البعض يحضر نفسه للأسوأ وآخرون يختلفون على مفهوم الانتصار

قرار مجلس الأمن بوقف الحرب في لبنان:

TT

سهر اللبنانيون مساء اول من أمس مترقبين صدور القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن والمتعلق بالحرب على لبنان. وكانت الساعات الخمس الفاصلة بين الاعلان عن قرب الوصول الى اتفاق ولحظة صدور القرار الأكثر سخونة. ولم يوفر اللبنانيون وسيلة لمحاولة فهم أبعاد القرار، مركزين في الدرجة الاولى على بند وقف النار الفوري في حين لم يتوقفوا كثيرا حيال بقية البنود بالدرجة ذاتها، كما لم يكتفوا بما تبثه وسائل الاعلام بل راحوا يبحثون عن معلومات من مصادر أخرى، كل حسب امكاناته وعلاقاته، حتى وصل الامر ببعضهم الى فتح خط الاتصالات باتجاه موظفي الأمم المتحدة في لبنان، على أمل الحصول منهم على ما يشفي غليلهم ويطمئن قلوبهم. وقفز البعض قفزة نوعية باتجاه نيويورك فنشطت الرسائل الإلكترونية والهاتفية بين اعضاء البعثة الدبلوماسية اللبنانية في الأمم المتحدة واهلهم واصدقائهم. كذلك نال الموظفون في سفارات الدول الكبرى حصة من هذه الاتصالات. وتحول الصحافيون ايضا الى مصدر أمان لا يستهان به. فبدأ التحليل والاجتهاد واستباق الامور بين تشاؤم وتفاؤل بانتظار الكلمة الفصل.

إلا أن أجواء النازحين كانت تعكس المشهد الواقعي لهذا الترقب، علّ ما يأتي من وراء البحار ينهي معاناتهم. فقد كان البعض يردد السؤال ذاته كل لحظة. «إذا اتفقوا اليوم، هل يمكننا أن نعود غدا أو بعد غد؟»، ليرتفع منسوب الحماسة أو يغلب الاحباط مع رصد الشريط الاخباري في أسفل الشاشات الصغيرة بفعل تعاقب التصريحات المتناقضة، وتحديدا من الجانب الاسرائيلي. ففي حين صدر خبر عن امكانية قبول الحكومة الاسرائيلية بالقرار، جاء خبر ثان يتحدث عن توسيع العمليات البرية في الجنوب اللبناني. ومع إعلان الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا عن اجماع محتمل في مجلس الامن جاء خبر قصف طائرات الاستطلاع الاسرائيلية موكب النازحين من مرجعيون ليكرس منظومة الرعب. ودفع التفاؤل عدد من النساء الى تحدي الظلمة والمباشرة بترتيب الأكياس والحقائب استعدادا للعودة، ليطلع الصباح على مزيد من القصف للطرق الجنوبية ويغتال إمكانية العودة السريعة.

أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت كانوا في موقع لا يحسدون عليه، فبنود القرار بدت كأنها محصورة بالجنوب اللبناني، وكأن ما حلّ بمنطقتهم هو خارج المفاوضات.

زهرة من حارة حريك لم تبد أي ردة فعل وسط التعليقات المنهالة من نازحي الجنوب، والسبب أن وقف النار أو عدمه لن يقدم أو يؤخر من كونها خسرت كل شيء. وعادت الى نقطة الصفر مع ثلاثة أولاد لا يملكون حتى الثياب. مخاوفها تجاوزت حدود السياسة لتسأل: «المدارس على الابواب. مذا نفعل وأين نذهب؟ أهالي هذه المنطقة لن يسمحوا لنا بالبقاء بعد انتهاء الحرب وبدء العام الدراسي». باختصار كان المشهد الليلي في مختلف المناطق اللبنانية ينقل الاحساس بالسباق بين الخلاص والمزيد من المجازر والموت. وبقي السباق على حاله نهار أمس مع مواصلة إسرائيل عملياتها الحربية، وكأن القرار الدولي في مكان وقرارها في مكان آخر. أما الخوف من مرحلة ما بعد الحرب فكان أكبر، لاسيما لجهة إبلاغ المصابين بمصير أهلهم وأقاربهم. بسام ناصر هو أحد هؤلاء الخائفين، فقد قتل القصف على بلدة الغازية في جنوب لبنان زوج شقيقته باسمة بدران وأولادها الاربعة، بينما نجت «شقيقته» وحدها بأعجوبة رغم اصاباتها البالغة، وكانت قد شاهدت زوجها جثة هامدة، لكنها لم تعرف أكثر من هذا. حالتها لا تسمح بإبلاغها بقية المأساة. ناصر خرج بعد زيارة شقيقته في المستشفى، وقال: «جسدها ملفوف بأوراق الالومنيوم وهي تئن من الألم، لا نستطيع محادثتها الا من خلال كوة زجاجية، سألتني عن أولادها، كذبت وقلت لها إنهم بخير، لا أعرف كيف يمكنها تلقيّ هذه الفاجعة». حالة باسمة يمكن تعميمها على عدد كبير من اللبنانيين. وانتهاء القتال سيلغي مفعول الكتمان القسري، وسيضطر الجميع الى مواجهة الصدمة المؤجلة. استحالة العودة الى المنزل هي أيضا استحقاق من استحقاقات مرحلة ما بعد القرار. فالنازحون الذين تركوا خلفهم كل ما جنوه خلال عمرهم، لا يعرفون ماذا ينتظرهم. قال حسين من احدى قرى صور، انه خائف من العودة ويحضر نفسه للأسوأ. ربما لن يجد المنزل الذي انتهى بالكاد من بنائه على أن يفرشه ويتزوج به بعد أشهر. تحاول والدته التخفيف عنه فتقول: «المهم أننا بخير ولم نصب بأذى. الرزق يمكن تعويضه أما الارواح فهي الخسارة الحقيقية».

بعض النازحين علموا أن منازلهم صارت ركاما وهم ينتظرون التعويض. لذا بحثوا في ثنايا القرار الدولي عن المساعدات والدعم، وتمنوا أن يلزم القرار الدول المانحة إعادة الاعمار.

لكن الهموم المعيشية لم تكن وحدها سيدة الموقف، فالبعض وعلى رغم خسارته كان يبحث عن تحقيق انتصارات وان صغيرة، لذا اهتم أكثر بمتابعة أخبار المقاومة واحصاء عدد دبابات الميركافا التي دمرتها. محمد بدا أكثر حكمة من رفاقه الشباب. سأل: «هل سيمنع القرار اسرائيل من انتهاك مجالنا الجوي؟ اذا حصل هذا الامر نكون قد انتصرنا». الا أن هناك من حافظ على تشاؤمه ليؤكد أن القرار ليس أكثر من هدنة موقتة. ويسأل: «ما الذي تغير ليحل السلام في لبنان؟ اسرائيل لا تزال دولة مغتصبة ومعتدية. واللبنانيون لا يزالون منقسمين بشأن الحق في المقاومة أو القبول بحلول دبلوماسية. وما نشهده حاليا من مظاهر وفاق وتعاون واتحاد وطني سينتهي بعد زوال الضغط، لنعود الى الاختلاف والتوتر».

ولم يؤثر القرار على قرار آخر اتخذه كثيرون من اللبنانيين وهو الهجرة نهائيا، معتبرين أن لبنان لن يعرف الاستقرار والراحة ولا يمكن بناء المستقبل فيه.

قضية الانتصار خضعت بدورها لبورصة الاهواء والمعتقدات السياسية والحزبية، ففي حين اعتبر البعض أن الموقف اللبناني الموحد هو السبب الرئيسي للوصول الى قرار دولي، أصر البعض الآخر على أن القرار هو نتيجة حتمية لصمود المقاومة ودحرها الآلة العسكرية الاسرائيلية العملاقة. ما دفع بأحد النازحين الى سؤاله: «هل استطاعت المقاومة أن تحمي اللبنانيين؟»، ليعقب من دون انتظار للجواب فيقول: «ربما صمدت المقاومة لكن انتصارها لم يصل الينا. نحن مهزومون في أرواحنا وأرزاقنا واقتصادنا. وعلى المقاومة أن تعوض ما يمكن من خسائر على جميع اللبنانيين وليس فقط على المؤيدين لها».