عائلة حسن نصر الله «البعلبكي» تروي قصة ليلة القبض عليه

زوجته قالت لـ «الشرق الأوسط» إنها شهدت أصعب لحظات رعب في حياتها

TT

سأل حسن نصر الله ابن الرابعة الكوماندوز الإسرائيلي: «هل تريد قتلنا»؟ فأجابه بلهجة فلسطينية: «إذا لم تصمت سنقتلكم كلكم».

حسن الصغير يحمل اسم جده المعتقل منذ ليلتين في أحد السجون الاسرائيلية مع ابنه بلال وزوج شقيقته أحمد العوطة بالاضافة الى زوج ابنته حسن البرجي وجاره محمد شكر. عملية الاعتقال استوجبت إنزالا جويا في جرود منطقة بعلبك في البقاع اللبناني وتسللا للكوماندوز الى حي العسيرة الوعر في أحد أطراف بعلبك. جريمة الجد تكمن في اسمه، فهو يدعى حسن نصر الله. وهذا الاسم أثار شهية القيادة الحربية الاسرائيلية الطامحة الى نصر مبين مهما كان الثمن.

تروي زوجة حسن نصر الله، زهرة المهاجر، لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل ليلة القبض على زوجها فتقول: «كنا في الملجأ. أنا وزوجي وأولادي وأزواجهم وأحفادي. ليس ملجأ بالمعنى الحقيقي للكلمة وانما غرفة تابعة للمنزل تحت الدرج جدرانها قوية. اجتمعنا فيها لنحتمي. كان القصف قد بدأ بعد تحليق مكثف للطيران الاسرائيلي. كل شيء كان يدل على الخطر. لكننا لم نفكر أبداً بإنزال. ولم نحسب أن لنا علاقة مباشرة بالأمر. سمعنا هدير مروحيات، ثم فوجئنا بحركة صاخبة في المنزل فوق رؤوسنا. تحطيم أثاث وزجاج وكلام باللغة العبرية. لبدنا (قبعنا) في مكاننا خوفا. بعد قليل اقتربوا منا حاملين بنادق مجهزة بأشعة ليزر. سلطوها علينا. تراجعوا قليلا وتحدثوا مع بعضهم البعض. رفعنا ايدينا في الهواء وقلنا لهم: نحن مدنيون. كنا نحاول أن نتجنب أذاهم بأي وسيلة ممكنة. أصواتهم مرعبة ووجوههم مموهة». تلتقط زهرة أنفاسها. تنظر حولها الى اقاربها في حديقة منزل شقيقة زوجها البعيد كيلومترين عن منزلها، حيث لجأ الجميع، وتضيف: «أحد المسلحين كان يتكلم بلهجة فلسطينية وثانٍ بعربية مكسَّرة والبقية يتحاورون بالعبرية. قال الفلسطيني اللهجة لزوجي: ارفع ثيابك. ثم سأله عن بطاقة هويته. وبدأوا يأخذون الرجال واحدا تلو الآخر. أمسكت بابني محمد (16 عاما) اريد أن اخفيه عن عيونهم. ناداه المسلح. قلت له: ماذا تريدون منه. لا يزال صغيرا. أطلق رصاصتين ثم أخذوه». تقول زهرة أن الاسرائيليين نسفوا بيتها، لكن قصفهم حوّل مبنى مواجها الى حفرة. تشكو من اللهب الساخن الذي اخترق آذانهم. قبيل مغادرتهم خلفوا مناشيرهم التي تتضمن تهديدا للسكان.

بعد إخراج الرجال عمد الكوماندوز الى إخراج النساء والاطفال من البيت. بداية قالوا لهم: «غادروا الحي نريد أن ننسف البيت. لكنهم أعادوهم وأرغموهم على الركوع فوق الردم ووجوههم في الارض. مرت لحظات رعب مخيفة، حاولت خلالها المجموعة ضبط الأطفال الخائفين بانتظار ان يقرر المسلحون خطوتهم التالية، التي كانت أمرا جديدا بالمغادرة. قالوا لهم: اذهبوا بعيدا واركضوا ولا تنظروا الى الخلف». تستعيد آسيا زوجة بلال نصر الله مشهد خروجها مع أطفالها وحماتها وشقيقة زوجها. تقول: «كان الظلام دامسا. حاولنا أن نركض فكنا نتعثر ونقع. الطريق استغرقت ضعفي الوقت اللازم لنصل الى منزل عمة زوجي. ونحاول في الوقت ذاته تحضير العبارات المناسبة لإخبارها أن زوجها بين ايدي الاسرائيليين. كنا نقع ونقف. ثم ننادي بعضنا البعض في الظلام. خفت ان أفقد ايا من الولدين».

حكاية النساء تنتهي لتبدأ حكاية محمد نصر الله، الذي رافق الكوماندوز والرجال الخمسة حتى طائرة الأباتشي. ثم تركوه ليخوض وحيدا تحت نيران قصف طائرات الاستطلاع مغامرة العودة الى القرية. يقول محمد: «قيدنا الاسرائيليون وبعد نسفهم منزلنا قادونا الى خارج البلدة حيث كانت تربض مروحياتهم. كانوا يدفعوننا ويرغموننا على السير عندما نبدي تعبنا. والدي (حسن نصر الله) قال لهم: القيود تحبس دمي وأنا مصاب بمرض السكري، فكوا وثاقي. لم يلبوا في المرة الأولى. جدد الطلب، فغيروا له الوثاق». ثم يهمس محمد قائلا: «لا أريد أن تسمع عمتي. لكن عمي أحمد (أحمد العوطة زوج العمة) قال لهم انه عجوز ولا يستطيع السير. ضربوه وأرغموه على الزحف فوق التراب». الكوماندوز اصطحب الرجال الستة الى جرد يبعد عن بعلبك حوالي خمسة كيلومترات، لكن عبر طرق ملتوية. استغرقت الرحلة نحو ثلاث ساعات. كانوا حوالي مائة جندي، كما يقول محمد، وبانتظارهم مروحيتان. ويضيف: «قبل الوصول الى المروحية، أمسكني أحد المسلحين، سألني عن اسمي. أجبت محمد فعلق متبرما: كلكم اسمكم محمد. ثم قال لي: إذا ارشدتنا الى المقاومة أعيدك الى والدتك. أجبته بأني لا أعرف احدا في المقاومة. لكنه عاد وهددني قائلا: اذا لم ترشدني الى المقاومة سأقتلك ووالدك. كررت الجواب الأول. حينها قال لي: امش ولا تنظر خلفك والا أطلقت عليك النار».

ومشى محمد من دون ان يجرؤ على النظر خلفه. لكن طائرات الاستطلاع كانت تحلق فوق رأسه وتطلق صواريخها. حاول الاحتماء بكوخ وجده الى جانب الطريق. طاوله القصف بحجر كبير متطاير اصابه في ظهره. غادره وحظي بحفرة في كوخ آخر. بقي هناك حتى طلع النهار. خرج من حفرته يتملكه خوف من تعقب الاسرائيليين له. وبقي يتلطى من مكان الى آخر حتى وصل الى بيت عمته.

عائلة نصر الله تعيش في الانتظار. يخفف وتيرة قلقها أن أحدا من رجالها المعتقلين لا ينتمي الى «حزب الله». يؤكد الجميع هذا الأمر. يقول مناف رعد وهو من الأقارب: نصر الله بعلبك ليسوا في الحزب ولا لزوم لنراجع مسؤوليه بشأنهم. نحن بدأنا تحركا، تولاه ابن شقيق حسن المقيم في بلجيكا، فاتصل بمنظمة الصليب الاحمر الدولي وزودها بصور للمخطوفين وطلب أن يصار الى الاتصال بالسلطات الاسرائيلية لتتمكن العائلة من الاطمئنان اليهم، متمنيا أن ينفع التحرك ويعود الرجال في أقرب وقت ممكن. آسيا نصر الله تمنت بدورها لو يُطلب الى اسرائيل عبر المنظمات الدولية، أن تظهر زوجها واقرباءه على شاشة التلفزيون، حتى تتأكد أنهم بخير.