الأطباء نجحوا في إعادة القلب للعمل ساعات.. والوفاة حصلت صباحا بعد توقف القلب للمرة الثانية

المشاهد الأخيرة في حياة أديب نوبل: أسرته أغلقت بابَها والأمنُ يمنع الناسَ من الدخول إلى منزله

TT

المنطقة بين بوابة مستشفى الشرطة بالعجوزة، والتي كان يرقد بها الأديب الراحل نجيب محفوظ، وبين بوابة منزله التي لا تبعد عنها إلا نحو عشرة أمتار، شهدت المشاهد الأخيرة في حياة الأديب الراحل.

ومع إعلان مستشفى الشرطة وفاته في الثامنة من صباح أمس بعد فشل جهود الاطباء في إنقاذه، بدأت بعدها مراسم الاعلان الرسمي عن الحدث الذي اهتزت له مصر كلها وتفاعل معه العالم. وعقد المستشفى مؤتمرا صحافيا تم الاعلان فيه عن تفاصيل الوفاة. وتحدث الدكتور حسام موافي أستاذ الرعاية الحرجة بالقصر العيني ورئيس الفريق الطبي الذي أشرف على علاج محفوظ في أيامه الاخيرة، فذكر تدهور حالة محفوظ منذ الساعة السادسة من مساء أول من أمس وتوقف قلبه عن العمل بشكل دفع الاطباء الي إلحاقه بغرفة العناية المركزة حيث نجحوا في إعادة القلب للعمل الا أنهم فوجئوا بتوقفه مرة أخرى في السادسة من صباح أمس وحاولوا إسعافه على مدى الساعتين إلا ان إرادة الله كانت أقوى من كل الجهود حيث لفظ أنفاسه الاخيرة في الثامنة من صباح أمس.

وخيم الحزن على منزل الاديب المجاور للمستشفى والواقع على بعد خطوات قليلة منه، حتى أن زوجته السيدة عطية لم تستطع السير حتى المنزل واستقلت سيارة الناقد والمخرج السينمائي، توفيق صالح، الذي يعد أحد المقربين من نجيب محفوظ والذين كان يطلق عليهم «الحرافيش». وترجلت السيدة عطية من باب السيارة في شبه حالة انهيار. وكانت مستندة علي يد المخرج توفيق صالح باديا عليها الحزن الشديد، لتدخل المنزل الذي يحمل رقم واحد في شارع النيل بمنطقة العجوزة وليمنع بعدها الأمن الجماهير ووسائل الاعلام من الدخول إلي المنزل. ورفض الحرفوش الاخير توفيق صالح التعليق على الحدث. وكان الاديب نجيب محفوظ قد دخل المستشفى في منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي بعد إصابته بجرح قطعي في رأسه استلزم خياطته بنحو خمس غرز بعد تعرضه للسقوط في منزله عقب تعثره أثناء سيره في شقته يوم الحادث مما استدعى نقله الى مستشفى الشرطة نتيجة فقده لكمية كبيرة من الدماء. وبعد استقرار حالته صرح له الاطباء بالعودة إلى منزله مع وضعه تحت الملاحظة الطبية، الا ان حالته الصحية تدهورت مرة أخرى مطلع أغسطس (آب) الجاري مما استلزم إعادته الى المستشفى مرة أخرى حيث كان يعاني فشلا في وظائف الكبد واضطرابا في عملية التنفس وضربات القلب فتم وضعه على جهاز التنفس، بالاضافة إلى عدم القدرة على البلع مما اضطر الفريق الطبي لتغذيته عن طريق المحاليل الطبية. وبمرور الوقت ساءت حالة نجيب محفوظ الصحية والتي تأرجحت بين الاستقرار والتدهور حتى أن الفريق الطبي المشرف على علاجه كان يعقد مؤتمرا صحيا يوميا للإعلان عن آخر التطورات. وقد شهد الاسبوع الماضي عددا من التطورات السريعة في حالة محفوظ، إذ أصيب بنزف حاد نتيجة إصابته بقرحة في المعدة مما استدعى إجراء جراحة عاجلة بالمنظار في المعدة لوقف النزف مساء الجمعة الماضي، ثم أعلن بعدها عن توقف النزف واستقرار حالته الى الحد الذي طلب فيه نظارته الطبية وسماعة الاذن الخاصة به كما رفع يده شاكرا الاطباء المعالجين له فيما اعتبروه تقدما ملموسا في حالته. ولكن مساء أول من أمس تدهورت حالته بالشكل الذي أعلنه الأطباء وانتهى بوفاته.

وكان الاديب جمال الغيطاني، أحد أكثر المقربين من نجيب محفوظ، والذي رفض التحدث الى وسائل الاعلام، قد رصد ساعات أديب نوبل الأخيرة في مقال عنونه «مواقيت الألم»، وتناول فيه يوميات نجيب محفوظ في المستشفى وبدأها منذ يوم 13 أغسطس، واصفا حالته الصحية وما ألمَّ بها على مدى تلك الايام حتى يوم الجمعة الماضي الذي وافق الخامس والعشرين من أغسطس؛ ومنها قوله واصفا رؤيته له يوم 13أغسطس: «لاحظت الانابيب المتصلة بأوعية المحاليل المعلقة إلى عمود حديدي تنفذ من شرايين الرقبة وليس من ظهر اليد. اعتدت رؤيته إما ساعيا أو واقفا أو جالسا في مجلس؛ والكل يتحلق حوله، أما أن أراه نائما فهذا وضع لم أعتده بعد». وفي مقطع آخر من المقال تحدث الغيطاني عن علاقة نجيب محفوظ بممرضته هالة التي تصاحبه منذ واقعة اغتياله عام 1994، فقال عنها: «ما بينها وبين الاستاذ حبل سري تحدثه في عدم وجود سماعته الطبية فيومئ لها برأسه، يبدي رد الفعل الذي نفتقده منه بمجرد اقترابها منه. يلوح منه ما يبدو أنه يشعر بها، وهكذا مع زوجته وابنتيه». ويستمر الغيطاني في وصف اللحظات الاخيرة في حياة محفوظ، فيقول عن يوم الخميس الماضي: «أتطلع إليه ليلا، ألمح هزة في يده، أمسكها، يغمض عينيه، لا أدري ما إذا كان راح في السبات أم أنه يستعيد ذكريات عبرت ربما أمثل في بعضها، أم أنه يتابع أطيافا من قديم، من زمن لا أعرفه، أو يحلم؟ لن أعرف أبدا ما يجول في خاطره في تلك الأويقات الصعبة.. أوقات الالم».