مخاوف من أوبئة بسبب عزل المناطق المنكوبة.. والأمم المتحدة تدرس بدائل لنقل المساعدات

القصف الإسرائيلي دمر 145 جسرا و6800 وحدة سكنية وهدم 150 ألف متر مربع يوميا

TT

فيما اكدت مؤسسات انسانية لبنانية ان عدد المشردين اللبنانيين حتى الان بسبب القصف الاسرائيلي المتواصل منذ 3 أسابيع وصل الى نحو 800 الف شخص، دمر القصف الاسرائيلي حتى الآن 145 جسرا أساسيا وفرعيا و6800 وحدة سكنية في لبنان وفق أرقام أعلنتها الهيئة العليا للاغاثة (حكومية)، وذلك منذ بدئه في 12 يوليو (تموز) وحتى ليل أول من أمس. فقد دمر الطيران الاسرائيلي الجسور الرئيسية التي تربط جنوب لبنان ببيروت وتلك التي تقع بين العاصمة وشمال البلاد واخرها اربعة جسور رئيسية على الطريق السريع بين بيروت وطرابلس كبرى مدن شمال لبنان. كما سبق للمقاتلات الاسرائيلية ان دمرت جسرا رئيسيا هو الأعلى في لبنان ويقع على الطريق الدولية التي تربط بيروت بدمشق، اضافة الى عدد من الجسور الفرعية التي تربط المناطق اللبنانية الداخلية في ما بينها أو بالاراضي السورية.

ويبدو ان اسرائيل لم تكتف بارتكاب المجازر بحق المدنيين اللبنانيين وتدمير منازلهم وقراهم، ذلك انها مصرة على حصارها المفروض برا وبحرا وجوا، ما يمنع ايصال المساعدات الا في ما ندر ويجعل حياة الناجين من قصفها بعد النزوح، مسلسلا من البؤس والقهر. فالمحنة التي يعيشها اللبنانيون تولّد ازمات يومية تتوالى الواحدة تلو الاخرى. وهذه المرة ايضا يدفع الاطفال الفاتورة. فقد حذّر مساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية يان ايغلاند من خطر تفشي الاوبئة في لبنان. في المقابل، طمأن منسّق الشؤون اللوجستية في نقابة الاطباء اللبنانية الدكتور فادي عون الى ان الأمراض لا تزال تحت السيطرة بفضل جهد الاطباء الذين يتطوعون لمعاينة بين 200 و300 مهجّر يوميا. وقال لـ«الشرق الأوسط» ان «الحالات المرضية لا تزال محصورة ولا يمكن التحدّث عن انتشار وباء الا بعد ان ينتقل من مكان الى آخر ويصيب أعدادا كبيرة، وحتى اللحظة لم تتخط النسبة المسجلة 2 في المائة أو 3 في المائة». وتخوّف من وقوع «الكوارث حين ينفد النفط والوقود. وقتذاك، سيتعذّر على الاطباء التنقل وستصبح المستشفيات عاجزة عن تشغيل مولداتها مما يسبب العديد من الأزمات». وكشف عن وقوع بعض حالات التسمم، الاسهال، الجرب والقمل بسبب غياب البيئة الصحية السليمة في أماكن اقامة النازحين وهي تتلخص بالمياه غير النظيفة، الغذاء غير المتوازن، وعدم توافر مواد التنظيف. باختصار ان معاناة النازحين في لبنان تتضاعف ولا مساعدات الا في الافق، ذلك ان «الهيئة العليا للاغاثة» التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، لا تؤدي عملها على المستوى المطلوب. فقد أخذت صرخات المواطنين والمتطوعين من الشباب وبعض الجمعيات ترتفع. والجميع يناشدون الهيئة وضع خطة عمل لتنظيم توزيع المساعدات التي يبدو انها تصل الى لبنان بعد جهد ثم تختفي في «ثقب» ما. وقال عون ان المندوب الذي اوفدته النقابة «انسحب من مهمته لأنه ما من شفافية في عمل الهيئة فهم لا يسمحون بالوصول الى المعلومات التي يريدونها. كما انهم لا يقدمون المساعدات كما يفترض حتى لو تمكنوا من الوصول الى أماكن النازحين. فهناك عائلات تعيش في مستودع للسيارات لم تصل اليهم اي معونة. أيعقل انني أعرف بوجودهم في حين ان الهيئة لا تعرف؟». وتحدث مندوب النقابة في الهيئة الدكتور بيار شبيب الى «الشرق الاوسط» فقال انه توقف عن الذهاب الى الهيئة لان لا جدية في عملها، و«شعرت بأنني اضيع وقتي، فهناك افلاس في عملهم أي لا يؤدون واجباتهم رغم انهم يتمتعون بالامكانات. لذلك فضلت ان اعمل مع مكتب التيار الوطني الحر الذي يقدّم المساعدات للنازحين ضمن امكاناته المحدودة». وأشار الى تسجيل بعض حالات الاسهال والجرب الذي يتأتى من سوء التغذية وندرة المياه. كما لوحظت أنواع مختلفة من الحساسية اسبابها مجهولة. «لكننا استطعنا السيطرة على كل الحالات حتى اللحظة فيما يبقى خطر التفشي قائما لاننا نعالج النتائج من دون ان نسيطر على الاسباب، أي الاكتظاظ والبيئة الصحية وذلك لضعف امكاناتنا. في المبدأ، هذا واجب الهيئة وهي قادرة على تأديته».أما عن أمراض الحصبة، اليرقان، السعال الديكي وشلل الاطفال التي يُخشى انتشارها في صفوف الاطفال الذين يشكلون 30 في المائة من النازحين اي ما نسبته مئتا الف طفل فقال: «تتكفل بعض المؤسسات الخاصة بإجراء اللقاحات بدلا من وزارة الصحة». ويذكر في هذا السياق ان الصليب الاحمر اللبناني أطلق في عاصمة الجنوب صيدا حملة مجانية للتلقيح ضد شلل الاطفال. ولفت شبيب الى وجود اللقاحات لدى الوزارة «لكنها تحتاج الى كهرباء لتحفظ في ثلاجات. كما تتطلب تجنيد فريق عمل كبير من الاطباء والممرضين ليلقحوا الاطفال. لقد واجهنا ثلاث حالات من السعال الديكي وسيطرنا عليها بما توافر لدينا من لقاحات، لكن نخاف ان تنتشر بسرعة ونصبح عاجزين عن التصدي لها مما يسبب وفاة الاطفال».

وفى الضاحية الجنوبية أطل صباح جديد امس، ليجد سكانها ان المزيد من ابنيتها قد اصبح في خبر كان، بعد ست غارات ليلية استهدفت ابنية سكنية في احياء مختلفة من الضاحية، «يمكن بوضوح رؤية ما تفعله الطائرات الاسرائيلية... انها لعبة اتاري يقوم بها الطيارون كل ليلة». هكذا يقول حارس احد الابنية التي سقطت فجر امس في احد احياء حارة حريك، المنطقة الاكثر استهدافاً بالصواريخ الاسرائيلية، مشيراً الى انه غادر المنطقة ليلاً كعادته ليعود اليها صباحاً ويجد ان البناء الذي كان يحرسه اصبح ركاماً. ويشير بيده بغضب الى البناء الذي تتدلى من بعض شرفاته ثياب اطفال علقت على حبل ولم يأخذها سكانه معهم ويقول: «اترى هذا موقع لحزب الله حتى يقصفونه؟... انهم مجرمون... مجرمون». هذه الصورة ستتكرر اليوم على الارجح في موقع آخر من الضاحية. واذا طالت المعركة فمن غير المعروف ما الذي سيحصل، لأن هناك مؤشرات الى ازمة انسانية كبيرة في طريقها الى البروز بمجرد توقف الحرب، كما يؤكد نقيب المهندسين في بيروت سمير ضومط لـ«الشرق الأوسط» منبهاً الى ضرورة اعداد خطة طوارئ للضاحية «لأن عملية ازالة الركام وحدها تتطلب أربعة اشهر على اقل تقدير اذا توقفت الحرب اليوم»، ومشيراً الى ان وضع الضاحية يختلف عن وضع الارياف «فهناك يمكن اعادة بناء منزل ما خلال ستة اشهر، والسكن فيه خلال هذه المدة. لكن الضاحية هي عبارة عن مجمعات سكنية كبيرة وابنية ضخمة قد تحتاج الى تفجير للتمكن من ازالتها». وأوضح ضومط ان اسرائيل تقوم بتدمير منهجي، فهي تدمر يومياً ما يراوح بين 100 و150 الف متر مربع من البناء في لبنان، مؤكداً وفقاً لبنك المعلومات الموجود في نقابة المهندسين ان هناك ما يزيد على 4.5 مليون متر مربع من الدمار حتى الآن، حصة الضاحية وحدها منه اكثر من مليون متر مربع. وتحدث عن «اهداف تدميرية» لدى اسرائيل. ويشير ضومط ايضاً الى وجود مشكلة اخرى، هي الابنية المتصدعة التي لا تظهر في الصور الجوية، ذلك ان كل بناء مهدم يجاوره على الاقل بناء متصدع قد يكون غير قابل للسكن ويحتاج الى هدم واعادة بناء، معتبراً ان تكلفة ترميم بعض الابنية ستصل الى 75 في المائة من قيمة اعادة بنائها. وحذر من «اننا مقبلون على كوارث فعلية المخفي فيها اكثر من الظاهر»، مشيراً الى ان النقابة تعمل على اعداد ملف موثق لتظهر فيه للعالم كله حجم الدمار. وذكر ان نسخة أولية من هذا الملف اعطيت لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وشدد على ضرورة وضع خطة طوارئ مسبقة للمناطق المنكوبة «وإلا فإن الامور ستتجه نحو الاسوأ».

وحذرت وكالات دولية وتابعة للامم المتحدة من ان عمليات القصف الاسرائيلية التي استهدفت لبنان اول من امس قطعت «شريانا حيويا» لنقل المساعدات الانسانية ما يزيد من مخاطر انتشار الامراض في المناطق المعزولة. وحذرت وكالات الاغاثة من ان قطع الطريق اعاق الوصول الى مدن وقرى جنوبية في قلب منطقة النزاع، ما يزيد من مخاطر انتشار الامراض والاوبئة فيها بسبب انقطاع مياه الشرب والمياه النظيفة وسط حرارة الصيف. وقال بول شيرلوك الخبير الصحي في صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) في لبنان «ان الوضع بات يائسا. واذا استمر ذلك فسوف نشهد انتشار أوبئة». وتابع «نخشى انتشار الاسهال النزفي والكوليرا وغيرها من الاوبئة لكن ما نخشاه خصوصا هو الاسهال النزفي ولا سيما بالنسبة للاطفال ما دون الخامسة من العمر». وذكر المدير التنفيذي لبرنامج الاغذية العالمي جيمس موريس خلال زيارة الى سورية ان منظمته لم تتمكن من نقل مساعدات غذائية الا الى اقل من نصف الاشخاص الذين يحتاجون اليها في جنوب لبنان.

وتمكن موكب فقط من اصل ثلاثة مواكب للامم المتحدة تنقل مواد غذائية ومياه وتجهيزات طبية من الوصول الجمعة الى جزين في منتصف الطريق بين بيروت والحدود الاسرائيلية.

وفي هذه الاثناء كانت اليونيسيف تقوم بحملة تلقيح لعشرات الآلاف من الاطفال النازحين لمنع انتشار امراض كالشلل والحصبة، وقد باشرتها مع 18 الف طفل في محيط بيروت. وفي بروكسل اعلنت مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي بينيتا فيريرو فالدنر ان تدهور الظروف الصحية يجعل من الضروري «اكثر من أي وقت مضى» الوصول الى المناطق المنكوبة. وقالت في تصريح «تترتب على الطرفين مسؤولية فتح واحترام ممرات لامداد اللبنانيين المحتاجين بالمساعدة بشكل أمن». ولفتت المفوضية العليا للاجئين الى وجوب نقل المساعدات ايضا الى شمال لبنان. وقالت جنيفر باغونيس للصحافيين «نزح حوالى 800 الف شخص في لبنان وبصورة رئيسية الى الشمال وسيحتاجون الى مساعدة». ويقيم حوالى 130 ألفا من هؤلاء النازحين في ملاجئ عامة.

وانتقل 140 الفا من النازحين اللبنانيين الى سورية بحسب المفوضية، وقد سجلت حركة النزوح معدل خمسة الاف نازح في اليوم. وتدرس وكالات الامم المتحدة امكانات نقل المساعدات جوا وبحرا للتغلب على مشكلات الامداد. وتوجهت طائرة شحن عسكرية برتغالية من طراز «سي ـ 130» الى بيروت حاملة عشرة اطنان من المساعدات الدولية، وقالت برتيوم ان الرحلات ستستمر للايام الاربعة المقبلة. كذلك تم استئجار طائرة نقل صغيرة يونانية لنقل امدادات من الامم المتحدة من برينديسي في ايطاليا الى مرفأ صور جنوب لبنان مرورا بجزيرة قبرص.