تجارة اللؤلؤ.. تعود إلى الإمارات بعد غياب 80 عاما

«الشرق الاوسط» تزور أول حقل لاستزراع اللؤلؤ في الشرق الأوسط

TT

بعد توقف دام لأكثر من ثمانين عاما لأقدم تجارة اشتهرت بها منطقة الخليج، نجحت شركة الإمارات واليابان لزراعة اللؤلؤ وتجارته في رأس الخيمة، ومقرها خليج الرمس، في إنتاج اللؤلؤ المستزرع للمرة الأولى على مستوى الشرق الأوسط.

وإذا كانت المنطقة الخليجية قد اعتمدت عبر مئات السنين تجارة اللؤلؤ مصدرا رئيسيا لها، قبل اكتشاف البترول، فإن ظهور اللؤلؤ الصناعي واستزراعه بداية القرن الماضي، على يد مكي موتو في اليابان التي نجح فيها نجاحا باهرا، أثر كثيرا في هذه المهنة وتسبب في انقراضها على الإطلاق. وبعد أن كان الخليج العربي أحد المصادر الرئيسية لتجارة اللؤلؤ واستخراجه فيما مضى، انتهت هذه التجارة حتى عاد اللؤلؤ من جديد، ولكن هذه المرة عبر استزراع اللؤلؤ وعلى أحدث المستويات. وخلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في هذه المزرعة التي تعد الأولى من نوعها على المستوى الإقليمي، قال عبد الله راشد السويدي صاحب الفكرة ورئيس شركة «لؤلؤ»، إن الصدفة كانت خيرا من ألف ميعاد.. عندما التقى بإيمورا، وهو تاجر لؤلؤ ياباني، وطرح الفكرة عليه، وكان ذلك عام 2002. وأضاف «تم حينها أخذ عينة من محار اللؤلؤ في رأس الخيمة وأجري عليه فحص مخبري في اليابان».

ويضيف السويدي أن النتائج كانت مذهلة، «وهي أن هذا النوع من المحار لم يعد موجودا في اليابان من خمسين سنة، كما أن هذا النوع مؤهل لإنتاج أجود أنواع اللؤلؤ في العالم». وكانت البداية الفعلية للمشروع في مارس (آذار) الماضي بالتعاون مع حكومة رأس الخيمة التي شجعت إقامة مثل هذا المشروع ومنحته كافة التسهيلات، إضافة إلى حرية العمل. وقامت شركة لؤلؤ بجلب فريق عمل ياباني متكامل لهذا الغرض بإدارة إيمورا، ويتألف الفريق من خبيرين يابانيين ومجموعة من الغطاسين، وتم البدء بجمع المحار وتلقيحه وزراعته. وبعد ثلاثة أشهر بدأ الفريق بالحصول على اللآلئ، وكانت النتيجة التي وصل إليها المشروع مشجعة جدا».

ويقول السويدي «كانت تلك التجربة الأولى للحصول على أربعين محارة أنتجت أكثر من عشرين لؤلؤة أي أكثر من نصف عدد المحارات، وذلك كون توقيت الاستزراع والتلقيح كان مناسبا جدا، بعد ذلك أردنا تجربة كمية أخرى أكبر كانت حوالي 2000 محارة للتأكد من جودة النتائج». وفي منتصف سبتمبر (أيلول) 2005 أنتجت المحارات بنسبة بلغت أكثر من 80% إلا أن الشركة لم تزل تعتبر هذه النتائج في عداد التجربة.

ويضيف السويدي «بعد ذلك قررنا وضع المشروع على خط إنتاجي مع استمرار الحفاظ على سريته، فانتقلنا إلى الإنتاج، وخلال ستة أشهر رفعنا إنتاجيتنا من 25 ألف محارة إلى 100 ألف محارة بعد التأكد التام بأن البيئة الطبيعية في منطقة الخليج العربي تعد من أكثر البيئات الطبيعية ملاءمة لإنتاج اللؤلؤ واستزراعه».

وتخطط شركة «لؤلؤ» إلى استزراع 100 ألف محارة خلال الأشهر الأربعة المقبلة، وهو ما يعني استخراج 80 ألف لؤلؤة هي نتاج هذا المشروع، فيما سترفع الشركة إنتاجها خلال السنتين المقبلتين إلى مليون لؤلؤة عبر استزراع 1.3 مليون محارة. وحول الفارق بين اللؤلؤ الطبيعي والصناعي والمستزرع، يقول السويدي «هناك خطأ شائع لدى عامة الناس هو تسمية اللؤلؤ المستزرع باللؤلؤ الصناعي، وحقيقة الأمر أن اللؤلؤ الصناعي أصلا يتم صنعه من البلاستيك أو الزجاج ويتم تسويقه بأسعار رخيصة جدا، أما اللؤلؤ المستزرع فهو عرق اللؤلؤ الحقيقي من المحارة، حيث يتم تشكيل اللؤلؤ عندما تدخل حبة رمل أو جسم غريب أو جزء مكسور من جسم المحارة إلى داخلها فتقوم الأخيرة بإطلاق مادة اللؤلؤ على هذا الجسم وتدوِّره قدر الإمكان حتى يصبح ناعم الملمس وغير جارح».

ولعل اللافت للنظر في اللؤلؤ الذي يتشكل في الطبيعة أنه من بين كل 100 محارة يتم الحصول فقط على عشرة لآلئ ومن بين 1000 محارة على 100 لؤلؤة لا تكون دائرية بشكل متقن، وتحتاج إلى عمليات تصنيعية متعددة. أما في حالة الاستزراع فيتم إدخال خرزة المحار الذي يستقدم من المياه العذبة في نهر المسيسيبي في أميركا وبعملية جراحية دقيقة، ويتم التدرب عليها، تزرع تلك الجسيمات في المحارة. وبعد مرور ثلاثة أو أربعة أو حتى ستة أشهر يتم استخراج اللآلئ».

وحول استخدامات المحار واللؤلؤ، يوضح السويدي أن «اللؤلؤ يحتل 4 مستويات بحسب الجودة فيستعمل كمجوهرات وفي مجال مستحضرات التجميل والأدوية والمستلزمات الطبية وصناعة الأثاث. كما أن المحارة نفسها يتم استعمالها في مجال المجوهرات ولحم المحارة يستعمل في بعض المطابخ العالمية أو كعلف للدجاج في مزارع الدواجن، يعني خلاصة القول أن كل ما تحويه المحارة يُستفاد منه». ويأمل السويدي أن تكون هناك مستقبلا أكاديمية تعلم أبناء الإمارات والخليج أصول استزراع اللؤلؤ.

وحول الخطة التي ستتبع لتسويق اللؤلؤ الذي يتم إنتاجه، يقول إيمورا «ستكون سياستنا لتسويق ما ننتجه من لؤلؤ على أربع مراحل؛ أولها ستعتمد على بيع اللؤلؤ الخام حيث سنقوم بدعوة الشركات العالمية التي تنتج اللؤلؤ في أميركا وأوروبا إلى الإمارات، ونقوم بعمل مزاد للكمية المنتجة ويتم إعطاء كمية اللؤلؤ تلك بالطبع مقابل المال، وتلك الخطوة تعتبر الأسعار فيها رخيصة جدا ولا تأتي بمردود كبير، الذي سيكون في المرحلة التالية عندما سيتم بيع اللؤلؤ بعد تصنيعه كي يدخل في مرحلة استعماله كمجوهرات وتسويقه لدى الصاغة. بعد ذلك سيتم إنشاء محلات تجزئة خاصة بالشركة طبعا بالمشاركة مع جهات استراتيجية. أما المرحلة الرابعة والأخيرة التي ستعطي انتشارا أكبر للؤلؤ الإماراتي، وهي النقل الجوي الذي سيساعد على نشر الأخير عالميا». ويضيف «نحن حاليا نعد للمرحلة الأولى حيث نعد هذا العام أول مزاد لبيع اللؤلؤ الخام».

ونبه إيمورا على أن شرط استمرار البيئة الخليجية في إنتاج اللؤلؤ هو الحفاظ على البيئة البحرية نظيفة وخالية من التلوث، «قبل قدومي إلى الإمارات كان لدي انطباع كما هو الحال لدى معظم اليابانيين أن سبب توقف تجارة اللؤلؤ في الخليج العربي هو اكتشاف البترول وتلوث البيئة البحرية لديهم هناك، لكنني عندما قدمت ولاحظت وجود المحار وبكثرة، خاصة أن الأخير لا ينمو إلا في بيئة نظيفة. بهرتني تلك النتائج لذلك أشدد على أن نظافة البيئة ومستقبل استزراع وتصنيع وتجارة اللؤلؤ وجهان لعملة واحدة».

وأوضح إيمورا أن لديه خطة كذلك لانتاج جيل جديد من المحار داخل المصانع، «معروف علميا أن كل محارة تحوي حوالي مائة ألف بيضة تمر بمراحل التلقيح والتخصيب، ويتم استخدامها نفسها في عملية استزراع اللؤلؤ، وبهذا يتم الحفاظ على المحار الموجود في البحر، وبذلك لا يتم استنزاف أي مورد من موارد البيئة في سبيل تصنيع أنواع معينة من المجوهرات، والمهم في الأمر أنه كما تسمعين عن اللؤلؤ التاهيتي على سبيل المثال فإنه لؤلؤ كبير الحجم لونه أسود خشن الملمس، تقوم الصين بإنتاجه بكثرة لرخص عمالتها وتوفر مزارعها لكنها إلى الآن لم تنتج أكثر من سبعة مليمترات بسبب صغر حجم محارها بشكل عام. وفي اليابان صار لديها أزمة في إنتاج اللؤلؤ من محار الأكويا، وهو اللؤلؤ ذو الثمانية مليمترات، الأبيض اللون، ناعم الملمس صغير الحجم، وهو الذي ترغب فيه المرأة ومعلوم. ويشير إيمورا إلى أن المثير أن اللؤلؤ الذي تم الحصول عليه في رأس الخيمة يفوق الثمانية مليمترات في مدة زمنية لا تتجاوز الأربعة أشهر حيث وصل إلى 12 مليمترا، «وهو مقياس أضحى شبه نادر بالنسبة لمزارع تنتج اللؤلؤ على مستوى عالمي».

من جهة أخرى، أكد السويدي أنه في حين يستغرق الموسم الواحد لإنتاج اللؤلؤ في بعض الدول من 13-23 شهرا فهذه المدة تم اختصارها من ثلاثة إلى اربعة أشهر في الإمارات ومنطقة الخليج بسبب البيئة الطبيعية المثالية، «الأمر الذي سيجعلنا مع الوقت نحتل مكانة عالمية ونصبح أحد المتحكمين في الأسعار العالمية لمنتج اللؤلؤ مستقبلا». لألفألف