«الإسلام وتهذيب الحروب» (7) - الجماعة الإسلامية المصرية: السياح ليسوا محاربين وتأشيرة الدخول تقوم مقام الأمان

لاحرج في الإنفاق على تنشيط السياحة لتنمية الدخل القومي

TT

إن المتأمل في أحوال دخول الأجانب والسياح اليوم لديار الإسلام سيجد أن طريقة دخولهم هذه تندرج غالبا في مفهوم التأمين بمعناه الشرعي، مما يجعل دخول هؤلاء لهذه البلاد دخولاً مشروعا يمنع استهدافهم بالقتل لوجود الأمان الممنوح لهم أو لقيام شبهة الأمان على أسوأ الفروض.

وقالت الجماعة الإسلامية المصرية في كتابها الجديد (الاسلام وتهذيب الحروب)، الذي كتبه عصام الدين دربالة، احد القيادات التاريخية للجماعة والمحكوم عليه بالسجن المؤبد، في قضية اغتيال الرئيس المصري الراحل انور السادات، برزت ظاهرة استهداف الأجانب والسياح بالقتل مع مطلع التسعينات من القرن الماضي، وتارة كان هذا الاستهداف يحمل رسالة إلى الدول التي يتبعها هؤلاء الرعايا، وتارة كانت تلك الرسالة موجهة إلى الدول، التي تقع على أرضها هذه العمليات، وفي كل الأحوال كان الهدف واحدا، ويتلخص في الضغط على هذه الدول أو تلك لتغيير بعض سياساتها التي يرى منفذو هذه الأحداث أنها ظالمة أو خاطئة، واستند القائمون بهذه العمليات الى مقدمات ظنوها صحيحة فولدت النتيجة الخاطئة، وهي: أن هؤلاء الأجانب، سواء كانوا خبراء أو فنيين أو سائحين، محاربون دخلوا دار الإسلام أو دار الحرب، والأصل استباحة دمائهم، وأن هؤلاء الأجانب لا يصح الأمان الممنوح لهم وذلك لسبب من الآتي: ان أركان الأمان الشرعي غير قائمة؛ لأن هؤلاء لم يطلبوا أمانا من أحد ولم يعطهم أحد الأمان بالمعنى الشرعي، فالأمر بينهم وبين الحكومات على صورة أخرى غير الأمان الشرعي، ومن ثم فلا عقد للأمان قائم ولا عاقد له ولا معقود له، وإذا افترضنا وجود مثل هذا الأمان فهو غير معتبر لصدوره ممن لا يصح أمانه، وانهم ليست لهم شبهة أمان بعد تحذيرهم من القدوم لهذه البلاد، ويستدلون على ذلك بحادثة قتل الصحابي أبي بصير لأحد الرجلين اللذين تسلماه من النبي، صلى الله عليه وسلم، تطبيقا لبنود صلح الحديبية، انه على فرض وجود أمان لهم صحيح أو شبهة أمان معتبرة شرعا، فقد نقضوا هذا الأمان بما يفعلونه من مخالفات لمقتضى الأمان.

واكدت الجماعة الاسلامية المصرية في كتابها، الذي يأتي ضمن سلسلة تصحيح المفاهيم، التي اطلقتها بعد مبادرتها لوقف العنف في عام 1997 على إباحة السياحة، مشيرة إلى أن الإٍسلام حث الناس على السير في الأرض والنظر في سِير الأولين والآخرين: للتدبر فيها والتأمل والتفكر في عظمة الخلق وحكمة الأقدار، قال تعالى: «... فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ»، وقال تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا»، وقال تعالى: «وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً...»، فالضرب في الأرض، كما قال القرطبي على أنواع: منها ما هو جائز ومنها ما هو محرم، وذلك على حسب الغرض منه؛ ولذلك فإن السياحة جائزة سواء كانت للأغراض العلاجية أو الترفيهية أو التعليمية أو الثقافية أو التأملية لتحصيل العظة والاعتبار. أما إذا صاحب أيا منها ما يدخل في عداد المعاصي فهنا تصير السياحة محرمة، ليس لذاتها ولكن لغيرها ولأمر خارج عنها. ومن ثم فلا حرج على أي دولة كانت في أن ترصد جزءا من مواردها لتنمية الأنشطة السياحية، بما يحقق تنمية الدخل القومي، شريطة ألا يكون ذلك على حساب القيم والأخلاق والأحكام الشرعية وأمن البلاد والعباد، وهذا هو النموذج المطلوب اليوم تقديمه من الدول الإسلامية للعالم.

واشارت الجماعة الإسلامية إلى إباحة الاستعانة بالأجانب وغير المسلمين لتحقيق مصلحة مشروعة، طالما عرف عمن يستعان به منهم حسن الرأي وانتفي في حقه سوء القصد، ولعل في استعانة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، رضي الله عنه، بعبد الله بن أريقط الليثي، لمساعدتهما في الهجرة إلى المدينة، وكان هاديا ماهرا بالطريق، رغم أنه كان على دين قومه من قريش، دليلاً بينا على ذلك الأصل، وقد قال «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».

ولمحت الجماعة الإسلامية إلى أن اعتبار كل الأجانب والسياح، الذين يترددون على البلاد الإسلامية اليوم، محاربين حكم فيه تجاوز لا يخفى وخلل لا يغتفر؛ وذلك لأن هناك من بينهم من يعتنق الدين الإسلامي وإن حمل جنسية أجنبية؛ ولأن من بينهم أيضا من لا يجوز قتله ولو كان من غير المسلمين كالنساء والأطفال والرهبان والشيوخ.. إلخ؛ كما أن منهم من يدخل بأمان أو لتجارة أو لسماع دعوة الإسلام. واكد الكتاب الخطأ في جعل كل أجنبي أو سائح محاربا مستباح الدم: فقد يكون من بين أولئك الأجانب السياح مسلم معصوم الدم لا يجوز استهدافه. يقول الله تعالى: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما»، وهو ما يدل على عظم حرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب، إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية، فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق، وكمـا أن دمـاء المسلمين محرمة، فإن أموالهم محرمة محترمة، بقول النبي، صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا».

واضاف الكتاب، أنه قد يكون بين أولئك الأجانب والسياح من لا يجوز قتله، لأن الشريعة نهت عن قصد قتل أصناف من الكفار كالنساء والأطفال والشيوخ والرهبان ونحوهم، طالما لم يقاتلوا أهل الإسلام، وذلك للأدلة الآتية، فعن ابن عمر، رضي الله عنه، قال: «وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن قتل النساء والصبيان، كما قد يكون بين هؤلاء الأجانب والسياح من لا يجوز قتله لدخوله بأمان صحيح، وذلك لقوله تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ».

وبينت الجماعة الإسلامية الخطأ في القول بإباحة قتل الأجانب والسياح لعدم وجود أمان أو شبهة أمان لهم: إن المتأمل في أحوال دخول الأجانب والسياح اليوم لديار الإسلام، سيجد أن طريقة دخولهم هذه تندرج غالبا في مفهوم التأمين بمعناه الشرعي، مما يجعل دخول هؤلاء لهذه البلاد دخولاً مشروعا يمنع استهدافهم بالقتل لوجود الأمان الممنوح لهم أو لقيام شبهة الأمان على أسوأ الفروض، وبناءً على ذلك نقول، إن الأمان موجود وشبهة الأمان قائمة بالنسبة لهؤلاء الأجانب والسياح، وبيان ذلك يتضح عبر النقاط الآتية: ان تأشيرة الدخول اليوم تقوم مقام الأمان أو تمثل شبهة أمان: فتأشيرة الدخول التي يشترط توفرها لدخول أي أجنبي لبلد غير بلده، تمثل في حقيقة الأمر عقدا يشبه عقد الأمان بمعناه الشرعي، لا سيما لو كانت هذه التأشيرة صادرة بناء على دعوة مقدمة من مسلم لأجنبي لزيارة بلاد الإسلام أو للعمل بها، ولا يشك أحد في أن السائح أو الأجنبي عندما يقبل مثل هذه الدعوة، ويحصل على تأشيرة الدخول، يعتبر نفسه آمنا على نفسه وماله، ولا يتصور قبوله للمجيء إذا علم أن هذه التأشيرة لا تعني شيئًا من ذلك، ولبيان ذلك التماثل بين دلالة عقد الأمان وتأشيرة الدخول نستعرض بعض الأحكام المتعلقة بعقد الأمان، وتعرف الجماعة الأمان بأنه: «عهد بالسلامة من الأذى، بأن تؤمن غيرك أو يؤمنك غيرك فهو تعهد بعدم لحوق الضرر من جهتك إليه ولا من جهته إليك». وفي الاصطلاح الشرعي: هو عقد بين المسلم والمشرك على الحصانة من لحوق الضرر من كل منهما للآخر ولا ممن وراءه، إلا بحقه، ودليله: قول الله تعالى: «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ»، وفي الصحيحين: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم».