حلبجة غاضبة.. وسكانها يتهمون السلطات بإهمالها

أهاليها يشكون من أن الزعماء الأكراد «يستغلون» مدينتهم لـ«مآرب سياسية»

TT

حلبجة ـ رويترز: انجرش الزجاج المهشم تحت قدمي عدنان، اثناء سيره عبر نصب حلبجة التذكاري المدمر. وتوقف وأشار الى نقش مدون على الجدار. قال عدنان البالغ من العمر 27 عاما، وهو عضو في قوات البيشمركة الكردية: «هذا اسم والدي. أتذكر اليوم الذي قصفونا فيه بالغازات، كما لو كان بالامس. جرينا ولكن والدي واختي لم يفعلا ذلك».

واصبحت حلبجة، الواقعة قرب الحدود مع ايران، مرادفا للاعمال الوحشية ضد المدنيين، بعد ان قتلت قوات الرئيس العراقي السابق صدام حسين، خمسة الاف شخص في تلك المدينة، في هجوم بالغازات عام 1988. ويطلق الاكراد العراقيون على حلبجة «مدينة الشهداء» ويحملون المذبحة في ذاكرتهم الجماعية بوصفها «اوشفيتز» الكردية.

واليوم يقف النصب التذكاري للضحايا شاهدا على اعمال عنف أحدث وسخط يجيش في جنبات تلك البلدة المتربة. وفي مارس (اذار) وفي ذكرى مرور 18 عاما على الهجوم بالغاز، هاجم مئات من السكان المحليين النصب التذكاري وأضرموا النار فيه، مع تفجر الغضب ازاء الاهمال والفساد المتصور من جانب السلطات الكردية. وقال عدنان الذي يقيم مع وحدته، في ما كان يعرف بقاعة العرض، «من المحزن ان نرى ما حدث للمتحف». وفي قاعة اخرى تناثرت تماثيل محطمة الرؤوس لنساء وأطفال يمثلون ضحايا الهجوم بالغاز. وأنحى مسؤولون محليون باللائمة على اسلاميين وغرباء، في اشارة غير مباشرة الى ايران. ولكن شبانا في حلبجة قالوا ان الغضب المحلي من الحكومة الكردية دفع الى هذه الاحتجاجات.

وقالوا ان الزعماء الاكراد استغلوا حلبجة لمآرب سياسية، وان التبرعات والاستثمارات التي جاءت من الخارج لم تستخدم في تحسين المدارس والطرق والخدمات.

ولا يفهم عدنان، الذي كان عمره وقت الهجوم على حلبجة تسع سنوات، ونجا بفراره الى الجبال مع خاله وأمه، الاسباب. وقال «كلنا من حلبجة فلماذا يفعلون ذلك».

ولدى مكوان رؤوف اجابة. قال مكوان الذي يعمل حلاقا ويبلغ من العمر 29 عاما، «الحكومة لم تفعل شيئا لحلبجة، والشيء الوحيد الذي قامت ببنائه هو النصب التذكاري. الساسة لا يأتون الى حلبجة الا من اجل الذكرى السنوية فقط. لقد شيدوا النصب التذكاري عند أطراف البلدة لتفادي رؤية وجوهنا وسؤالنا عن مشاكلنا».

وبعد نحو 20 عاما على الهجوم بالغازات، يواجه صدام اتهامات بالابادة الجماعية بسبب تلك الحملة العسكرية، التي محقت مئات القرى الكردية، كما ان لدى الاكراد حكومة تتمتع بحكم ذاتي في كردستان هادئة. ومن المقرر استئناف محاكمة صدام في 11 سبتمبر (ايلول).

وتتمتع السليمانية القريبة ومدن اخرى بازدهار في حركة البناء، وتفكر شركات أجنبية في الاستثمار في قطاعي النفط والاتصالات هناك. لكن هذا الرخاء لا يصل الى القرى التي تحملت عبء حملة الانفال، التي شنها صدام.

ويقول الزعماء الاكراد، ان 100 الف شخص قتلوا خلال الهجوم الذي استمر سبعة أشهر. واختفى سكان قرى بأكملها وأصبحت المناطق القروية «محظورة على كل الاشخاص والحيوانات، وسمح لقوات الجيش باطلاق النار كيفما تشاء». وعلى الرغم من حدوث الهجوم بالغاز على حلبجة في نفس فترة حملة الانفال سيحاكم صدام بشكل منفصل عنه.

وشوارع حلبجة غير مبلطة شأنها في ذلك شأن معظم قرى كردستان، كما ان مدارسها قديمة ويشكو السكان من نقص الكهرباء والبطالة. ويمتد الطريق الى حلبجة بمحاذاة واد خصب به جبال صخرية ضخمة. وعند مدخل البلدة تنمو ازهار عباد الشمس بجوار لوحة اعلانات ضخمة، يظهر فيها نساء وأطفال ممدون على الارض بعد الهجوم بالغاز، وقد فارقوا الحياة. وكتب على اللوحة «مرحبا بكم في حلبجة. نحن والشجر والماء الشعب الكردي».

وقال كوشر محمد، 23 عاما، انه يريد ان تشتهر بلدته بأكثر من كونها مجرد رمز لاضطهاد صدام للاكراد. وقال ان «اباءنا يقولون لنا باستمرار ما حصل في حلبجة، خلال الحرب ولكننا نريد التحرك. والسبيل الوحيد لكسب العيش هنا هو تهريب البنزين من ايران».

وأنحى فؤاد صالح، رئيس بلدية حلبجة، باللائمة في انعدام برامج البناء في حلبجة على اعمال العنف في بقية انحاء العراق والقيود المالية للحكومة الاقليمية. واضاف ان الحكومة الكردية لا تستطيع اعادة بناء كل الاماكن في نفس الوقت ولكنها بحاجة الى مزيد من الاهتمام بحلبجة.

ويرى ميث علي، 21 عاما، ان هذا الاهمال متعمد. وقال ان «العالم يعرف العراق بسبب حلبجة، ولكن التبرعات تذهب الى جيوب الساسة. وكلهم يعيشون في اوروبا ولا يأتون الى هنا».