطات الاسرائيلية تهدف الى إشاعة الرعب والخوف في نفوس اللبنانيين والفلسطينيين لإجبارهم على النزوح من جنوب لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة».

وأوضح أن السعودية تحركت على كافة الاصعدة للتصدي للوضع المأساوي الراهن، فعلى الصعيد الانسانى وجدت أن الوضع الانساني في لبنان وفلسطين مقلق وكارثي في آن واحد، خصوصا وضع السكان المحتجزين في منازلهم وفي مدارس الجنوب ومستشفياته الذي يتركز عليه القصف الاسرائيلي منذ انطلاق العمليات العسكرية وفقدان المواد الغذائية والأدوية وتوقف الامدادات. وقال «لهذا، فإن المأساة الانسانية في لبنان وفلسطين تتطلب دعما سخيا من كل عربي وكل مسلم وكل إنسان شريف»، مبينا أن من هذا المنطلق، فإن خادم الحرمين الشريفين حرص على أن تكون بلاده أول المساهمين في جهود إعادة الحياة إلى طبيعتها في لبنان وفلسطين، فوجه بتخصيص منحة مقدارها نصف مليار دولار للشعب اللبناني لتكون نواة صندوق عربي دولي لإعمار لبنان، وإيداع وديعة بمبلغ مليار دولار في المصرف اللبناني المركزي دعما لامكاناته ودعما للاقتصاد اللبناني، وايضا تخصيص منحة مقدارها 250 مليون دولار للشعب الفلسطيني لتكون بدورها نواة لصندوق عربي دولي لإعمار فلسطين، وتنظيم حملة تبرعات شعبية في جميع مناطق المملكة لجمع التبرعات لصالح الشعب اللبناني تحت عنوان «دائما معك يا لبنان» وإقامة مستشفى ميداني متحرك كبير بكامل تجهيزاته في بيروت لتقديم المعونة الطبية العلاجية للمحتاجين لها من المتضررين والمساعدة على تخفيف آلام الجرحى والمصابين، وتخصيص 50 مليون دولار للهيئة العليا للإغاثة للمساهمة العاجلة في أعمال الاغاثة للشعب اللبناني.

وعلى الصعيد الاقتصادي، قال نزار مدني «إننا نأمل أن يكون لقرار المملكة إيداع مبلغ مليار دولار المصرف اللبناني المركزى مفعول ايجابي على الاستقرار النقدي في لبنان ويرفع من سيولة وموجودات البنك المركزي بالعملة الاجنبية ويخدم هدف مصرف لبنان عبر الحفاظ على استقرار سعر الصرف وعلى القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، وأن يكون له مفعول ايجابي على ميزان المدفوعات».

وعلى الصعيد السياسي، أشار إلى أن السعودية قرنت دعمها الانساني والاقتصادي للبنان بخطوات عملية، وجاءت المبادرة السعودية في سياق تحرك دبلوماسي واسع قامت به المملكة دعما للبنان من أجل وقف الحرب والدمار الذي يتعرض له.

ونوه مدني بالعلاقات الوثيقة التي تربط السعودية بلبنان منذ استقلاله مرورا باتفاق الطائف، والتي وصفها بـ«المحطة المشرقة في تاريخ العلاقات بين البلدين» الذي أوقف الحرب ومهد لانطلاق مسيرة إعادة بناء لبنان، مؤكدا أن موقف المملكة من الاحداث الراهنة سوف يشكل منعطفا جديدا في علاقات الأخوة بين البلدين ويعزز صمود الشعب اللبناني بكل فئاته وقواه وطوائفه في وجه العدوان الاسرائيلي الغاشم، وسيمنع انهيار اقتصاد لبنان وسيشد من أزر الحكومة اللبنانية. وقال «نأمل أن يجد الجميع في موقف خادم الحرمين الشريفين الواضح والحاسم نبراسا يهتدى به، فلبنان في حاجة الى موقف صارم ينهي الحرب الهمجية عليه وعلى الانسان فيه، وأن المملكة تتوجه إلى المجتمع الدولي وتناشد الجميع أن يتحركوا وفقا لما يمليه عليهم الضمير الحي والشرائع الاخلاقية والانسانية والدولية، وتحذر الجميع من أنه «إذا سقط خيار السلام نتيجة للغطرسة الاسرائيلية فلن يبقى سوى خيار الحرب».

وشدد على مطالبة السعودية المجتمع الدولي والدول الفاعلة في النظام الدولي بـ«الاضطلاع بمسؤولياتها الاخلاقية والانسانية والقانونية في التدخل الحازم والعاجل لوقف العدوان وحماية الشعب اللبناني وبنيته التحتية، والزام إسرائيل بالخضوع لاستحقاقات السلام العادل والانصياع للإرادة الدولية وقراراتها ذات الصلة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي، خاصة أن العرب اختاروا طريق السلام وأكدوا ذلك من خلال المبادرة العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي تم إقرارها في قمة بيروت لعام 2002.

وأوضح أن بلاده تؤمن بأن ردود الفعل الدولية المتراخية للمجتمع الدولي وتغاضيه عن الجرائم الاسرائيلية والتأييد المطلق للسياسات الاسرائيلية أدى إلى «إعاقة تطبيق قرارات الشرعية الدولية»، داعيا الدول التي أخذت على عاتقها بناء نظام دولي جديد للعلاقات الدولية في القرن الواحد والعشرين «أن تتحمل مسؤلياتها حيال ما يجري في لبنان وفلسطين تحت أنظارها» ووضع الأمور في نصابها الصحيح وعدم الكيل بمكيالين وعدم تبني معايير مزدوجة لأسباب واعتبارات سياسية بعيدة عن قيمها الاخلاقية. وقال الوزير مدني «بالرغم من أن العلاقات الدولية تمر اليوم بظواهر سلبية خطيرة بسبب سيادة مفهوم القوة وتغليبه على القانون والأعراف والقيم الانسانية والبعد عن قواعد العدل والانصاف واعتماد نهج الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة في المواقف السياسية، الا أنه لا بد من العودة الى الشرعية الدولية ودور الامم المتحدة»، مبديا تطلع بلاده لأن يبدي مجلس الأمن الدولى في مناقشاته للوضع في لبنان مسؤولية كاملة، وأن ينطلق من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومن السعي لتكريس سلام عادل وشامل ووطيد في الشرق الأوسط، انطلاقا من الأخذ بالاعتبار لمواقف جميع الأطراف والاتفاقيات التي تم التوصل اليها.

ودعا وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي المجتمعين إلى الخروج بموقف عربى ـ إسلامى موحد وفعال تحت مظلة منظمة المؤتمر الاسلامي، مشيرا إلى أن ذلك يأتي انطلاقا من ادراك المملكة للمخاطر المحدقة بالمنطقة واستشعارا لمسؤوليتها، حيث تأمل السعودية أن يخرج الاجتماع لمواجهة التحديات التي تحيط بالأمة وإيجاد الآليات الكفيلة بتنفيذ مبادرة السلام العربية والخروج برؤية موحدة تصون مصالح الأمة وتحفظ لها حقوقها ودورها التاريخي ومكانتها الحضارية بين الأمم، موضحا أن بلاده تقترح أن تتولى اللجنة التنفيذية لمنظمة المؤتمر الإسلامي بلورة إطار للتحرك في المحافل الدولية ينسجم مع دورها في متابعة تنفيذ قرارات مؤتمرات القمة بالذات برنامج العمل العشري الذي تبنته قمة مكة الاستثنائية يعمل على دعم وحدة القرار الوطني في لبنان والحرص على شرعية الدولة اللبنانية ودعم سيطرة الدولة ومؤسساتها الوطنية الرسمية على كامل التراب اللبناني، وتحميل إسرائيل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والمادية الكاملة عن ما ترتكبه من «مجازر وجرائم حرب في حق الشعب اللبناني الشقيق ومؤسساته وبنيانه وكل مقومات معاشه وحياته»، وتوحيد المواقف العربية والاسلامية تجاه العدوان الاسرائيلي والجهات الداعمة له، والتواصل المستمر مع «الدول الصديقة» التي أدانت الانتهاكات الاسرائيلية في لبنان وتعمل جادة على إقرار وقف فوري للعمليات العسكرية، والتصدي للتوجه الآيديولوجي الذي يسعى الى «تفجير المنطقة وإذكاء أسباب الفرقة والانقسام داخل دولها كما هو حادث في العراق وفلسطين المحتلة وتجرى محاولة تنفيذه في لبنان أيضا» والوقوف بكل امكانات الدول الاسلامية السياسية والاقتصادية مع الشعب اللبناني ودعم وحدة القرار الفلسطيني واستقلاليته وفك الحصار المالي والاقتصادي والسياسي المفروض على مؤسساته الشرعية والوقوف مع الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

وبين الوزير أن بلاده لا ترغب في أن تصرف الاحداث في لبنان الانظار عن القضية الجوهرية في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وهي «قضية القدس الشريف». ولا أن تهمش الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان الصراع مع الفلسطينيين وما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا أن تضع الحملة العسكرية الغاشمة على لبنان إسرائيل في موقف يمكنها من فرض حدود الأمر الواقع في الأراضي العربية المحتلة، مشددا القول على أنه «ليس من المقبول أن يتقرر مصير الشعب الفلسطيني بنتيجة الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان والصراع بين القوى الاقليمية والدولية في المنطقة».