موظفات عراقيات: نحاول أن نعيش حياة طبيعية في ظروف غير طبيعية

يعملن بين الخوف ورائحة الرصاص.. وكثيرات منهن قررن تعلم السياقة

TT

كان عمر يلتصق بباب المؤسسة الحكومية التي تعمل بها زوجته، منتظرا ان تعود اليه سالمة، بعد ان تتم عملها الذي تخرج اليه كل صباح. أثناء انتظاره قال عمر «انا اخرج يوميا من عملي قبل ساعة من انتهائه لانتظر زوجتي عند باب مؤسستها خوفا عليها من الاختطاف او القتل، الذي طال العديد من موظفي الدولة».

وأضاف عمر ان زوجته كانت تشترك مع زميلات وزملاء لها في سيارة لنقلهم من والى العمل، لكن الحوادث الاخيرة التي اختطف فيها العديد من الموظفين، اثناء وبعد ركوبهم تلك السيارات، ثم وجدوا مقتولين بعد ذلك، جعل العديد من اهالي الموظفين ينتظرون ابناءهم وزوجاتهم على ابواب المؤسسات، وغالبا ما يحملون اسلحة للدفاع عنهم في حالة وصول الخطر اليهم.

حالة عمر وزوجته لم تكن الوحيدة في مؤسسات الدولة، التي تنقلت «الشرق الأوسط» بينها للتعرف على حال الموظفات، وكيف يقضين ساعات العمل؟ اغلب الموظفات قلن انهن يحاولن العيش بصورة طبيعية في ظرف غير طبيعي. وأشارت نضال وهي مديرة تدقيق في احدى دوائر الدولة الى ان مركزها يعرضها للموت، بعد ان استهدف عدد من الموظفين الذين يحملون شهادات عليا او يحتلون مركزا وظيفيا متميزا. لكن نضال، وحسب قولها، تحاول ان تنسى كل التهديدات وتذهب الى العمل يوميا. ورغم خفقات قلبها المتواترة الا انها تتغلب عليها عندما تتصور اطفالها الثلاثة بدون معيل لهم، خصوصا ان زوجها ترك عمله في الجامعة «بعد ان وصله تهديد واضح المعالم» على حد قولها.

عروبة معلمة في احدى المدارس الابتدائية، اخترقت حاجز الخوف اثناء العطلة الصيفية، واخذت، بعد ان انتهت فترة العدة بعد وفاة زوجها، باستخدام سيارته لنقل بعض الطبيبات في احد المستشفيات. تقول عروبة، وهي أم لخمسة أطفال «اذا استمررنا بالخوف فإن الموت لن يتركنا ابدا، علينا ان نعيش وان نكسر حاجز الخوف ونتحدى كل صوره». وتضيف عروبة قائلة: ان «الشارع العراقي لا يتقبل، على سبيل المثال، امرأة تقود سيارة نقل، من نوع كيا، ولكنني مضطرة لذلك، وقد وجدت من يشجعني من اهل زوجي وابناء الجيران اثناء العطلة الصيفية، كما انني سأعمل على نفس السيارة بعد انتهاء العطلة لنقل الطالبات بين بيوتهن والمدارس».

شجاعة عروبة، كما يراها ابناء الجيران، دفعت العديد من نساء منطقتها الى تعلم السياقة، خوفا من أي طارئ قد يلم بالعوائل في هذا الظرف غير الطبيعي، الذي يعيشه العراق. وتقول أم طه: ان «عروبة كانت مثالا لنا، فبعد وفاة زوجها وهو شاب، اصبحت مسؤولة عن اطفالها الخمسة، وصارت مثالا لكل نساء المنطقة، في تحدي الخوف الذي تواجهه المرأة في العراق».

لكن حالة عروبة وزميلاتها في السياقة، لا تشبه مطلقا حالة زينب، التي تنظر يمينا ويسارا قبل خروجها من البيت بصحبة شقيقها او والدها. تقول زينب والخوف يملأ عينيها «ألا تسمعين صوت الرصاص.. لا يمكن ان اعيش في هكذا ظرف، لكنني مضطرة للعيش هنا، فليس لنا مكان آخر نذهب اليه خارج العراق وانا مضطرة للعمل ولكن بعد ان يؤمن اخي او والدي لي الذهاب والاياب».

جميع من التقتهن «الشرق الأوسط» حاولن ان يقلن شيئا موحدا هو انهن مضطرات للعمل في ظروف كهذه وان الحياة الصعبة هي التي تجعل الكثيرات منهن يواجهن الموت والخوف والرصاص.