أدباء مغاربة: وفاة الأديب ليست نهاية مرحلة ومدرسته باقية

TT

عن آثار غياب رائد الرواية العربية، يقول الروائي المغربي مبارك ربيع: «إن وفاة عملاق للأدب مثل نجيب محفوظ، كانت متوقعة منذ سنوات، لأنه كان يعاني من تبعات الشيخوخة وهو يشارف على المائة عام، لكن موته الأدبي غير متوقع، لأنه قد ترك بصماته في الأدب العربي الحديث، ولا سيما في مجال السرد الروائي والقصصي».

ويعتبر مبارك أن أدب نجيب محفوظ يتميز في دقة رؤيته الاجتماعية مع جمالية في المشاهد، ومع التفوق الخارق للعادة لاختيار الصور والنماذج البشرية التي يصورها والتي تؤول في النهاية إلى صميم المجتمع المصري ما يراه ويرتبه من خلال رؤيته.

ويضيف ربيع: «أن جائزة نوبل التي نالها نجيب محفوظ لا تضيف له الكثير من أجل أن يرقى إلى مرتبة العالمية، وهو لم يكن في حاجة إلى مثل هذا التتويج من أجل ذلك، لكن ما دام ذلك قد حصل فإنه يضع الأدب العربي في مصاف العالمية بمعيارها المتضمن لالتباسات ومتغيرات دخيلة على المجال الأدبي. ومن جهة أخرى يضع مصر في مكانتها كرائدة للتقدم العلمي والأدبي بثقلها الحضاري، وبأسبقيتها في كثير من الميادين لعوامل كثيرة».

وحول ما إذا كانت وفاة نجيب محفوظ ستشكل نهاية مرحلة من الأدب العربي وبداية مرحلة أخرى، يقول الروائي المغربي إنه من غير المنتظر أن يحدث ذلك، وأن المراحل الأدبية لا ترتبط بالزمن ولا بشخصية معينة، وأن عطاء نجيب محفوظ سيستمر في مكانته التي كان فيها ضمن الروائع الكلاسيكية المتميزة، ويمكن أن تظهر عبقريات أخرى، بل انها موجودة حتى في مرحلة نجيب محفوظ، لكنها لا تنال منه ومن مكانته لسببين: الأول هو أن تاريخ الأدب وتطوره لا يتحرك بنوع من التجاوز النهائي مثلما يحدث في النظريات العلمية التي تلغي فيه كل نظرية النظرية التي سبقتها، بل الأدب يتطور بشكل تراكمي، ويحتفظ فيه كل نموذج راق بمكانته من دون أن تنال منه التجارب الأخرى، وهذا ما حدث مثلا بالنسبة لأبي الطيب المتنبي أو شكسبير أو دوستويفسكي وغيرهم، كما أن نجيب محفوظ ـ يضيف مبارك ـ لم يكن حاجزا ضد التطور حتى يمكن القول إن وفاته ستشكل نقلة في مجال تطور الأدب العربي.

وحول مدى تأثير الاتجاه الروائي لنجيب محفوظ في الرواية المغربية يقول مبارك ربيع «إن نجيب محفوظ مارس تأثيره كغيره من الرواد في مجال الرواية، لكنه بالذات يعتبر مدرسة يمكن أن يتأثر بها البعض بدرجات متفاوتة، ولا يمكن للروائي العربي إلا أن يكون متفاعلا مع اتجاه نجيب محفوظ».

ويضيف مبارك «في المغرب قد توجد مؤثرات أخرى، مع وجود تلاقح مع ما هو عربي وغير عربي على العموم». ويقول الروائي المغربي محمد الهرادي، إنه بوفاة نجيب محفوظ تنتهي مرحلة أساسية في الأدب العربي الحديث ومرحلة التأسيس وابتكار الأساليب التعبيرية المواكبة للتحولات العميقة في الحياة المصرية. لقد نشأ نجيب محفوظ في مجتمع متحرك غني بالأفكار والمبادرات، ومنذ بداية تجربته الروائية المتمثلة في «الثلاثية»، أمكن للمجتمع العربي، والمصري على الخصوص، أن يجد نفسه في النص الأدبي، وتلك ميزة نادرة في الأدب العالمي.

ويضيف الهرادي «بوفاة محفوظ يفقد الأدب العربي تلك البوصلة التي وجهت العديد من الكتاب العرب، والمغاربة على الخصوص، لاستكشاف طرقهم التعبيرية. وسيبقى محفوظ دائما كاتبا مشاغبا، لأنه جعل صوته رديفا لصوت الحياة في الدروب والحواري، ولصوت الحرية والتحرر في الأزمنة الحرجة التي عرفها الأدب العربي». واعتبر الروائي والكاتب السينمائي المغربي، يوسف فاضل، وفاة نجيب محفوظ خسارة كبرى للرواية العربي، لأنه بصم مسار الرواية العربية من بدايتها إلى الآن، وأنه عايش أجيالا من الروائيين ولا يمكن إلا التأسف على هذا الرحيل.

ويرى فاضل أن تأثير نجيب محفوظ في الرواية المغربية كان ظاهرا، خصوصا في عقدي الستينيات والسبعينيات؛ وهي الفترة القوية لانطلاقة الرواية المغربية وتكونها في أسسها الأولى، و«هي مرحلة حضر فيها نجيب محفوظ بقوة ووجه مسار الرواية المغربية». وحول وجود «مخيلة سينمائية» في أعمال نجيب محفوظ، وتحول الكثير من رواياته إلى السينما وحضوره مراحل تصوير الكثير من أفلامه حتى يضبط إيقاع الرواية سينمائيا وطبيعة الشخصيات، يقول فاضل إن النجاح السينمائي لروايات نجيب محفوظ يعتمد على ركيزتين أساسيتين؛ الأولى هي أن روايته تكون قابلة لتحولها سينمائيا، وثانيا لأن المخرج الراحل صلاح أبو سيف، لعب دورا كبيرا في ذلك، خصوصا وأن الروايات الجيدة والشهيرة من الصعب أن تتحول إلى أعمال سينمائية في غياب مخرج كبير وموهوب، مثلما هو الحال لأعمال روائيين عالميين كبار.

ويعتبر فاضل أنه من دون صلاح أبو سيف، كان من الصعب أن تنجح روايات نجيب محفوظ سينمائيا، «إنها الصدفة التي جمعت بين المخرج والروائي، والصدفة حققت النجاح السينمائي لهما معا».