مئات آلاف المصريين ودعوا تمثال الفرعون رمسيس الثاني إلى مقره الجديد

وزير الثقافة المصري: سيكون أول قطعة أثرية يتم وضعها بين 150 ألف قطعة بالمتحف المصري الكبير

TT

في العاشرة وخمس واربعين دقيقة من صباح أمس (الجمعة) وصل الملك رمسيس الثاني أشهر ملوك الفراعنة الى مقره الجديد بأرض المتحف المصري الكبير بمنطقة الأهرامات، منهيا حالة من الجدل بين الأثريين والمختصين حول جدوى نقل التمثال الآن والمخاطر التي تنطوي عليها عملية النقل. وفيما بدا ميدان رمسيس أكبر ميادين العاصمة المصرية فارغا لأول مرة منذ 52 عاما من تمثاله الشهير، قال فاروق حسني وزير الثقافة المصري في مؤتمر صحافي عالمي ان موكب التمثال نفسه موكب شعبي، وقد آثرنا ألا يكون احتفالا صاخبا خاصة في الوقت الذي تمر به الأمة العربية بظروف صعبة وتعاطفا مع أشقائنا العرب في فلسطين ولبنان والعراق وأهلنا في الداخل جراء حادثي القطارات في قليوب وبني سويف اللذين أسفرا عن عدد من الضحايا الأبرياء.

وأضاف حسني أنه ظل قلقا وسهران طيلة الليلة الماضية ولم يهدأ إلا بعد أن إطمأن على وصول التمثال الى مقره الجديد، مشيرا الى أن التمثال واحد من عشرات التماثيل للملك رمسيس، لكن الأمر كان سيختلف لو قمنا بنقل مومياء الفرعون الملك وهو الحدث الذي يستحق حقا الاهتمام به والاحتفال به كونه تكريما لجثمان ملك من ملوك مصر العظماء الذي سطر تاريخه بأحرف من ذهب على المعابد في شتى انحاء مصر. ووسط حشود شعبية ورسمية وهتافات تذكره بماضيه العريق، تحرك موكب الفرعون الملك رمسيس الثاني أشهر ملوك الفراعنة في الواحدة بعد منتصف ليلة اول من أمس (الخميس) مودعا ميدانه الشهير «باب الحديد» والذي اشتهر أيضا باسمه بوسط العاصمة المصرية، محاطا في موكبه المحصن بكافة أنواع الاحتياطات التقنية والفنية والأمنية ايضا، للحفاظ على جسد التمثال الملكي والذي تم لفه بمادة «الفوم» والمواد العازلة الأخرى حول الأماكن الحساسة في جسد الملك وهي المناطق الست المفصولة والتي تم لحمها وترميمها في جسد التمثال عند نقله منطقة ميت رهينة الى ميدانه محملا على شاحنة نقل ضخمة قبل 52 عاما. ترجل الفرعون رمسيس عن موقعه، واقفا بشمم وكبرياء فوق سطح القاطرة العملاقة والكاسحتين العملاقتين المحملة عليهما السلة الحديدية الحاملة لجسم التمثال لتفادي ضيق المساحة في هذه المنطقة وتفادي المنطقة أعلى مترو الأنفاق، بالاضافة الى الكباري الموجودة بالميدان الذي تمت ازالة كوبري المشاة به لافساح المجال لعبور القاطرة، متوجهة ـ بسرعة لا تتجاوز الخمسة كيلومترات في الساعة ـ الى شارع رمسيس ومنه الى الشارع الموازي للمستشفى القبطي وصولا الى شارع الجمهورية حتى باقي المسار المتفق عليه ترافقه في كل مرحلة حشود من الجماهير. على جانب آخر كانت هناك قبيل تحرك موكب الفرعون خلية من نوع آخر هي الخلية الاعلامية بالتلفزيون المصري التي بدأت استعداداتها قبل يوم كامل من عملية النقل عبر توزيع عربات البث المباشر في 12 نقطة بث موزعة على الطريق المقرر لموكب التمثال وعمل التجارب الفنية والتقنية اللازمة تحضيرا لتغطية هذا الحدث الكبير مباشرة عبر التلفزيونات والفضائيات في شتى أنحاء العالم.

أما السابقة الأولى في تغطية هذا الحدث المهم فهي استعانة التلفزيون المصري بطائرة هليكوبتر تم استئجارها لمتابعة موكب تمثال رمسيس لحظة بلحظة ونقل صورة شاملة للاجواء المحيطة بالموكب من الجو طوال فترة سريان الموكب وخلال اللحظات الحاسمة التي يمر خلالها التمثال اعلى كوبري المنيب وخلال منزل المنصورية حتى استقراره في موقعه الدائم بمقر المتحف المصري الكبير المزمع إنشاؤه بمنطقة الأهرامات.

ومنذ تحرك موكب التمثال تحول ميدان رمسيس الى مشهد مهيب، أشبه بوداع ملكي فيما بدا الملك الفرعون يتفرس وجوه المارة والمشاهدين الذين حضروا خصيصا من كافة أنحاء الجمهورية لمتابعة هذا الحدث الجلل الذي نادرا ما يتكرر. وكان مهندسو المقاولون العرب قد انتهوا قبل ليلة أمس من تجهيز التمثال وتحميله على الكاسحات المخصصة إيذانا بنقله، وقد وصف المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة المقاولون العرب ما تم بأنه أشبه بتحضير التمثال وتجهيزه لعملية جراحية خاصة مع ما تحيط التمثال من تقنيات فنية ولفافات كما لو انه داخل غرفة للتعقيم.. مشيدا بدقة تنفيذ عملية تنزيل السلة الحديدية التي تحمل التمثال على الكاسحات والتي تمت الاستعانة خلالها بأجهزة هيدروليكية تعمل بضغط الزيت أنجزت مهمتها في 10 ساعات كان يتم خلالها تنزيل التمثال بواقع 3 سم في كل مرة.

ويقول الدكتور مهندس أحمد حسين مصمم الكاسحتين إن التمثال، بمجرد تحميله، أصبح في المنتصف بين الكاسحتين وعلى مسافة معينة منهما بطول 7 أمتار ليصبح أجمالي طول الموكب 4.23 مترا بخلاف القاطرة، علما بأن كل كاسحة يبلغ طولها 7.12 مترا، على أن تبلغ سرعة الموكب اثناء عملية النقل ما بين 3 الى 5 كيلومترات في الساعة، وخلال السير لم يكن هناك أدنى تأثير على جسم التمثال كما لو كان ما زال واقفا في ميدانه، فيما يبلغ اجمالي الموكب 250 طنا، والأحمال موزعة على الطريق بواقع 30 طنا في المتر المربع، وعلى 64 أكس وحوالي 144 اطارا مطاطيا.

يذكر أن الملك رمسيس الثاني يعد من أعظم ملوك الفراعنة ويلقب بـ« أبو البنائين العظام وسيدهم»، وقد كانت فترة حكمه ـ التي بلغت 67 عاما ـ مليئة بالكثير من الإنجازات والبطولات والغرائب امتدت من شمال مصر الى جنوبها ولم يأت بها ملك قبله، حيث انفرد رمسيس الثاني دون بقية ملوك مصر القديمة بأعماله وإنجازاته التي بهرت العالم على مر العصور.