«أولاد حارتنا».. بين عبد الناصر وهيكل والأزهر

TT

يروي الروائي يوسف القعيد أن رواية «أولاد حارتنا» سلّمها نجيب محفوظ الى علي حمدي الجمال (أحد محرري «الأهرام» الذي تولى رئاسة تحريرها لاحقاً)»، والذي عرضها بدوره على رئيس التحرير محمد حسنين هيكل، فألقى نظرة عليها في مكتبه، وأخذها معه إلى منزله وقرأها بعناية وأدرك حجم المشاكل التي يمكن يثيرها نشر الرواية. ولذلك قرر نشرها بصفة يومية كانت المرة الأولى والأخيرة التي تنشر فيها رواية يومياً وليس أسبوعياً، حتى يفوِّت على أي جهة ـ خاصة الأزهر الشريف ـ أن يكون لديها رد فعل على نشرها. أثناء نشر الرواية تحرك علماء في الأزهر وطلبوا وقف نشرها، فسأل عبد الناصر هيكل عن الحكاية. وعندما عرف الموضوع قال له: «هذه رواية كتبها نجيب محفوظ ولا بد من نشرها، حتى آخر كلمة». تختلف الروايتان حول نشر الرواية في كتاب. نجيب محفوظ يقول إن عبد الناصر أبلغه عبر حسن صبري الخولي، المتحدث الرسمي باسم الرئيس، إنه من الأفضل نشر الرواية ولكن خارج مصر. وهيكل لا يعتقد أن الواقعة حدثت، لأنه لو كانت لدى عبد الناصر أية رسالة حول «أولاد حارتنا» لكان أبلغها إلى هيكل. ثمة حكاية أخرى بطلها عبد الناصر تختلف فيها رواية نجيب محفوظ عن رواية هيكل لدرجة التناقض، تدور حول اللقاء الذي تم بين عبد الناصر ومحفوظ عندما زار «الأهرام». وكان هيكل يقدم كُتّاب «الأهرام» إلى عبد الناصر، ومن بينهم محفوظ. وحول هذه الحكاية، قال نجيب محفوظ لجمال الغيطاني في كتابه «نجيب محفوظ يتذكر»: يقول محفوظ إن عبد الناصر وهو يصافحه قال له: «إزيك وإزاي ناس الحسين بتوعك؟»، ثم قال له: «منذ فترة لم نقرأ لك رواية جديدة». وكان محفوظ قد توقف تماماً عن الكتابة الأدبية طيلة سبع سنوات، وبالتحديد في الفترة من 1952 إلي 1959 وهي الفترة التي واكبت بداية ثورة 23 يوليو. وبعد هذه الفترة عاد إلى الحياة الأدبية بقوة من خلال روايته «أولاد حارتنا». حتى هنا تتفق الروايتان للواقعة، ثم يبدأ الاختلاف، في باقي الرواية، اذ قال نجيب محفوظ إن هيكل أخبر عبد الناصر أن له رواية تنشر غداً في «الأهرام» «ولكنها من النوع الذي يودي في داهية»، فرد عليه عبد الناصر «تودّيك أنت كرئيس للتحرير». وهيكل يجزم أن ما نسب إليه، وما نسب إلى عبد الناصر لم يحدث ولا يمكن أن يجري، ومن رابع المستحيلات أن يقوله عبد الناصر، فضلا عن أن المناسبة لا يقال فيها مثل هذا الكلام».

ويتابع القعيد أن كل حرف كتبه نجيب محفوظ منذ 1959 وحتى 1970 نشرته له «الأهرام»، باستثناء رواية «المرايا» التي نشرها رجاء النقاش في مجلة «الاذاعة والتلفزيون» ورواية «الحب تحت المطر»، التي نشرها رجاء النقاش أيضا في مجلة «الشباب» التي كانت تصدرها أمانة الشباب بالاتحاد الاشتراكي. وينفي هيكل كلام محفوظ عن أن «الأهرام» اعتذرت عن عدم نشر الروايتين. وعلى أية حال، وبعد 47 عاما من الحظر في مصر، وافق محفوظ على نشر الرواية لكن بشرطين؛ الأول موافقة الأزهر، والثاني ان يقوم شخص قريب من الاخوان المسلمين بكتابة المقدمة، وهو ما تم بالفعل حين صدرت الرواية عن «دار الشروق» بمقدمة للدكتور محمد كمال أبو المجد الذي يحسبه قطاع كبير من المثقفين المصريين على الاخوان المسلمين. لكن هذه الخطوة أدت الى انتقادات بعض المثقفين والكتاب. والبعض مثل الروائي عزت القمحاوي اعتبره «كأنه يخون نصه، لأن الكاتب عندما لا يدافع عن نص كتبه يكون حريا به ألا يكتبه أصلا، لأنه في موقفه هذا يكرس سلطة غير شرعية للوصاية على الأدب خارجة عن القانون والدستور».

وأشار إلى أن موقف محفوظ هو «جزء من سياق عام لدى نجيب محفوظ، يتجلى فيه احترام السلطة إلى أقصى حد أيا تكن هذه السلطة». واتفق المقربون من محفوظ، كالغيطاني والقعيد، على أن «مطالبة محفوظ برقابة الأزهر تضع سابقة خطيرة، إذ تعطي الأزهر حقا في الرقابة على الإبداع، بما يخالف موقف المثقفين المصريين، خصوصا أن لائحة الأزهر نفسه تؤكد أن لا حق له في المصادرة أو الموافقة، إلا بناء على طلب من جهة ما». وبعد «اولاد حارتنا» و«الثلاثية» تدفقت اعمال محفوظ في كل اتجاه وكتب في كل القضايا.