«حزب الله» يبدأ إعادة بناء دولته بأموال إيران .. والسكان ينتظرون منه التعويضات والمساعدات

مصدر مطلع: الحزب تلقى 150 مليون دولار من طهران ويخطط لإنفاقها خلال الأيام المقبلة

TT

كانت طريقة سير ابو شاكر ـ الذي يرتدي ملابس عسكرية ـ خفيفة بالنسبة لشخص يضع حذاء عسكريا. وكان يبتسم عبر ذقنه المصبوغة بالأحمر، عندما كان العائدون يلوحون ويصيحون بالتحيات، وهو يوجه الجرافة خلال تنظيف شوارع هذه البلدة الجنوبية المليئة بالقمامة من شهر طويل من الغارات الجوية والقصف.

وطوال 34 يوما كان ابو شاكر مقاتلا في «حزب الله». وبحلول الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الثلاثاء تولى ادارة عمليات الاغاثة.

وأكد خلال عمل الجرافة في الشارع «سنستمر في العمل الى ان يتم فتح جميع الشوارع في البلدة».

ونظر حوله في البلدة، حيث كان كل مبنى، تقريبا، قد تعرض للاضرار، وقال «كل ما يحتاجه الناس، سننفذه لهم».

وبعد يوم من توقف اطلاق النار في لبنان، بدأ «حزب الله» جبهة اخرى في صراعه: اعادة بناء دولته داخل الدولة في الضواحي الفقيرة في جنوب بيروت والقرى المدمرة في جنوب لبنان ووادي البقاع.

وانتشر مئات من المتطوعين عبر البلاد، وفي الخيام كان عدد المتطوعين يزيد على السكان. وقد بدأوا، تنفيذا لأوامر حسن نصر الله الامين العام للحزب، في عملية ازالة الانقاض، وسحب الجثث من المباني المنهارة وتسجيل الاضرار التي لحقت بكل منزل، وضمان وصول شاحنات الطعام والمياه والإعداد لتقديم عشرات الملايين من الدولارات تعويضات.

وقال حسين كلاش المقاتل في حركة «امل» في الخيام «ننتظر من حزب الله معالجة كل هذا الدمار. ذكر السيد حسن انه سيعوض الناس، وننتظر تحقيق وعوده».

وأضاف «لقد شاركنا في الحرب. والآن يجب عليهم دفع ثمن السلام».

والمهمة التي تواجه «حزب الله» ليست مجرد عملية اعادة تعمير، ولكنها يمكن ان تحدد مصير لبنان ما بعد الحرب. فأوامر نصر الله ببداية عملية اعادة التعمير ـ بدون تنسيق مع الحكومة او موافقتها ـ تمثل واحدة من اكبر الاختبارات بالنسبة لحكومة لبنان الضعيفة، والتي تعهدت بعد الحرب بممارسة سلطتها حتى الحدود الاسرائيلية. وفي خلال يوم واحد اصبح السؤال: هل يمكن للدولة اللبنانية و«حزب الله» المشاركة في ممارسة السلطة في لبنان؟

ويتسم نشطاء «حزب الله» هنا بالاحترام، فقد ذكروا انهم يدعمون دور الحكومة. الا ان بعض السكان، تحدثوا بطريقة صريحة، تعكس التأييد الشعبي الذي يتمتع به «حزب الله» ـ كراع لشؤون الناس اكثر منه كمليشيا.

وقال مهدي عواضة، وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، «السيد حسن سيساعدنا قبل ان يساعدنا البلد».

وخلال حديثه خرجت ام حسين من منزلها المدمر المكون من اربعة طوابق والمقام من الحجر الزهري. كان الاثاث مدمر. وقالت ام حسين وهي ام لثلاثة اولاد في الواحدة والستين من عمرها «تعمل وتعمل وتعمل طوال حياتك، وفي النهاية لا يوجد شيء. اليس ذلك يدعو للشفقة؟» ومرت السيارات، بعضها يرفع اعلام «حزب الله»، وابتسمت قائلة «هذه هي تضحيتي».

وهز الشباب الذين كانوا يقفون حولها رؤوسهم «الله يحمي السيد حسن» وحدد نصر الله في خطابه يوم الاثنين عملية اعادة التعمير. وسيبدأ ناشطو الحزب على الفور في اصلاح وإزالة الحطام من المنازل التي لحقت بها الاضرار مثل بنت جبيل وعيترون والخيام. وبالنسبة للأسر التي دمرت منازلها، والتي يقدر البعض عددها بـ 15 الف منزل، سيقدم «حزب الله» لهم الاموال لاستئجار منزل اخر لمدة عام بالإضافة الى مبالغ اخرى لشراء الاثاث. وذكر مصدر مطلع ان الحزب ينوي انفاق 150 مليون دولار، قدمتها ايران في الايام القليلة الماضية.

وقال نصر الله «لن نضطر لطلب المساعدة من أي شخص، ولن نقف في طوابير او نذهب لأي مكان. بالطبع، لا يمكننا انتظار اوامر الدولة والمعدات التي تستخدمها، فقد يستغرق ذلك بعض الوقت».

وفي ضواحي بيروت، ازالت 6 جرافات الحطام، وفي واحد من هذه الطرق كان هناك حطام عمارة من 9 طوابق، امام لافتة جديدة عليها عبارة «مصنوع في الولايات المتحدة،» بينما كانت الاعلام اللبنانية موضوعة على اكوام حطام اخرى. وسار السكان في المناطق المدمرة، البعض يلتقط الصور، والبعض الاخر يسير وحول رقبته اعلام الحزب.

ومن بين هؤلاء كانت ليلى عطوي وهي في السادسة والعشرين من عمرها متزوجة حديثا. وقالت ان «حزب الله» هو الوحيد الذي سيساعد، مشيرة الى المصداقية العميقة التي يتمتع بها الحزب بين الشيعة. وأضافت «اين الحكومة؟ هل ترى أي شخص من الدولة هنا؟ السيد حسن هو دولتنا».

وأوضحت «هذه الحرب لم تنته بعد، ولكننا لا نخاف. السيد حسن سيحمينا وأي حرب اخرى ستزيدنا قوة. انظر الينا الان نحن اشد قوة مما كنا عليه قبل شهور».

وقد بدأ العمل في الخيام صباحا، وناشطو الحزب يتجولون في البلدة يقودون الدراجات الهوائية والبخارية وسيارات البيك اب والشاحنات وسيارات الركوب، بعضها من احدث الموديلات. وبدأت الجرافات في دفع الحجارة الى جانب الطريق. جلب «حزب الله» اول دفعات من المساعدات وهي عبارة عن شاحنات تحمل حاويات للمياه وشاحنات اخرى تحمل كميات من الخبز والخوخ والساردين والجبن. على مسافة لا تبعد كثيرا يوجد مكتب ابو جاسم، وهو من الناشطين المعروفين في «حزب الله». كان يرتدي بنطلونا كاكي اللون ويحمل جهاز اتصال لاسلكي. قال ابو جاسم إن لجنة من الحزب مكونة من عشرة اشخاص بعضهم مهندسون بدأت عملها في إجراء مسح على المباني التي تعرضت لأضرار في المنطقة. ويجري الفريق توثيقا للعمل بالصور الفوتوغرافية والاستمارات. ويتوقع ابو جاسم ان تفرغ اللجنة من أعمالها الاسبوع المقبل «على اكثر تقدير». وستحدد اللجنة المنازل التي ستجرى لها عمليات صيانة وتلك التي تعرضت للدمار الكامل ليبدأ بعد ذلك العمل فورا. وقال ايضا ان هناك لجنة اخرى تعمل في مجال المياه والكهرباء والبنيات التحتية الاخرى. يقول ناشط آخر في «حزب الله» يدعى ابو جعفر: «لدى الحزب أموال كثيرة، وإلا كيف هزم اسرائيل؟ لا يمكن شراء السلاح بدون مال».

ويتوقع ابو جعفر ان يستغرق العمل فترة تتراوح بين عامين وثلاثة اعوام، وأضاف معلقا: «إذا قلنا اننا سنستطيع انجاز هذا العمل في وقت أقل من عامين او ثلاثة، فإن الناس سيضحكون علينا».

معروف عن «حزب الله» داخل لبنان كواحد من اكثر التنظيمات كفاءة، بل تفوق إمكانياته الإمكانيات الضئيلة للحكومة في بعض المناطق الفقيرة مثل الجنوب. فخلال عقد السبعينات لم تكن في بعض القرى هنا طرق او مستشفيات او مدارس. طرح «حزب الله» نفسه في ذلك الوضع كمنظمة او كيان اجتماعي يتميز بالابتعاد عن الفساد والمقدرة على تعبئة مؤيديه ونجاحه في الوفاء بوعوده. عقب الحملة الاسرائيلية الاخيرة عام 1996 قال «حزب الله» انه اجرى صيانة لـ5000 منزل في لبنان وإعادة بناء طرق وقدم تعويضات لـ2300 مزارع. وعقب انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 رش ناشطوه المناطق الزراعية في 35 قرية بالمبيدات وأرسلوا أطباء بيطريين للكشف على المواشي في هذه المناطق. يمكن القول ان ثمة تصورات متباينة تجاه «حزب الله»، إذ معروف عنه في الغرب دوره في الهجمات على ثكنات قوات مشاة البحرية الاميركية (المارينز) والسفارة الاميركية في بيروت خلال الحرب الاهلية اللبنانية، وأدرجته الولايات المتحدة الاميركية في قائمة المنظمات الارهابية. اما في لبنان فمعروف عن «حزب الله» نشاطاته الخيرية ودوره في حماية الطائفة الشيعية في بلد تندرج فيه الحقوق الفردية عادة في المصالح الجماعية للطوائف الدينية اللبنانية. يتساءل اللبناني حسين حيدر، 29 سنة، الذي كان يجلس مع اصدقاء له بالقرب من بناية مدمرة في الخيام: «ما يقوله السيد حسن يفعله. ألم يفعل ذلك منذ اليوم الأول في الحرب؟».

الى جانب حيدر كان يجلس محمد امين، 52 سنة، الذي عاد الى الخيام يوم الثلاثاء. قال امين: «سنعيد بناء ما دمر في أسرع وقت ممكن»، وتحدث حيدر في نفس السياق قائلا: «وسنعيد بناء ما دمر على نحو افضل وأكثر سرعة مقارنة بالسابق».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط» شاركت في إعداد هذا التقرير عالية ابراهيم من بيروت