عائلات لبنانية جنوبية لا تزال نازحة بانتظار التعويضات وأخرى سودانية هربت من حرب دارفور.. إلى حرب لبنان

TT

بعد مرور أكثر من أسبوعين على اعلان وقف الأعمال العدائية، لا يزال عدد من العائلات اللبنانية الجنوبية، ممن لجأوا الى بيروت يقيم في كلية الفنون في منطقة الروشة، وفي كلية الاداب والعلوم الانسانية في الأونيسكو، التابعتين للجامعة اللبنانية. بعض هؤلاء دمرت منازلهم كليا أو تصدعت ولم تعد صالحة للسكن، والبعض الاخر يرفض العودة الى قراه، بسبب استمرار وجود الاسرائيليين فيها، لكن وفي كل الأحوال لا حيلة لدى هؤلاء الا الانتظار، ريثما يأتي دورهم وتدفع لهم التعويضات كي يتمكنوا من اصلاح منازلهم والعودة اليها أو استئجار منازل بديلة.

35 عائلة في كلية الاداب و29 في كلية الفنون، تجمعوا بعد انتهاء الحرب من مدارس ومراكز للنازحين في مناطق عدة، وتوزعوا على طبقات المبنيين، اللذين لا يصلحان ليكونا جامعة يتلقى فيها الطلاب دروسهم ومحاضراتهم، فكيف لتكون مسكنا لنساء وأطفال وعجزة يعيشون فيها أكثر من شهر ونصف الشهر؟ انما للضرورة أحكامها وإيجاد سقف يؤوي أفضل من التسكع في الشوارع.

«منذ بداية الحرب هربنا الى هذا المبنى، وكنت أول من دخله أنا وعائلتي، ولغاية اليوم لم ينقصنا شيء. شباب حزب الله الى جانب بعض المؤسسات الاجتماعية يؤمنون لنا كل حاجياتنا، الضرورية منها والكمالية، انما الحسرة تبقى دائما بسبب وجودنا خارج منزلنا، وها نحن اليوم ننتظر...»، يقول عبد الله سليمان، ابن زوطر الشرقية في جنوب لبنان، هذه الكلمات حاملا في يده البطاقة الخضراء، التي حصل عليها بعد الكشف على منزله في ضاحية بيروت الجنوبية، وصنف غير صالح للسكن، ما يدل على اقتراب موعد الدفع ليتمكن من البحث عن بيت لاستئجاره.

سليمان أب لثلاثة أولاد، كان يعمل مع أخيه في فرن، تضرر أيضا كما المنزل، انما دفع تعويضات المحلات التجارية يأتي في المرحلة اللاحقة بعد الانتهاء من المنازل، لذا سيبقى عاطلا عن العمل حتى اشعار اخر.

وحال أم حسين عبد الله، الهاربة من بلدة عدشيت الجنوبية، لا تختلف عن حال سليمان كثيرا، انما المشكلة تكمن في أن مجلس الجنوب، الذي كشف على منزلها أعطى تقريره بامكانية اعادة تأهيل المنزل ليصبح صالحا للسكن، في حين يرى زوجها أبو حسين، العاطل عن العمل منذ عشر سنوات، عكس ذلك ويصر على جرف المنزل واعادة بنائه، وهو الان يحاول جاهدا تسوية الموضوع مع المسؤولين، عله يصل الى نتيجة، ما يجبر أم حسين على البقاء في الكلية مع أبنائها الستة.

كل هذه الصعاب التي تواجهها العائلات اللبنانية الى أن تجد مأوى أو تعود الى منازلها، لا بد أنها سهلة جدا مقارنة بحال 27 عائلة سودانية من منطقة دارفور في شمال غرب السودان، مؤلفة من 98 شخصا، بينهم أكثر من 40 طفلا، يجهلون مصيرهم ولا يجدون من يسأل عنهم في بلد لجأوا اليه هاربين من الحرب والمشاكل السياسية في وطنهم، فاذا بهم يصطدمون بحرب أفقدتهم عملهم غير الشرعي، وباتوا ينتظرون المجهول في مبنى قسم الجغرافيا في كلية الاداب.

حتى رحلة الوصول الى هذه الكلية لم تكن بالأمر اليسير لهذه العائلات السودانية، منذ اليوم الأول للحرب تجمع هؤلاء أمام المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وافترشوا الأرض لمدة 11 يوما، نقلتهم بعدها «كاريتاس» الى منطقة عشقوت وأسكنتهم في دير للراهبات، حيث أمنت لهم بعض المواد الغذائية، لكن وبعد أسبوع على انتهاء الحرب طلب منهم اخلاء الدير، فما كان لهم الا العودة للمكوث أمام مبنى الهيئة العليا للاجئين في بيروت، ما لم تسمح به القوى الأمنية اللبنانية التي نقلتهم في منتصف الليل من اليوم نفسه الى مبنى كلية الاداب، وتكفلت بتأمين حاجياتهم انما لم تفِ بوعدها، بحسب الشاب المسؤول من حزب الله عن النازحين في هذا المبنى، «فاضطررنا لتقديم المساعدات لهم من تلك المخصصة للبنانيين القاطنين هنا، اضافة الى بعض المساعدت التي تقدمها الجمعيات الخاصة، انما هي بالكاد تكفي عددا منهم في ظل غياب شبه كامل للمؤسسات المعنية».

27 عائلة، جلها يعمل حراسا في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي الجنوب اللبناني في مبان دمرتها الحرب أو ترك مالكوها منازلهم وسافروا، فبات هؤلاء عاطلين عن العمل، لا يملكون أوراقا رسمية ويطالبون باعطائهم لجوءا سياسيا ويرفضون في الوقت عينه العودة الى بلدهم، حيث المشاكل السياسية والأمنية تهدد حياتهم، مفضلين البقاء في لبنان «حيث الأوضاع أحسن بألف مرة منها في بلدنا»، حسب تعبير أحدهم.

وفي محاولة منهم للوصول الى حل لقضيتهم، شكلت هذه العائلات وفدا يمثلها ليقصد يوما بعد اخر المفوضية العليا التي ترفض اعطاءهم جوابا شافيا في الموضوع، بل تقول أن وجودهم في لبنان غير شرعي وعليهم العودة الى بلدهم، مع العلم أن السفير السوداني لدى لبنان كان قد وعد، وبعد اتصال معه من رئيس الوزراء السابق سليم الحص، بزيارة هؤلاء في مقرهم الحالي يوم أول من أمس، انما حتى الان لم يقم بهذه الخطوة.

كذلك يرافق هذه العائلات السودانية في معاناتهم العراقي جلال جاسم (40 عاما)، الذي كان قد وصل الى لبنان قبل ثمانية أشهر، عمل خلالها في نقل المواد الغذائية لدى شركة أقفلت أبوابها بسبب الحرب، وتنقل قبلها أي منذ دخول أميركا العراق بين تركيا والأردن وسورية.

جاسم المطلوب في بلده بتهمة الانتماء الى جيش صدام حسين كان يخدم برتبة نائب ضابط، وهو بالتالي لا يستطيع المغادرة طالبا لجوءا سياسيا، ومستعدا للذهاب الى أي بلد يستقبله ما دام طلبه في لبنان ما زال مرفوضا، قائلا: «أتمنى أن أركب زورقا وأموت في البحر بدلا من هذا الذل الذي أعيشه».