شباب يتحدون الخوف بالغناء ويحلمون بالشهرة في برنامج «نجم العراق»

المنتجون يريدون من المتنافسين أن يضعوا طوائفهم وأديانهم وأثنياتهم وعشائرهم عند الباب

TT

في قبو فندق بابل المعزز بحراسة كثيفة، كان المتنافس رقم 65 قد مر بوقت عصيب في الطريق الى الفندق، وها هو يقف على منصة سوداء، بينما أضفت الإضاءة الخافتة على المكان أجواء غرفة عمليات جراحية. كان ياسر إبراهيم، 22 سنة، قبل وصوله إلى الفندق، قد مر بنقاط تفتيش وطرق مقطوعة وجنود مسلحين وازدحام المرور، ما جعل رحلته تمتد إلى ساعتين بدلا من 15 دقيقة مثلما كان الحال عليه من قبل. حينما وصل إلى الفندق وجد عشرات من الشباب العراقيين يرتدون كلهم تقريبا مثل ملابسه، ويصطفون جميعا لتحقيق حلم ظل شديد المراوغة في العراق.

قالت رغد ليث، 16 سنة، التي بدت ساحرة في ثوبها الطويل الأسود وحذائها ذي الكعب العالي مع ألماس الصناعي وأحمر شفاه وظل أخضر حول العينين، «الشهرة. أنا أتمنى الشهرة. إنها فرصة عظيمة كي أصبح نجمة».

إذا كنت تظن أن العراق هو لوحة رهيبة فقط لسفك الدماء والدمار فإن عليك أن تتمعن أكثر بالتفاصيل. فرغد وياسر وآخرون يشاركون في اختبار لأصواتهم من أجل اختيار «نجم العراق»، وهو نسخة محلية عن برنامج «المعبود الأميركي»، إنه واحد من برامج «تلفزيون الواقع» المنتجة في العراق تحت ظروف خطيرة جدا، وهذه البرامج بدأت تنتشر عبر الشرق الأوسط.

وفي بلد يعيش مأزق الحرب تمنح عروض من هذا النوع أملا وفرصة وهروبا وعلاجا نفسيا للناس العاديين. وتتحدث شعبيتهم عن صلابة العراقيين وقدرتهم العالية على التكيف ولتوقهم لنشاطات عادية وسط حالة عدم الاستقرار والفوضى.

قال هيثم شعّوبي، رئيس لجنة التحكيم لبرنامج «نجم العراق» إن «برامج من هذا النوع تعني الكثير للعراقيين. نحن نعرف أن هناك حملة متواصلة لتجميد الحياة في العراق. وهذه البرامج تظهر أن العراقيين متمسكون بالحياة».

وبالنسبة للكثير من المشاركين فان هذه المسابقة تعد فرصة بل ان مغادرتهم بيوتهم مع مخاطر الخارج ونظام حظر التجول السائد، هي مغامرة كبيرة بحد ذاتها. إذ ليس هناك أي مكان آخر في بغداد يمكنهم إظهار مواهبهم وبعضهم يأمل أن يتمكنوا من جلب انتباه منتجين في الخارج تمكنهم من الخروج من العراق. ويبدو أن أكثر المتنافسين فرحون بالخروج من مساكنهم للقيام بشيء إيجابي، ففي عراق اليوم هذا يعد بحد ذاته ترفا كبيرا، حسبما قالوا.

لذلك كان ياسر على المنصة مع بطاقة كبيرة مكتوب عليها رقم 65 معلقة حول عنقه. كان حليقا، مع شعر خفيف أجعد، وارتدى قميصا أبيض بكمين قصيرين وبنطلون جينز أزرق مع حذاء جلدي أبيض. وحول عنقه سلسلة فضية. كان صدره مكشوفا. وراحت حبات من العرق تسيل فوق وجهه الدائري.

حدق ياسر في وجوه المحكمين الثلاثة الجالسين في الطرف الآخر من الغرفة. ولم يكن هناك جمهور، إذ لم يحضر سوى عدد من الموسيقيين مع أدوات تقليدية عراقية. وبدأوا في العزف. تنفس ياسر بعمق وهو يحمل الميكروفون بيده ثم بدأ يردد أغنية عراقية فولكلورية. بعد لحظات هبطت نبرة صوت ياسر، وبدأ بالتكسر. رفع أحد المحكمين صوته فتوقفت الموسيقى. «الاغنية قوية وأنت تفقد صوتك. غني بسرعة أبطأ».

حرك ياسر رأسه بخنوع. ثم بدأ الموسيقيون بالعزف مرة أخرى. لكن الصوت الذي بدأ أبطأ وأكثر قوة هبط مرة أخرى، ثم خرج عن اللحن. انكمش المحكمون على أنفسهم. وبعد لحظات توقف ياسر ليضحك بطريقة انفعالية وبنبرة اعتذارية «نسيت كلمات الاغنية». بعد دقائق قليلة قال شعّوبي رئيس هيئة التحكيم «أنت ما زلت طالبا في كلية الفنون ويمكنك أن تستعد مرة أخرى لمسابقة السنة المقبلة». لم يغضب ياسر ولم يقل إن المحكمين على خطأ. بل ابتسم وقال بأدب: «شكرا». قال ياسر لاحقا: «أنا لا أبالي إذا فزت أم لا. كل هؤلاء الشباب العراقيين يتحدون الوضع في العراق. نحن نحاول أن نظهر مهاراتنا لا أن نبقى جامدين وبلا أي عمل». وبالنسبة لمنتجي «نجم العراق» هناك دافع قوي وراء تقديم هذا البرنامج. إذ لا تقدم هنا أغاني غير عربية أو تدفع إلى التفرقة، وليست هناك أغان دينية متطرفة. ويشجع المنتجون المتنافسين كي يغنوا أغان فولكلورية وقصائد تم تلحينها ويتقبلها الوطن كله. وهم يريدون من المتنافسين أن يضعوا طوائفهم وأديانهم وأثنياتهم وعشائرهم عند الباب. ولتحقيق هذه الرؤية يضع المخرج والمصورون والمحكمون أقراصا بيضاء على صدورهم مكتوب عليها: «لوحدة العراق».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»