دور السينما في بغداد.. من أربعين صالة إلى خمس فقط تعمل حاليا

تراجع الإقبال عليها بسبب تردي الوضع الأمني وانقطاع الكهرباء وانشغال العراقيين بمعيشتهم

TT

بغداد ـ ا.ف.ب: السندباد وبابل والفردوس وسمير أميس وشهرزاد، من أبرز دور السينما في بغداد التي كانت في الايام الخوالي مكتظة بالرواد، لكنها اليوم موصدة الابواب هجرها روادها بسبب تردي الاوضاع الامنية. ووضعت أقفال كبيرة على أبواب تلك الدور وتراكمت عليها الأوساخ وهاجر اصحابها وروادها وباتت أمرا من الماضي يتذكره البغداديون بألم وحسرة شديدين. يقول مدير سينما أطلس الواقعة في شارع السعدون أحد اشهر شوارع بغداد التجارية، إن «تردي الوضع الامني وانقطاع التيار الكهربائي وعدم استقرار نفسية المواطن العراقي، أدت الى ابتعاد المواطن العراقي عن دور السينما». ويضيف «من بين أربعين صالة سينما، تعمل حاليا خمس فقط، وعدد الرواد انحسر من نحو ألف الى 30 او 50 شخصا». ويقول المهندس نبيل عبد الحميد، الذي يعمل مشغل افلام في سينما أطلس، إن «الهمّ الاول والأخير للمواطن العراقي، اصبح البحث عن مصدر رزقه والبحث عن الوقود، والسينما أصبحت شيئا من الماضي». ويضيف «كما انه لم يعد بإمكان المواطن أن يفارق محيط سكنه بسبب الوضع الامني المتردي والاغتيالات العشوائية والعنف الطائفي».

وأمام سينما الفردوس وسط بغداد، يصطف طابور طويل من السيارات ينتظر أصحابها دورهم للتزود بالوقود في يوم صيف حار. ويقول غازي ثجيل، وهو سائق سيارة أجرة كان يدفع بسيارته نحو المحطة بعدما نفد منها الوقود «لقد أصبح الشعب العراقي فيلما يتفرج عليه العالم كل يوم عبر شاشات التلفاز: انفجارات، عبوات ناسفة، قتل، خطف وما الى ذلك». ويضيف «من يعد يهتم بالسينما في العراق إنها ماض».

من جانبه، يقول صادق المشهداني، وهو مهندس كان ينظر بحسرة الى ملصق لفيلم اميركي انتج في تسعينيات القرن الماضي، علق على باب سينما أطلس «لقد قضيت ست ساعات من أجل التزود بالوقود، وكم كان بودي ان يكون الوضع جيدا لأحضر أحد الافلام اليوم». ويتابع «أتذكر قبل سبع سنوات كيف كنت أقف في طابور طويل كي أقطع التذاكر في هذه السينما لأشاهد هذا الفيلم ذاته».

ويقول مواطن آخر «لقد كنت أتجول بين دور السينما بحثا عن أفلام جديدة، أما اليوم فانني أقضي كل يومي بحثا عن الوقود كي أؤمن تشغيل مولد المنزل الكهربائي كي لا نموت من الحر».

وبدأت السينما العراقية تعاني منذ بداية تسعينات القرن الماضي، حين تحولت دور السينما بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية في اعقاب احتلال العراق للكويت، الى صالات للعروض المسرحية الكوميدية التجارية التي كانت تلقى إقبالا جماهيريا كبيرا، واعتبرها المسرحيون العراقيون «سطحية» و«هزيلة». وتعتبر «سينما النصر» التي شيدت قبل نحو نصف قرن، أكبر دار للعروض السينمائية في العاصمة العراقية، بقدرتها على استيعاب 1500 شخص.

ويعتبر الوضع السينمائي العراقي الحالي جزءا من المشهد الثقافي العراقي الذي يعاني عدم توفر الامكانيات المالية، ومن تدهور الاوضاع الامنية والسياسية. اما صناعة السينما بحد ذاتها، فتواجه حاليا مشاكل تقنية صعبة بسبب الأضرار التي خلفتها الحرب خلال الغزو الأميركي في مارس (آذار) 2003، بدائرة السينما والمسرح التي فقدت العديد من أجهزة التلوين والمختبرات التصويرية.

وكان «غير صالح للعرض» أول فيلم سينمائي يتم تصويره وإنتاجه في بغداد بعد سقوط النظام السابق. وقد شارك فيه نخبة من الفنانين العراقيين بينهم يوسف العاني وعواطف السلمان.

وقدم عدد من المهتمين في مجال صناعة السينما من العراقيين المقيمين في الخارج، تجارب بسيطة بعد مارس2003 من بينها فيلم «الكيلو متر صفر» للفنان الكردي المقيم في فرنسا هونر سليم.

وتعود ولادة السينما العراقية الى ما قبل سقوط النظام الملكي، حيث قدم المخرج كاميران حسني سنة 1957 فيلم «سعيد افندي»، وهو أهم فيلم أنتج في تاريخ السينما العراقية الى جانب افلام أخرى قليلة منها فيلم «الحارس» عام 1966 للمخرج خليل شوقي، ومن ثم فيلم «الظامئون» في نهاية الستينيات لمحمد شكري جميل، وفيلم «بيوت في ذلك الزقاق» لقاسم حول في منتصف السبعينيات، وكذلك فيلم «الأسوار» لمحمد شكري جميل.