انقلاب في حياة سفير دبلوماسي في الأمم المتحدة

سفير صربيا من حياة الترف والرفاهية إلى التقشف بعد أن رشح لتمثيل الجبل الأسود

TT

عندما كان نيوسا كالوجيروفيتش سفيرا لصربيا والجبل الاسود، في الامم المتحدة، كان يعمل من قصر يرتفع خمسة طوابق يطل على فيفث افينيو (واحد من اشهر شوارع نيويورك) سلالمه من الرخام وتنتشر في ردهاته الثريات الكريستال.

وهذه الايام، باعتباره سفيرا مرشحا للجبل الاسود المستقل في الامم المتحدة يبعث برسائله الدبلوماسية من حسابه للبريد الإلكتروني في غوغل Gmail من كومبيوتر «لاب توب» في غرفة ابنه المراهق.

وكان يشرف، من مكتبه المغطى بالأخشاب والنافذة المطلة على سنترال بارك، على طاقم يضم 18 موظفا، من بينهم السائق الخاص الذي كان ينقله الى الاجتماعات في سيارة كاديلاك زرقاء داكنة تحمل لوحة دبلوماسية.

اما الان فهو يذهب للاجتماعات في سيارة تاكسي، وعندما يصل يقدم نفسه ببطاقة مشطوب منها كلمة «وصربيا» في اشارة الى سفير الجبل الاسود وصربيا، وعليه رقم هاتف جوال مكتوب بالقلم بدلا من رقم السفارة القديم.

وبالرغم من ان كالوجيروفيتش البالغ من العمر 50 سنة هو المسؤول في مقر السفارة القديم فقد كان الشخص الوحيد القادم من الجبل الاخضر الذي يعمل هناك. ولذا في الايام السابقة على 28 يونيو الماضي، عندما اصبحت بلاده الدولة رقم 192 التي تنضم للامم المتحدة، جمع حاجاته الشخصية في عدة صناديق، وودع طاقم السفارة وبدأ عمله الجديد ـ او اعماله الجديدة كما يصف الامر. وأوضح كالوجيروفيتش «انا الرئيس والدبلوماسي والمحاسب والسكرتيرة. اود استنساخ نفسي. البعثة الدبلوماسية المكونة من شخص واحد ليست بالمهمة السهلة.

وتجدر الاشارة الى انه تم الاعتراف بالجبل الاسود، ذات التاريخ المضطرب الممتد لاكثر من الف سنة، دوليا في مؤتمر برلين عام 1878. وقد فقدت استقلالها بعد اربعة عقود عندما ضُمت الى صربيا بعد الحرب العالمية الاولى، ثم ظهرت مرة اخرى عام 1918 كواحدة من اقاليم مملكة الصرب وكرواتيا وسلوفينيا واعيد تسميتها يوغوسلافيا بعد 11 سنة.

وعندما انشقت 4 جمهوريات من الاتحاد في اوائل التسعينات اصبحت صربيا والجبل الاسود جمهورية يوغوسلافيا الفيدرالية ثم اصبحت فيما بعد صربيا والجبل الاسود عام 2003. وفي شهر مايو الماضي، صوت اكثر من 55 في المائة السكان بالانفصال ـ بنسبة محدودة ـ عن الاتحاد مع صربيا وظهرت دولة مستقلة جديدة.

وربما كان الانفصال مثل الطلاق السهل ولكنه كان طلاقا. فقد حصل الجبل الاسود على 13.5 من مساحة البلاد و5.88 من الودائع التي يمتلكونها بالاضافة الى لاعبين من الفريق القومي. الا ان الجبل الاسود لم يحصل على أي سفارة.

وهنا يأتي دور كالوجيروفيتش. فقد عينته حكومة الجبل الاسود في 8 يونيو الماضي مبعوثا خاصا لبلاده ومسؤولا عن تأسيس البعثة الجديدة. وفي الوقت الحالي فإن هاتف البعثة الوحيدة هو الهاتف الجوال الذي يحمله حول رقبته. وهي مهمة شاقة، ولكنها ليست اصعب من تمثيله دولة يتمنى ان تختفي.

ويوضح ذلك بقوله «يعلم الجميع انني كنت من المؤيدين لاستقلال الجبل الاسود. ولكن كان علي التصرف كسفير لصربيا والجبل الاسود، سواء اعجبني ذلك او لم يعجبني. وكانت هناك لحظات لم يعجبني الامر».

فقد واجه، كسفير لصربيا والجبل الاسود مجلس الأمن في قضيتين شائكتين تتعلقان بصربيا احتمال استقلال اقليم كوسوفو الصربي وجرائم الحرب ضد المسؤولين الصرب في لاهاي.

واصبح كالوجيروفيتش دبلوماسيا بالصدفة. فقد كان عازف كمان وبرع في الرسم ايضا. لم يكن يتخيل انه سيشغل موقع مسؤولية في الحكومة، ولكن بسبب خطأ إداري لم يبلغ بأنه قبل في الجامعة لدراسة المعمار، لذا درس القانون في جامعة بلغراد. التحق للعمل بوزارة الخارجية اليوغوسلافية عام 1980 بعد تخرجه حديثا من كلية القانون وكان مفعما بأمل كبير في مستقبل ديمقراطي لبلده. ولكن بعد مرور 12 عاما ظهر واقع لا يبعث على التفاؤل او الأمل. ويقول كالوجيروفيتش انه لم يكن يستطيع العمل مع ميلوشيفيتش، فالوضع كان فظيعا، على حد وصفه، وتوصل الى خلاصة مفادها ان لا مستقبل للبلد. ترك كالوجيروفيتش وزارة الخارجية وانتقل الى روسيا للعمل في شركة للهندسة المدنية، ولم يفكر مطلقا في العودة للعمل في السلك الدبلوماسي، لكنه بعد ست سنوات في المنفى الاختياري (مع سنة في سيبيريا) وعقب خروج ميلوشيفيتش من السلطة طلب منه صديقه وزميله والرئيس الحالي لجمهورية الجبل الأسود فيليب فويانوفيتش العودة الى البلاد. وفي يونيو (حزيران) وقف كالوجيروفيتش خارج الامم المتحدة عندما كان علم جمهورية الجبل الاسود يرفرف عاليا، ووصف هذا المنظر بأنه حلم ظل يراوده طوال سنوات اقامته في روسيا، لكنه لم يتخيل مطلقا انه سيكون جزءا منه. بوصفه اول سفير لجمهورية الجبل الأسود في الامم المتحدة يعتزم كالوجيروفيتش العمل في قضايا ذات اهمية بالنسبة لبلاده مثل التنمية المستدامة. وقال ان بلاده التي تتميز بالتعدد العرقي والثقافي واللغوي ويبلغ تعداد سكانها حوالي 650000 نسمة، والتي كانت تعيش في سلام في وقت كانت الحرب تمزق جيرانها خلال عقد التسعينات، يمكن ان تساهم في هدف الامم المتحدة المتمثل في ترقية حقوق الإنسان وحكم القانون. ولكن حتى الشهر المقبل، الى حين بدء بعثته العمل بصورة كاملة، تتركز اجندته على الديكور والفراغ من تجهيز مقر البعثة اكثر من تركيزها على الدبلوماسية. إذ ينبغي عليه اولا العثور على مكتب وشراء اجهزة كومبيوتر وملء الأرفف بالأدوات المكتبية، الى جانب بعض الأعمال والمهام اليومية الاخرى. يقول كالوجيروفيتش انه لا يمكن ان يشعر بسعادة اكثر مما هو فيه الآن، فهناك العديد من الأعمال اليومية الواجبة التنفيذ، ويؤكد قائلا انه سيفعل كل شيء للبلد الذي ولد ونشأ فيه وعمل على حصوله على الاستقلال على مدى 15 عاما.